إشكالية الشخصية بين الثقافي والأنتربولوجي

إنجاز د: الغزيوي أبو علي

دة  : ليلة بن المداني.

تقديم:

إن هذا المقال نعني به التحول الموضوعي للنسيج البشري الغيري، و الذي بدأه مقدم العولمة، لتمزيق أوصال الدول و الحكومات ، و قيود التراث و الشخصية على نطاق كوني، فعلى الصعيد السيكولوجي جاء هذا المقال ليندرج ضمن الهرميات التراثية التي أبدعت هذا الماضي و هذه القارة للوصول إلى هذا المأزق الأنطولوجي و النفساني الذي أبدعه الغرب لنا و فينا، فالشخصية إذن هي حق الاختلاف بجمل الحرية إلى الآخر المهمش و فجر ينابيع الإبداع المتنوع، فالشخصية إذن هي مسلمة و مقدسة فكريا ودينيا، لا ينبغي وضعها في حرج انطولوجي حاد بين الشعور التاريخي و الوعي الثقافي، إذن فالثقافة تؤثر في الناحية العقلية  و المعرفية للإنسان و تعمل على الجانب التأثيري و الميولاتي، و توجهه وجهة أخرى لتجعل منه إنسانا سالما، لذا اهتمت النظريات النفسية بالشخصية، حيث اعتبرها فرويد بأنها ميدان لصراع قوي و دوافع متناقضة، لكن هذه النظرية أهملت الجوانب الثقافية و الاجتماعية، مما أدى إلى بروز أدلر ويونغ اللذان أعطيا لهذه التوجهات النفسية و حولتها من بعده الإيديولوجي إلى بعده النفسي، حيث يرى أدلر أن العوامل الاجتماعية هي الأساس في تثبيت الإحساس بالنقص، أما يونغ بدوره اهتم بعقلية الشعوب البدائية1 أما رايش فقد اهتم بالعوامل الاجتماعية و الثقافية في تكوين الطبع و يقول فلوجل <<لقد اتخذ انفصال أدلر عن فرويد صورة استبعاد و تضييق الكثير مما كان يعتبر جوهريا في التحليل النفسي، في حين استخدمت ثورة يونغ طريقة متقابلة هي التوسع2، لكن الطاقة الجنسية و غرائز حفظ الذات و النوع جعلت يونغ يرى بأن الذي يبدو هو الطاقة الحيوية الكلية التي تبدو لنا في صور متنوعة من النشاط الإنساني، كالحب، و اللعب… فالشاعر حسب فرويد يخص ابداعاته كلها في دائرة الغرائز اللاشعورية المورثة بيولوجيا، لكن عند يونغ أن هذه الغرائز تبقى رمزية لجميع تصورات الشاعر، فهذه الأفكار يسميها يونغ بالأنماط الأولية، باعتبارها نماذج للسلوكات الرمزية المعتمد عليها في حياته الواقعية، فهذه الرؤية النقدية المرتبطة باللاشعور الجمعي حسب يونع تجعل الشاعر يلتجئ إلى المواد الأولية المبثوثة في الخزان الماضوي لتتساوق مع شروط المعرفة الإبداعية، من هنا ندرك ان الشخصية المبدعة حسب يونغ لا تخرج عن الانماط هي التفكير بالوجدان، و الإحساس و الحدس، فالمبدع المنبسط الوجدان فهو سهل الانخراط الانفعالي في المجتمع، أما المنطوي فهو عميق و قوي في وجدانه، لا يفصح عن انفعالاته إلا في الكتابة3 وهذا ما طرحها أدلر في كتاباته النفسية، معتبرا أن التصور و التعويض و غائية التعويض، و الحاجة إلى الجماعة هي بمثابة خصائص ادراكية و نسقية تجعل المبدع أن لا يكون منطويا و لا معزولا، بل لا يكتب لنفسه، بل للآخر الجماعي، لأنه يحمل في ذاتيته الأنا الجماعية، لأن طريق الإنسانية كتاريخ للإحساس بالنقص و المحاولات لايجاد الحلول لهذا النقص4>>. هكذا إذا أردنا ان نفهم هذا المبدع لابد من وضعه في إطاره الاجتماعي و علاقاته الإنسانية دون استحضار ما أكده أدلر عن حظوظ الرجل في المؤسسات التقليدية و النظم المؤسساتية، و خاصة عند انتقال الأسرة من نمط أميسي إلى نمط أبيسي، فالإبداع لا حدود له و لا مكان يسيجه، بل هو زئبق