بقلم الاستاذ : حميد طولست
رغم ما أسقطه غربال الذاكرة من تفاصيل ذكريات الأعياد ، المؤلم منها والطريف ، فإنه احتفظ منها بما يكفي لكي تبقي حية ، وتمكنني من لاستحضاره والتفكه بهو أخد العبرة منه ، ومن تلك الذكريات الطريفة ، أسطورة ” ذهاب القطط إلى الحج صبيحة يوم عيد الأضحى” والتي طالما رددتها الأمهات والجدات على مسامعنا ونحن أطفال صغار ، وشنفت مسامعنا إجاباتهن الجاهزة على أسئلتنا الطفولية البريئه حول أسباب اختفاء ذاك الإختفاء في ذلك دون غيره رغم ما يزخر به مما تحب القطط من لحم وشحم وروائح الدم والشواء ؛ تلك الإجابات العجيبة المستوحاة من عالم الخرافة والأساطير والتي كانت وعلى مر عقود من الزمن ، تعزو غياب القطط يوم العيد ، إلى ذهابها للحج ، ولازالت تلسعنا أمهات اليوم كما جدات الأمس ، بذات الإجابات الأزلية ، التي لازالت تجد لها صدى وقبولاً ، ليس لدى أطفال في عمر الزهور ، وعند عموم الناس وبسطائهم فحسب ، بل إننا نجذ لها صدى ومصدقين من بين المتعلمين ، وحتى ممن هم على درجة عالية من التعليم ، رغم فارق الزمان والمكان ، وتغير ظروف العصر والأوان الذي ظننا أن الخرافة قد اندحرت فيه ، أو على الأقل انهزمت في مواقع كثيرة من العالم ، وانحسرت مساحتها مع ما عرفه العالم من تطور معرفي شامل ، وانتشار عارم لتكنولوجيات معلوماتية رقمية واتصالات ذكية . لكن ومع الأسف ، لم يخفت مع ذلك كله وهج الخرافات ، ولم تتضاءل مساحتها ، ولم يقل عدد المؤمنين بها ، بل لازال عددهم وفيرا ، وفي تزايد لا متناهي ، رغما عن زخم ما تقدمه العلوم التجريبية من حقائق واكتشافات ودراسات ، مفندة للكثير من الأساطير ، ومن بينها على سبيل المثال أسطورة الزعم بأن ” للقطط سبعة أرواح” حيث–بين علماء بريطانيون، سبب اعتقاد الناس الراسخ بامتلاك القطط لـ”7 أرواح”، رغم أنها لا تعيش سوى حياة واحدة كباقي الكائنات الحية. وأرجعوا ذلك إلى قدرتها المدهشة على الالتفاف في الهواء عند القفز من أماكن مرتفعة والهبوط على الأرض بسلام ، إلى جانب تمتعها برد فعل سريع وتوازن كبير في بنيان أجسادها وعظامها، وامتلاكها عمود فقري بعدد أكبر من الفقرات مما يملك البشر حسب “ديلي ميرور” البريطانية ..
بكل صراحة ، ورغم الطابع الفكاهي للتساؤلات الطفولية : أين تختفي القطط يوم العيد ؟ وما هو الشيء الذي يجعلها تهرب في هذا اليوم الذي يتوفر فيه ما تحب من لحم وعظم ؟ فإن ظاهرة اختفاء القطط صبيحة يوم عيد الأضحى ، المنتشرة بين الناس منذ آماد بعيدة ، تبقى أمرا محيرا ، وموضوعا يدفع فعلا لطرح نفس التساؤلات رغم فكاهيتها وطفوليتها ، والتي تزداد فكاهة وتسلية ، عندما يتدخل بعض من لديهم هوس مرضي بالتظاهر بموسوعية المعرفة ، والاعتقاد القاطع بأنهم يعرفون كل شيء ومطلعين على كل شيء – الذين لا مكان لمفردة “لا أعلم” في قواميسهم ، ولا يتورعون عن الإجابة على أي سؤال كيفما كان نوعه وموضوعه ، ولا مشكلة لديهم فيما يمكن أن يترتب على ادعائهم المعرفة ، من وتزييف للحقائق واختلاق للأكاذيب– لمحاولة فلسفة الظاهرة على أهوائهم وإن خالفت الحقيقة والواقع ، تماما كما كان يحدث في العصور الغابرة من عمر البشرية عندما كان يلجأ الإنسان لوصف الظواهر الطبيعية بالمعجزات ويفسرها بالقصص الخرافية ، وهذا أمر بديهي لأنهم كانوا يفتقرون للعلم والمعرفة ، وكلنا نعلم أنه كلما توقف المد العلمي ، أو تضاءلت مساحته ، لأي سبب ، إلا وتسيد الجهل وتفشت الخرافة ، وكلما عم العلم والمعارف الإنسانية ، وانتشرت الاكتشافات والنظريات والمخترعات الجديدة في الطب إلى الفيزياء والكيمياء والفلك والطيران والرياضيات وغيرها كثير جداً ، إلا وأزيحت غشاوة الخرافة عن العين ، وانحسرت مساحة الأساطير عن عقل الإنسان وتقدم في كل المجالات ..
خلاصة القول هو أنه رغم إجماع المغاربة على أن القطط تختفي صبيحة العيد عن الأنظار فإني أشك في صحة هذه الأسطورة ، وأن حقيقة الأمر هو أنه ربما أننا في الواقع لا ننتبه ولا نبالي بوجود القطط من عدمه في تلك الصبيحة الغير العادية ، التي نكون فيها منهمكين بالذبح والسلخ والتقطيع وشي الرؤوس وافتراس بولفاف والتهام الدوارة واللحم، وعندما ننتهي من التمثيل بالخروف ونركن للراحة و “كندوروا فجنابنا ” كما يقال بدارجتنا المغربية ، ننتبه لوجود القطط حولنا ، تطلب نصيبها من موائدنا العامرة “بالشهيوان العيدية ” ، أو تتعارك على مخلفات الأضحية في الحاويات المتخمة بأطراف الخراف وقطع الأحشاء المنتشرة حولها في منظر دموي مريع يبعث على الغثيان والاشمئزاز ..
وعيدكم مبارك سعيد.