تمهيدــــ العمل أفضل من النية بدليل قوله تعالى: “لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ”
ها نحن نلتقي مجددا على هامش ، الحدث الكروي العالمي الأول في الشرق الأوسط ، والأول على الأرض العربية ، الذي عاش أطواره التي استغرقت 30 دقيقة ، ملايين من محبي ومشجعي كرة القدم عبر مختلف أنحاء العالم ، نلتقي لننبش -كما وعدت في مقالتي السابقة- عما عرفه حفل افتتاح هذه النسخة الثانية والعشرين من كأس العالم الدائرة على أرض قطر من أحداث غريبة ومثيرة للإنتباه ، والتي كان من أهمها تلك المبادرة اليابانية التي لفتت غرابتها عن ثقافتنا الإنتباه إليها ،والمتمثلة في تطوع الجمهور الياباني لتنظيف مدرجات ملعب “البيت”، عقب المبارة الافتتاحية ، الأمر غير الجديد على شعب واقع البناء الأخلاقي فيه يشكل أهم أساسات صناعة التحضر والرقي في معارج التقدم، كما قال أبو علم الاجتماع ابن خلدون: ” الأخلاقي أس من أساسات صناعة التحضر والرقي في معارج التقدم “.
وكما يحفظ التاريخ أنها ليست هي المرة الاولى التي يقوم فيها اليابانيون بمثل هذا السلوك التطوعي المتحضر، الذي هو سمة من سماتهم ، وعادة من عاداتهم المتاصلة التي شبوا عليها ، وتسبعوا بمبادئها وأصبحت تتصد تصرفاته بتلقائا في حلهم وترحالهم، وقد سبق أن فعلوها في الالعاب الاسيوية في قطر قبل اليوم..
فليس ذلك بعجيب ولا بغريب على شعب يُدرس اطفاله مند نعومة اظافرهم مادة تسمى “الطريق الى الاخلاق” التي بعت صلى الله عليه وسلم لإتمامها كما في الجديث الشريف :”إنما بعتت لأتمم مكارم الخلاق” نفس الأخلاق التي كعلها الشاعر أحمد شوقي شرط وجود الأمم والشعوب في قوله:
وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا. الأخلاق التي فطن اليابانيون إلى قيمتها وقيمها ، فبنوا عليها تجربتهم النهضوية ، بتدريسها كمادة “الأخلاق”منفصلة يتلقاها التلاميذ من الصف الأول الابتدائي إلى السادس منه، يتعلمون خلالها أفضل طرق التعاطي مع الآخر ، يابانيا كان أو من بقية شعوب العالم ، ويتدربون على احترام وحماية جميع مكوناتها من التدمير والتخريب ، ليس كواجب ديني شرعي ، لكن كحق ثابت واصيل للجميع ، ما جعل من اليابان شعبا أخلاقيا، ومن تجربتهم المثيرة للتأمل والتفكير نموذجها نهضويا يوازي بين الأصالة والمعاصرة ، والذي يمكننا ان نستفيد منه طالما لم تنجح مدارسنا عبر مناهج التربية الاسلامية الُمستهلكة، والتي لم نشهد لها اي أثر في ارتقاء عقلية الطالب واخلاقياته، ولم يتهذب على احترام قوانين الاخلاق، ليعرف كيف يتعامل بشكل انساني مع الآخر ويتعايش مع من يختلف معه فكرياً بشكل سلمي ، على الرغم ان للأخلاف ميزان في ديننا الاسلامي وخصوصاً في مسألة التعامل مع الناس القائم على الاحترام والمحبة والتواصي بالحق والصبر، فمجتمعنا تنقصه هذه الثقافة على وجه التحديد .