ينطلق من الجزء إلى الكل، و من الكل إلى الجزء، ليبدع لنا استدلالا جدليا سببيا و ذلك لحفظ الحضارة، و الذات و الإبداع من التحلل و الدمار، و هذه الرؤية الأنتربولوجية تهدف إلى المعرفة الشاملة لهذا الكائن الناطق في امتداداته التاريخية و الجغرافية و النفسية، و هذا يقربنا من النزعات التي سار عليها الغرب مثل التطورية (التوحش – البربرية – الحضارة) كما يرى مورغان، أو الانتشارية و هو انتقال و انتشار ثقافة في مكان بعيد، و هذه النظرة الانتشارية ستعرف انتقادا من طرف الوظيفيين الذين يرون أن هذين العنصرين اعتمده الغرب من أجل إقصاء الآخر، و استعماره و ذلك عن طريق الرحاليين أو الجغرافيين أو المكتشفين، و هذه الرؤية التعصبية التي عملت على عزل العادات والنظم الاجتماعية و العادات و وظيفتها حسب رؤيتها الإيديولوجية، جعلتنا نقترب من لينوفسكي الذي يرى أن كل ثقافة تتأسس على نوعين من الحاجات و الدوافع، فالنوع الأول يسميه الحاجة البيولوجية الأولية، و النوع الثاني لابد من ثقافة و تنظيم محكم لتقنن ميولاته البيولوجية و هذا ما سماه بالمستلزمات الثقافية (الاقتصادي – الاجتماعي و السياسي، و التربوي) ثم اللغة، و يقول في هذا الصدد <<فالثقافة من زاوية أكثر عملية فإنها ستقدم للعلوم الإنسانية عملا نفيسا جيدا5>>. فهذا التصور المعجمي يعيدنا الى التاريخ لمعرفة النظريات و النزعات الثقافية و المعرفية التي جعلت الإنسان الغربي يعيد النظر في هذا المتخلف والمتوحش سواء من ناحية معرفية أربيولوجية او اجتماعية دون ذكر أصالة الآخر، إذن كيف نوفق بين نسبية المؤسسات الاجتماعية ووحدة العقل الإنساني؟ أسئلة كثيرة و متنوعة تقربنا من جنس الثقافة، و من الشخصية قصد معرفة التأثير و التأثر و هذا ما أكدت روث بينديكت في كتابها الأنماط الثقافية، فالقضية التي ارتكزت عليها هذه الباحثة الأمريكية هي دراسة الجوانب السيكولوجية في الثقافة السائدة، و أيضا دراسة هذه الشخصية في علاقتها بالثقافة لمعرفة علاقة الفرد بالجماعة، و الفرد و الثقافة، كل هذا هو فهم هؤلاء الأفراد و المجتمعات و هذا ما تفعله الدول الغربية و أمريكا في سياستها العربية، حيث تهدف هذه الدول المؤمركة إلى دراسة القبائل، و العادات و السلوكات العربية لمعرفة هذه الشخصية القاعدية كما يفسرها كاردينر (العالم النفساني) التي تسمح لنا في الاندماج الجماعي معها لمعرفة الشخصية الباطنية، ويقول لينتون في هذا المقام لا إن الثقافة تضمن لنا توافق هذه الأدوار مع نسق القيم و المواقف الأساسية6، إن قراءة الثقافات خارج المركز كما أكد بها (مالينوفسكي)، و هذا ما يذكرني بالصراع الذي كان قائما بين النزعة الاجتماعية و النفسانية، و هذا الصراع له خصوصية متميزة، تجعل الشخصية تختلف حسب اختلاف الأفراد و الانتماء، و الإيديولوجية كما يقول لينتون في كتابه المذكور أنفا، بينما نجد الباحثة الأمريكية ماركريت هيد في كتابها – العادات والتقاليد في جزر ساموا – أن المراحل التي يخضع إليه الإنسان الساموي لا تتطابق مع المجتمع الأمريكي، لأن مرحلة المراهقة بالنسبة للأمريكي أو الفرنسي أو الألماني يعاني و يكابد و يعيش أزمات نفسية و انحرافية، بينما الشاب في الساموا يعيش المراهقة بدون مشاكل، و لا عقدة أوديب أو عقدة ألكترا، و هذا كله راجع إلى الوسط العائلي و الاجتماعي و نماذجه المعروفة حيث يلعب دورا مهما في تكوين و بناء الشخصية أكثر ما تلعبه العوامل الطبيعية و لا البيولوجية كما في بعض قبائل غينيا الجديدة كما ترى هيد، لأن المراهق الغيني يميل إلى التعاون و المساعدة بدل الصراع و الانتقام كما في الغرب، فالتدبير يمارس في إطار الظروف المحيطة سواء كانت انفعالية أو سوسيوثقافية، أو انتربولوجية، أو اجتماعية، و حضارية، تتشكل في مسار التواصل بين الناس، و يجب الإشارة إلى أن هذه العلاقة لا تبدو لنا بصورة واضحة في حياته، و خاصة في تعامله مع الأعمال الأدبية وتبدو لنا واضحة المعالم من خلال تعايشه مع المدرسة، و الأسرة، و الشارع، والسلطة7، فالوراثة الجنسية كما ترى كارين هوزي هي واحدة من أخطر المعيقات لتطور التحليل النفسي8. إذن تطالب هذه الباحثة الألمانية بأن نكشف عن العلاقة التصادمية بين الميولات الثقافية و التعاون، و نوعية الصراعات المشخصنة في العائلة و في المجتمع، لأن الشخصية الغريبة تعيش الرفاهية و الحرية، والمساواة، و لكنها غارقة في العدوان، و الإجرام، و الانحراف، مما يجعل هذه الشخصية تعيش الانفصام، و الهذيان إلى حد الجنون كما في فرنسا و بلجيكا و ألمانيا، فالروابط بين التمدن الحداثي و الصراعات الداخلية تجعل العلاقات الاجتماعية و الأسرية تفقد صلابتها، و مركزها نظرا للقوانين، و كذا البعد العلماني، مما جعل الدول الأسيوية والإفريقية لا زالوا يعيشون الألفة بين العائلة، و الأسرة، كما يقول سيمسيل و أورتكيز في كتابهما المعنون أوديب إفريقي، فهما يقولان أن عقدة أوديب لا تظهر كما في الغرب، بان الافريقي يكبت مشاعره، وغرائزه لكي يظهر بأنه شخصية سوية كما في السنغال حسب المؤلفين، فالتحليل النفسي رغم ولادته الأوروبية، فإنه لا يتلاءم مع العادات و التقاليد المخالفة للغرب، فيبقى السؤال المركزي: كيف نبدع تحليلنا ومناهجنا؟  لذا نرى أن المدرسة الثقافية اليوم ترى أن المسلمات التي ورثناها عن داروين، و فرويد، ولاكان، و رايش وبياجي، تبقى نظريات مختلفة عن خصوصية الإنسان العربي البدوي و الإفريقي رغم السمات المشتركة فيما بيننا سواء على المستوى الإنثنوغرافي، أو الثقافي أو الديني، و تبقى أطروحات الغرب كحكايات تسوده وتسود مجتمعات أخرى بطريقة سلبية و ليست إيجابية، فالشعور بالتفوق الثقافي والعلمي المركزي يجعل الشخصية المهمشة لا تعيش المعالم النفسية بكل ترساناتها التمثيلية أو التصويرية أو التجسيدية، بل أن الشخصية تولد داخل مجتمع ما، فهو يولد أيضا داخل ثقافة خاصة تشكل شخصيته، فالثقافة هي الإطار الأساسي و الوسط الذي تنمو فيه الشخصية و تترعرع، حيث أن لكل فرد شخصيته الخاصة به، نرى أنهم يتشابهون في طابع الشخصية العام الذي تتميز به ثقافتهم9. وانطلاقا من هذا الطرح المتبلور ندرك ان الانسان ليس وسيلة، بل هو غاية، و قيمته تتجلى في وعيه لذاته للوجود وللتطور، هكذا عملت العلوم النفسية بإعادة الإنسان ككائن طبيعي، و ليس مستلب كما يقول هيدج، فالإنسان ليس شيئا كما أرى، بل هو كائن اجتماعي و سياسي و غريزي و فكري، لأنه يأخذ جذارته من التربية والأخلاق و العمل و ليس من الطبيعة الخارجية كما يرى كانط، إذن فشخصية الإنسان لا ينبغي أن تكون متذبذبة و لا سالبة كما يرى هيدج، بل لا يدمن التفاعل كما يرى غستروف ، لابد أن يكون أناويا في ذاته، بل أن يؤسس شخصية انطلاقا من مرآة الآخر، فالبحث عن التاريخ الثقافي العربي هو بحث عن هذه الذات المعطوبة والمسلوبة باسم التقدم والتطور، لأن اختلاف الظروف التاريخية هي التي تتكفل برعاية هذا المذهب السيكوسوسيولوجي والأنتربولوجي، و النفساني، لأن الوعي بالتقدم و الحداثة، و ما بعد الحداثة كلها نزعات تاريخية تطورية، موضوعها التاريخ الغير الغربي، لأن سياسة السيكو الثقافية هو حفظ البقاء والتطور من أجل استمرار النوع البشري الأبيض فالعقل الغربي هو مناقض لمجتمعات غيرية التي لازالت تعيش إما الحداثة التنويرية أو ما بعد الحداثة التي تسمي نفسها، إنها رؤية مسالمة و غير متناقضة مع المجتمعات الباردة، لأن الشخصية العربية يريد دوما التحرر من العصبية القبلية لكي يندمج في سجل الحداثة، فرؤية الغربي الى الاسيوي والافريقي هي رؤية مؤدلجة و غير عقلانية، لانه يرى فيه الاستبدادي، و القهري و المتخلف و اللاعقلاني، لذا اعتبر مورغان بان جميع الديانات البدائية بشعة و الى  حد ما غير مفهومة، و يضيف فريزر Frazer أن الممارسات الطقوسية و الأساطير لدى الجماعات البدائية هي بمثابة ماسي مزمنة لكل أخطاء هذا الإنسان، و أنها جنون و تفاهة، حتى الزمن الذي تعيشه هذه الجماعات هو زمن ضائع و غير صانع، و هذا ما نجده في كتاب la mentalité prémitive – العقلية البدائية لليفي برويل – Levy Bruhl  – الذي يؤكد فيه أن العقلية الغربية هي عقلية مرتبطة بالحضارة الغربية، لأنها تتأسس على العقلانية و عقلنة الزمكان، وأن الإنسان الغربي خاضع لتقنيات العقلانية والموضوعية و السيكولوجية العلمية، أما الشخصية العربية المقهورة لا تخضع للعقل، بل لقوى غيرية و غيبية، و للطبيعي و للوهمي، حيث يصبح التمييز بين هذه الثنائية الميتافيزيقية سهلة، لأن هذا العربي مكبل بالسحر و بالخرافة و بالشعوذة و ما الى ذلك، هكذا يرى ليفي أن هذه الشخصية لا تحدد المكان و لا الزمان بالشكل القياسي أو المنطقي الرياضي، بل يتداخل فيه البعد الخرافي و الواقعي، و يبقى العربي مكبلا بأمراس من التقليد، لا يستطيع أن يكسر هذا الصنع الذي لا صنع له، بل يظل أن يحلم أن يرحل إليه لأنه يقدم له الحرية، و العمل و السعادة، بدل الشفاء، و القهر والخنوع و الغربة كما يعتقد، رغم أن سبنسر يرى أن المجتمع البشري هو جسم مجتمعي، ينمو و يتطور ويتحول لكي يبني ذاته كأعضاء و كوظيفة اجتماعية و كفيزياء اجتماعية كما يقول أوغست كانط Auguste comte و هذا تكسير لهيمنة الشخصية الغربية التي تدعي القيم و الأفكار العقلانية، لكن إذا نظرنا من منظور العقل النقدي نطرح السؤال التالي: كيف يمكن أن نهدم هذه الأصنام التي لم تعد قادرة على استجابة حاجيات المجتمعات العربية؟ و هل التقدم كوني أم غربي؟ هل ما بعد الحداثة هي مطلقة ومصيرية أم نسبوية؟ و هل آن الأوان أن نعيد قراءة الغربي بالعقل النقدي العربي كما يرى الجابري، وطرابشي و عزام، و أومليل، و يافوت، و صلاح فضل، و محمود اسماعيل و غيرهم من النقاد الجذريين؟ لذا ولدت أزمة هذه الشخصية السيكولوجية الغربية مع التحولات المجتمعات الأسيوية، و الإفريقية و جنوب أمريكا، فهذه المجتمعات اعتبر هذا المركز شادا و غير قياسي، إذن لابد من التميز و التفرد و ذلك عبر مستويات عدة، منها أن هذه البشرية الغيرية تمتلك الفكر و التقنية و الأخلاق، و المعرفة، و أن الثقافة بالنسبة لهذه الجماعة هي فطرية و عضوية، لذا أصبح التكوين المنظوماتي الشخصي ليس عرقية و لا خاصية غير قابلة للملاحظة، و الفرضية و الملاحظة، و التجربة، و أخيرا استنتاج عام، و هذه الرؤية الاجتماعية و الثقافية، جعلت النظام الثقافي العام يتأطر داخل المجموعة البشرية، علما منا بأن الثقافة هو جهاز أداتي يسمح لهذه الذوات بأن تبني عوالمها بشكل أفضل المشاكل المشخصة و الخاصة التي ينبغي عليه مواجهتها داخل الوسط الاجتماعي، فهذه الكائنات البشرية الغيرية تربط فيما بينهما علاقات معينة، اي كائنات غير مصطنعة كما يفعل الغرب، بل هي علاقات ثقافية و اجتماعية و نفسانية، فالشخصية السيكوسيولوجية هي نسق و دينامي كما يقول هالينوفسكي في كتابه << نظرية علمية حول الثقافة>>، إذ تعمل هذه الشخصية كل ما في وسعها بالتكيف مع الوسط، و الزمان، من أجل تسجيل حضور البقاء كالنمل أو النحل، و يرى راد كليف براون في كتابه “البنية و الوظيفة في المجتمع البدائي، أن النسق و الاستمرار الاجتماعي هو بمثابة نظام للتكيف”ص46، فالتكيف هو فلق و ابداع توازن مجاله الثقافة، و التفاعل والتواصل و قوة تجاوز كل الظواهر الشاملة و الكليانية الغربية، فالشخصية العربية اليوم غير قادرة على بناء نسقها الثقافي و السياسي و الاجتماعي نظرا لغياب الضمير الجمعي أو الشعور الكلياني الذي يعتبر الوجه الأساسي العام في المجتمعات، فيبقى الإنسان العربي يحلم بحياة الرفاهية، و كذا التسلق الطبقي دون مراعاة الهامش، لذا نجد تناقض بين القاعدة و القمة، و هذا التناقض يقربنا إلى السؤال الجوهري، هل نحس كما يحس الأوروبي أو الأمريكي أو الصيني و السوفياتي؟ أم أننا خارج الأحلام و السعادة؟ أسئلة تشق الذاكرة و تداعب الوعي ليكون لا واعيا، غايته الاستهلاك و ليس الإنتاج و لا الإبداع، فالإنسان العربي ينبغي أن يعيد النظر في ماهيته، و وجوده و نظره الى الآخر كما قلت10، فإعادة النظر هي التي تجعلنا نحس إحساسا شديدا بالسلطة و بالسيادة، و القانون، و الدستور و الحكم، كل هذه المفاهيم خاضعة للملاحظة الحسية و البصرية، فهي حقائق خاضعة للعوامل النفسية الداخلية و الخارجية، لان الحقائق الاجتماعية تكون سابقة عن الأفراد، فهي التي تضع الذات و التاريخ و المجتمع، و ليس الفرد وحده القادر على التسيير والقيادة بل لا قيمة للفرد إلا داخل الجماعة، حيث يكمن الطابع الأخلاقي و التضامن الاجتماعي كما يرى دوركايم11، إذن ما الفائدة من هذا المقال الذي يطرح قضية الشخصية و ما الفائدة من هذا التنوير النفسي والأنتربولوجي إذا لم يخاطب ضمائر الناس و عقولهم، إذن أن قيمة الثقافة تظل هي الطاقة التي تبدع اللغة، و الذات، و الكون و الرقي و التقدم كما يقول موريس أبو ناصر في كتابه “التنوير في إشكالاته ودلالاته”ص36 – 37، إذن فالشخصية العربية لابد لها من إعادة قراءة المفاهيم المستهلكة من طرفه كالحداثة، و العولمة، و المركزية، و ما بعد الحداثة، و التفاعلية، و الثقافية، كلها قراءات التي تدعو إلى تطوير أساليب تعليمنا، و ثقافتنا و سلوكاتنا من أجل مواكبة المنظومة العالمية، و تجاوز كل النواقص المقاراباتية لهذه الشخصية المعروفة تاريخيا، و حضاريا، و معرفيا، إذن هذا الوضع الذي نعيشه اليوم نفترض مساءلة المقاربة النقدية المؤطرة لدرس الشخصية قصد تقويم كفايتها المعرفية و الوقوف على استراتيجيات تصريفها في الممارسة الواقعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *