استخدام سيارات الدولة لأغراض شخصية ظاهرة مشينة تخدم المصالح الشخصية

بدر شاشا  باحث 
في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها العديد من الدول، ومن بينها المغرب، تعتبر ممتلكات الدولة جزءاً لا يتجزأ من الموارد العامة التي يُفترض استخدامها لخدمة المجتمع بأكمله. ومع ذلك، باتت ظاهرة استخدام سيارات الدولة لأغراض شخصية تتفشى بشكل كبير وتثير استياءً واسعاً بين المواطنين. فقد أصبح من المعتاد رؤية سيارات الدولة، الممولة من المال العام، تُستخدم خارج أوقات العمل الرسمية لنقل أفراد الأسرة أو لقضاء احتياجات شخصية، ما يعكس استهتاراً صارخاً بمقدرات الشعب وإساءة لاستخدام الأصول العامة.
 
السيارات العامة: رمز خدمة الشعب لا راحة المسؤول :
 
سيارات الدولة في الأساس مُعدة لخدمة العاملين في القطاعات الحكومية بغرض تسهيل تنقلاتهم لإنجاز المهام الرسمية التي تخدم المصلحة العامة. تُخصص هذه السيارات فقط من أجل العمل الحكومي، وهي بذلك جزء من منظومة عامة تعكس مصداقية الجهات الرسمية والتزامها بخدمة المجتمع، لا استغلاله. إلا أن الاستخدام الشخصي لهذه السيارات، سواءً لنقل الأبناء أو التسوق أو السفر، يُعد تجاوزاً واضحاً للأهداف المحددة ويشكل تعدياً على المال العام.
 
الملاحظة اليومية لهذه الظاهرة تؤكد غياب الرقابة الفعلية على استخدام سيارات الدولة، وتبرز الحاجة الملحّة لإجراءات تضع حداً لهذا التجاوز. إذ أن استخدام هذه السيارات خارج أوقات العمل يعني أن تكاليف الوقود، والصيانة، وحتى التأمين، تُدفع من خزينة الدولة، مما يشكل هدراً للموارد التي كان من المفترض أن تُصرف على خدمات تفيد جميع المواطنين.
 
نظام مراقبة GPS لمتابعة حركة السيارات الحكومية :
 
إحدى الحلول التي يمكن أن تساهم في الحد من هذه الظاهرة هي تفعيل نظام تتبع GPS على جميع سيارات الدولة، بحيث يتم متابعة حركة هذه السيارات ومراقبة استخدامها. إن تزويد سيارات الدولة بأجهزة تتبع يمكن أن يساعد بشكل كبير في معرفة وقت ومكان استخدام هذه السيارات، وبالتالي يمكن رصد أي استغلال غير قانوني للسيارة خارج أوقات العمل أو خارج المناطق المخصصة للمهام الرسمية.
 
من خلال تفعيل هذا النظام، سيتمكن المشرفون من مراقبة حركة السيارات في الوقت الفعلي، ومعرفة مساراتها وأماكن توقفها، الأمر الذي يُمكّن من ضبط استخدام السيارات بشكل دقيق، ومنع أي محاولات لاستغلالها لأغراض شخصية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن وجود هذا النظام سيثني الكثيرين عن محاولة استخدام سيارات الدولة بشكل غير مشروع، بسبب شعورهم بأنهم تحت المراقبة.
 
تفعيل دور الشرطة والدرك الملكي في ضبط السيارات خارج أوقات العمل :
 
إلى جانب نظام تتبع GPS، يجب تعزيز دور الشرطة والدرك الملكي في مراقبة ومتابعة استخدام السيارات الحكومية خارج أوقات العمل. إذ يمكن أن تُمنح هذه الأجهزة صلاحيات واضحة لضبط أي سيارة حكومية يتم استخدامها خارج ساعات العمل الرسمية، أو التي لا تحمل تصريحاً خاصاً يوضح المهام المكلفة بها.
 
ينبغي أن يقوم رجال الشرطة والدرك بالتأكد من أن أي سيارة حكومية تسير خارج ساعات العمل تحمل وثيقة رسمية تُثبت أن السيارة في مهمة عمل. وفي حال تم ضبط أي سيارة لا تملك تصريحاً واضحاً، يجب فرض عقوبات صارمة على الشخص المسؤول عن السيارة، لضمان احترام قوانين وضوابط استخدام ممتلكات الدولة.
 
الحاجة إلى تعزيز الوعي ومحاسبة المخالفين :
 
من الضروري كذلك تعزيز الوعي لدى المسؤولين والموظفين بأهمية الحفاظ على ممتلكات الدولة واحترام استخدامها للأغراض التي خُصصت من أجلها. يجب أن يدرك الجميع أن سيارات الدولة هي جزء من المال العام، ولا يجوز بأي حال من الأحوال استغلالها لأغراض شخصية، وأن أي تجاوز لهذا الحق يُعد إساءة واستهتاراً بمقدرات الشعب.
 
ولكي يكون لهذه الإجراءات أثر فعّال، يجب أن يتم فرض عقوبات واضحة وصارمة على كل من يثبت أنه استغل سيارة الدولة بشكل غير قانوني. قد تشمل هذه العقوبات استرداد تكاليف الوقود المستهلك والصيانة، إضافة إلى عقوبات تأديبية تشمل الخصم من الراتب أو حتى الإيقاف عن العمل في حال تكرار المخالفة.
 
تعزيز الشفافية والمساءلة :
 
إن اعتماد آليات رقابة صارمة على استخدام ممتلكات الدولة، بما فيها سيارات الحكومة، يعكس احترام المؤسسات للقوانين، ويعزز من ثقة المواطنين بها. يجب أن يكون هناك شفافية كاملة في استخدام هذه السيارات، بحيث يعرف الجميع أن سيارات الدولة تُستخدم فقط لخدمة المواطن، لا لخدمة مصلحة شخصية.
 
إن تعزيز المساءلة هو أحد السبل لضمان استخدام ممتلكات الدولة بالشكل الأمثل، حيث يبعث ذلك برسالة قوية إلى كل من يسيء استخدام هذه الممتلكات بأن العقوبات بانتظاره. وهكذا، يمكن للمؤسسات أن تؤكد مصداقيتها أمام الشعب، وأن تُظهر للمواطنين أن القانون يُطبق على الجميع دون استثناء.
 
إن استغلال سيارات الدولة لأغراض شخصية يمثل هدراً للموارد العامة، وتعدياً على حقوق المواطنين. ومن أجل الحد من هذه الظاهرة، يجب تفعيل أنظمة رقابة صارمة مثل GPS، وتفعيل دور الشرطة والدرك الملكي لضبط المخالفات، إلى جانب تعزيز الوعي لدى المسؤولين والموظفين بأهمية احترام ممتلكات الدولة. كذلك، فإن فرض عقوبات رادعة وتطبيق مبدأ الشفافية والمساءلة سيُسهم في وضع حد لهذه الممارسات، ويعزز من نزاهة المؤسسات الحكومية وثقة المواطنين بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *