التجربة الديمقراطية المغربية… مسار مختلف

 

إعداد: عبد المنعم زبار باحث في ماستر القانون الدولي والترافع الديبلوماسي

قفزت التجربة الديمقراطية المغربية إلى دائرة الضوء بوصفها “علامة فارقة” في التاريخ المعاصر للمنطقة العربية برمتها، لتصنع نموذجا له خصوصياته التي ساهمت في نجاح التجربة الديمقراطية المغربية، ما جعلها فريدة ومثالا يحتذى به من قبل الديمقراطيات الفتية التي لم يستوعب نظامها السياسي ولا الاجتماعي خطوة التحديث أو التغيير ودون الحاجة الى الهدم الذي لم يأتي وراءه أي بناء بل خلف تراجعا ودمارا فتك بالعديد من الدول خصوصا مع موجة الربيع العربي الذي صار خريفا تساقطت معه أمال العديد من الشعوب العربية.

فالتحولات السياسية والدستورية العميقة التي عاش ويعيش المغرب في ظلها، ليست نتاجا للحراك الشعبي الذي شهده العالم العربي، بقدر ما هي تطور طبيعي نقل المغرب، بفضل التراكم الذي حققه على مختلف الأصعدة، وعبر مسلسل متئد وناضج، لترسيخ دولة المواطنة الكاملة.

فالمغرب كان واضحا، منذ البداية، في اختياراته المتمثلة في دولة حديثة تحتكم إلى قانون أسمى، هو الدستور، ومؤسسات دستورية وإرادة شعبية تعبر عن ذاتها من خلال صناديق الاقتراع.

وقد تميزت هذه التجربة بعدة خصوصيات أبرز سماتها:

  • وجود المؤسسة الملكية ودورها في التعاطي المتغيرات

مع انطلاق ما يسمى برياح الربيع العربي سنة 2011 سعت المؤسسة الملكية إلى احتواء تداعياتها عبر مبادرة تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد للبلاد بنصوص أكثر عصرية تنحاز إلى تأكيد الطابع التعددي للمجتمع في مجال الدين واللغة والثقافة وتكرر الإشارات المرجعية إلى حقوق الإنسان ومواثيقها الدولية. وموازاة مع ذلك يرصد التقرير كيف أن السلطات المغربية أبدت قدرا نسبيا من التسامح مع فعليات الاحتجاج السياسي ودعا في المقابل السلطات للتعامل بمرونة مع الاحتجاجات الاجتماعية وتوسيع دائرة حرية الرأي والتعبير.

فالمكانة الراسخة والمتينة للمؤسسة الملكية داخل النظام المغربي لعبت الدور الأساسي في التعامل الرزين والمعقلن مع الدعوات الإصلاحية، حيث كان للثقة الكبيرة التي يعقدها الشعب على تدبير المؤسسة الملكية للمتطلبات دور كبير في هدوء الشارع بعد أول خطاب للملك بالدعوة الى صياغة دستور جديد مستوى من عقيدة الانصات الى المطالب العامة.

  • مبادرة المؤسسة الملكية للاستجابة لروح التغيير

توفر للمغرب ملك حريص على الحفاظ على بلاده وحماية شعبه وتلبية رغبته في الإصلاح، حكمة ملك المغرب بالاستجابة الفورية للإصلاح، فالمغرب بدأ إقرار إصلاحات سياسية منذ حوالي عقد، وأحرز تقدمًا في العديد من المجالات، ولاسيما احترام التعددية وحرية التعبير.

