بقلم الاستاذ : حميد طولست
في الوقت الذي يفترض أن يكون فيه المغاربة يعيشون لحظة وعي استثنائية بعد قرار ملكي تاريخي بإلغاء شعيرة عيد الأضحى هذا العام، حفاظًا على القطيع الوطني واستجابة لأزمة معيشية خانقة، فوجئنا بإقبال هستيري على شراء الأضاحي والدوارات، وكأن القرار لم يصدر، وكأن العبرة لم تصل، وكأن الأزمة في مكان آخر غير هذا الوطن!
المفارقة الأشد مرارة أن هذه “اللهطة” الجنونية لم تأتِ من ميسوري الحال ولا من أصحاب أرصدة المال، بل من طبقات ظلت حتى الأمس القريب تجهش بالبكاء على الأسعار وتصرخ في وجه الغلاء، وتتهم الحكومة والشناقة والقدر مجتمعين بذبحهم كل يوم. فهل المغاربة فقراء أم عشاق دراما؟ هل يشترون بـ”الشكوى” أم بالأوراق البنكية؟ وهل الدموع التي نراها يوميًا في شكاوى المواطنين على المنصات مجرد تكتيك لكسب تعاطف افتراضي؟
ويأتي هذا في ظل الفضائح الخطيرة التي تمطر المغرب والتي كان آخرها فضيحة شواهد الماستر التي بلغت صداها القنوات العالمية، من BBC إلى التلفزيون العربي، لتضرب في العمق سمعة الشهادات الجامعية المغربية وتكشف عن تسوّق مكشوف للمعرفة…مبدؤه “اللي خلص ينجح”!والتي ما أظن انها ستكون الأخيرة ، في ظل ما عرفه البرلمان من تمرير وفي صمت لتعديل تشريعي خطير ، يضرب مبدأ المحاسبة في مقتل، حين صوّت نواب الأمة – أو من يمثلون أنفسهم – لصالح تضييق الخناق على الجمعيات التي اعتادت تقديم شكايات في ملفات فساد المال العام وتبديده. القانون الجديد منح، فعليًا، “درعًا واقيًا” للمسؤولين المنتخبين ومرشحي الأحزاب ضد الملاحقات القضائية، تحت ذريعة “تنظيم العمل الجمعوي”!
وفي الختام، لا بد من دعوة صريحة للسلطات: إن الحفاظ على القطيع الوطني لا يتم فقط عبر بلاغات رسمية، بل بفرض الصرامة في تطبيق القرار الملكي. فالتراخي مع من يرومون النحر في الخفاء، في تحد سافر للتعليمات الملكية، الذي يفتح الباب واسعًا أمام العبث، وتقويضًا لمفهوم الدولة الراعية والصارمة في آن واحد. كما أن الالتزام بهذه القرارات ليس فقط تجسيدًا للولاء، بل تجسيد للوعي والانخراط في مشروع وطني جامع، بعيدًا عن “بولفاف” اللحظة، وقريبًا من تخليق الممارسة السياسية والاجتماعية في مغرب يبحث عن جدية مفقودة.