بقلم الاستاذ : حميد طولست
منذ عقود، لم تكن القضية الفلسطينية بالنسبة للمغاربة مجرّد شعار أو ملف عابر في نشرات الأخبار. لقد كانت – ولا تزال – قضية إنسانية، دينية، وسياسية، احتلت موقع القلب في وجدان ملايين المغاربة. مئات الآلاف خرجوا في مسيرات حاشدة، وهبّوا في كل مناسبة لنصرة الشعب الفلسطيني، دعمًا معنويًا وماديًا، حتى سالت دماؤهم في معارك وشرايين الدعم الإنساني.
لكن ما حدث مؤخرًا في باريس – أمام معهد العالم العربي – شكّل خيبة أمل عميقة، وربما نقطة تحول جارحة لدى من تبقى لديهم بصيص من الوطنية في هذا البلد. في مشهد صادم، وبتنسيق بين النائبة في البرلمان الأوروبي ريما حسن، المحسوبة على حزب “فرنسا الأبية” المعادي للمغرب والداعم الواضح لجبهة البوليساريو، وعدد من عناصر الجالية الفلسطينية في فرنسا، تم عرض صور لصلب رمزي لقادة عرب، على رأسهم جلالة الملك محمد السادس نصره الله، والشيخ محمد بن زايد، والرئيس عبد الفتاح السيسي.
مشهد لا يمكن تفسيره إلا كعمل جبان وغير مسبوق، يستهدف الرموز السيادية لبلدان عربية دعمت، ولا تزال، القضية الفلسطينية رغم كل التحديات.
والأكثر إيلامًا، أن هذه الحادثة لم تكن معزولة. فقد تكررت الإهانات، وهذه المرة من داخل الأراضي الفلسطينية نفسها. ففي مدينة رام الله، وخلال افتتاح مركز تجاري، أقدم عدد من الحاضرين – بعضهم فلسطينيون – على التطاول على شخص الملك محمد السادس مجددًا، في واقعة موثقة بالصوت والصورة، دون أي استنكار رسمي أو شعبي يُذكر، من الجهات التي طالما تغنّت بالقومية والوحدة والمصير المشترك.
في المقابل، لم نسمع أي شجب أو إدانة من الأحزاب أو الجماعات المغربية التي تصدّرت مشهد التضامن مع فلسطين لعقود، كحزب العدالة والتنمية، أو جماعة العدل والإحسان، أو حتى النهج الديمقراطي واليسار “الممانع”. صمتٌ غريب… وربما مريب.
هنا، يتساءل المواطن المغربي البسيط: ما قيمة كل سنوات الدعم إذا كنا نقابل بهذا الجحود؟ هل أصبح الملك، رمز الدولة ووحدة الأمة، هدفًا مباحًا لكل من شاء أن يسجل موقفًا شعبويًا على حساب السيادة المغربية؟ وهل يعقل أن يتم التطاول على رمز وطني من طرف من يفترض أنهم إخوة، دون أن نجد من يقول: “كفى!”؟
صحيح أن المغرب دولة مؤسسات لا تقيس مواقفها بحجم الاستفزاز، وتدرك أن القضية الفلسطينية أكبر من زلات الأفراد أو انحرافات بعض النخب المأزومة في الشتات. لكن الصحيح أيضًا أن كرامة المغرب وقيادته خط أحمر، لا يجب السكوت عن تجاوزه.
لقد آن الأوان لمراجعة الخطاب العاطفي، والتفرقة بين “قضية عادلة” وشعب أو أطراف قد لا يبادلوننا الاحترام. فليس من الوطنية أن نصمت حين تُهان كرامتنا باسم قضية نؤمن بعدالتها. الوطنية، كل الوطنية، هي أن نقول “لا” حين تُنتهك حرمة رموزنا، حتى لو كان الجاني ممن حسبناهم إخوة في المبدأ والمصير.