من خلال البدء بتجربة ديمقراطية هادئة استقطبت الإسلاميين ودفعت بهم إلى التخلي عن الأوهام والشعارات والتركيز على خدمة الناس من خلال أفكار ومبادرات عملية، كما أنها جنّبت المغرب مآسي الاقتتال الداخلي بين أبناء الوطن الواحد، وفوضى الإضرابات والاحتجاجات والصراع على الكراسي كما يجري في أكثر من بلد

  • خصوصية التجربة المغربية لم تسمح بالوقوع تحت التأثير المباشر للتدخلات الخارجية

لا يمكن الهروب من فرضية التأثير الخارجي على أي دولة طالما تجمعك علاقات دولية ومصاح مشتركة مع دول العالم فإن التأثير يقع ولو اختلف شكله، قد يكون اقتصاديا أو سياسيا أو حقوقيا… لكن الاستثناء يقع في درجة التأثير فمكونات العملية السياسية بالمغرب حافظت بدرجة كبيرة على الحد من التدخلات الخارجية المباشرة في التحولات الديمقراطية الهامة التي شهدتها البلاد في ضل ما سمح لها أن تتفاعل طبقا لقوى التوازن الداخلية.

  • البعد الجغرافي

سمح البعد الجغرافي للتجربة المغربية بالاحتفاظ بأكبر قدر من أدواتها الداخلية التي استثمرتها في التفاعل مع التحولات الإقليمية والدولية، فالمغرب منذ القديم حافظ على استقلاليته وتفرده بطابع الخصوصية ثقافيا وسياسيا بدءا بعدم الخضوع للإمبراطورية العثمانية ووصولا الى  هذا الوقت الذي تغيب فيه الديمقراطية كلياً عن بعض الدول العربية التي ما زالت ترى في الديمقراطية ومستلزماتها من انتخابات وتعددية سياسية وحزبية ودستور الخ تعارضاً مع الدين الإسلامي ومع الخصوصية الثقافية والمجتمعية أو تهديدا لهيمنة الطبقة أو الطائفة المهيمنة، ويتعثر المسار الديمقراطي أو يسير ببطء في الدول الأخرى التي مارست العملية الديمقراطية وبعضها كان رائداً في هذا المجال كلبنان، وفي الوقت الذي تواجه فيه كل الدول العربية تقريباً تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية خطيرة وبعضها يعاني من حروب أهلية،

كما أن للقرب من أوربا وتنوع التجربة المغربية الثقافي والاجتماعي جعل القوى السياسية الإسلامية أكثر مرونة وانفتاحا دون تشنج أو تقوقع على الذات، فالناظر إلى خريطة نتائج انتخابات المغرب سيجدها متنوعة بين مختلف التيارات من أقصى اليمين الديني والليبرالي إلى أقصى اليسار الراديكالي، الكل متواجد والكل ممثل والكل يعرف حجمه ووزنه وثقله ومستوى تمثيله. حكم الإسلاميون في المغرب خمس سنوات، وتم تكليفهم بتشكيل الحكومة مرة أخرى، أي الحكم لخمس سنوات جديدة، ولم تتفتت وحدة المملكة، ولم يتم التفريط في أجزاء منها.

وقد ظهر لنا مع مرور الزمن أن قيمة الإصلاحات السياسية التي دشنها المغرب خلال فترة حكم الملك محمد السادس، وحتى قبل مرحلة التجديد والتعزيز لهذه الإصلاحات على المستوى الدستوري، زمن احتجاجات الانتفاضات العربية ، لم تكن لتحدث القطيعة في موضوع السلطة وصناعة القرار فضلًا عن تجديد النخب وضمان قدر كبير من المشاركة في الحياة السياسية بالنسبة لفئات وتعبيرات عريضة من المجتمع، بعد أن ظلت في حدود نطاق السيطرة على متغيرات الوضع وضمان الاستمرارية، وبما ينسجم مع رغبات وتصورات النظام السياسي.

إن نجاح التجربة المغربية  يعزز المكتسبات المحققة ويرسخ ثقة المواطنين في العملية السياسية، وفي مقابل ذلك يجسد ثقل المسؤولية الملقاة على عاتق السلطات العمومية للسير قدما في استكمال الأوراش والإصلاحات التحديثية تحت قيادة الملك محمد السادس.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *