بقلم : علي البارودي
كان الصوت مألوفا في سمعي حيث تعودت على سماعه كل سنة ،كل صيف وفي ذلك الوقت المحدد بالذات !
ألسنا في الواحد والثلاثين من أغسطس ؟
أجبته وكأن الجواب جاهز على لساني ينتظر الانطلاقة : بلى ولكن مضى على ذلك تسعة عشرة عاما ! ولكني ما زلت على عهدي وقد أمرني بذلك ،أجبته بصوت حزين لا يكاد يسمع
لم أكن مكترثا لمصدر الصوت الحنون أو الذي يأتي لمسامعي حنونا ومشفقا على حالي ، لقد تعودت على سماعه كل سنة أو بالأحرى كلما شدني الحنين إلى سماعه
كانت الشمس في كبد السماء تلقي بثقل حرارتها وأشعتها على جبيني المتعب عندما اصطحبني الحارس الى بيته غير بعيد عن جدار العار ،دخلنا بيته القروي الذي يميل في هندسته الى كوخ وقد يمكن وصفه أيضا على أنه عش من خشب وطين ،لا يهم فحرارة الشمس وأشعتها غائبة هنا ،ويبدو ان الحارس مرتاح في كوخه متعابش مع محيطه وكذلك أنا
جلست على كرسي خشبي من صنع يدوي يبدو انه من صنع الحارس نفسه وقد تأكد لي ذلك فيما بعد ،ثم جلس أمامي يرمقني بنظرات ممزوجة بالشوق والحسرة وراءها وابل من الأسئلة لكن لكن المقام لسب بمقام حديث وقد فطن الحارس لهذا ثم قال : هل أنت جائع؟ ودون انتظار جواب مني أردف قائلا : لقد حضرت طبقا من أشهى أطباقك وكأنني كنت على موعد مع الواحد والثلاين ،معك !
شكرا لك ،قلت وأنا مستغرق في تيه لم معه على الكلام وفكرت في الاسترخاء والدخول في نوم عميق يفقدني إحساسي بالدوار الذي يشوش على بصري ..
امتدت يده ناحيتي ،تفضل ثم ناولني كوبا ساخنا فقال :إنه الشاي نفسه الذي شربناه اخر مرة ، وقد شممت رائحته قبل الولوج الى الكوخ لكنني لم أعد أتذكر لأنني سرعان ما أتخلص من ذكرياتي المؤلمة
شربت شاي إيدار والتهمت كل ما قدم لي من طعام فشكرته ثانية ،وهممت بمساعتده في غسل الأواني ،إذاك أومأ لي بحركة ممانعة فقال : يجب ان ترتاح لون وجهك شاحب
رفعت رأسي لألقي نظرة فلمحت جهاز تلفاز مثبت بإدى أركان البيت يصدر أصواتا مزعجة كالتي أكرهها خاصة وأنها قد دقت ساعتي ،الساعة التي لا أرغب فيها لسماع أي صوت ،تلك الساعة التي طالما تتكرر ولا أعرف لها اسما ،
إنه الجهاز الجديد الذي أضفته على هذا البيت ليؤنسني ويحد من وحدتي، لم أعد أطيق العيش هنا منذ أن قضت يامنة زوجنتي في ذلك الحادث المشؤوم أمام الكوخ والتي قضى فيها أخوك أيضا ،لم أقل يوما إنه قاتلها بل إن روحيهما يشتركان في نفس القدر وأنا لم أكرهه يوما،لقد كان رجلا صالحا وروحه الان ترعى روح يامنة في انتظاري هو أيضا قضى هنا على أية حال ،
حدث كل هذا منذ عشرين سنة وما زلت أتخيل ذلك المنظر الرهيب الذي لا يكاد يفارق مخيلتي وولأجل هذا اتي كل سنة لزيارتك في نفس الموعد إلى نفس المكان وفاء لذكرى المكان ولروحيهما أجبته في الساعة التي لا أطيق الحديث فيها ..