بقلم : حميد طولست
الدِّين هو قوة روحية تسمو على الرغبة والرهبة ، وتملأ النفوس بفيض من الحب والجمال والكمال والقدسية الإلهية التي تضبط أفعال الإنسان وانفعالاته ، وتكون شخصيته وتفكيره وسلوكه وتعامله مع نفسه ومع غيره ، وتجعل من ذاته رقيباً على ذاته ، ومن ضميره وجداناً خالصاً لا يضل ولا يُخدع .
وإذا نحن أردنا التعرف على قيمة الدين ،أي دين، في مجتمع ما، فلن يكون ذلك بالنظر إلى سلوكيات أتباعه بداخل مساجد وجوامع ومصليات وحسينيات المسلمين، ولا في كنائس وكاتيدرائيات المسيحيين ، ولا في بيع اليهود، و لا في غردوارات السيخ ، أو اواتات -ج وات- البوديين والهندوس ، والتي يفرض التواجد بها جميعها ، أنماطاً سلوكية استثنائية من التعامل الظاهري المليء بالمثالية غير الموجودة في الواقع ، ويكون بالنظر لسلوكيات الناس في المجامع التي يرتادونها خارج تلك المعابد ، كالشوارع والأسواق والمدارس والمعارض والملاعب الرياضية ، حيث يخضع الناس فيها إلى جملة من التجاذبات والمؤثرات الخارجية المعقدة نفسيا وماديا، التي تشكل العامل الحاسم تكوين التصورات الخاطئة عن الدين والتعاطي السيئ مع تشريعاته وفرائضه ونواهيه ، التي ، ينصرف ممارسوها، وبلا حرج ، للكذب والنفاق والرشوة وباقي أنواع الفساد المذمومة أخلاقيا ، والمحتقرة اجتماعيا ، والمحرمة دينيا ، والتي غدت بعد أن تحولت في الحقب الأخيرة ، إلى مجرد طقوس لا علاقة لها بالحق والعدل، وسمة وقاعدة عادية تؤثث المشهد الاجتماعي ، وتمارس باحترافية ، كهوية مفضلة لدى الأغلبية الساحقة ، ضدا في الأخلاق الحميدة التي هي أساس قيام الحضارات ، والوسيلة المثلى لتحقيق المساواة والعدالة الشاملة المفضية إلى تقدم الأمم ونجاحاتها ، المؤدية إلى استتباب الأمن وشيوع الاستقرار في المجتمعات ، التي تبحث عن البدائل الأنجع للقضاء على الفساد ، أو ضمان الحد من تغوله ، على الأقل، في حال العجز عن القضاء عليه نهائیا، كما هو حال العديد من الدول الغربية المتقدمة ، التي تستخدم قوة إرادتها السياسية في تنفيذ ذلك بفعالية وصرامة في ظل القوانين والقيود والإجراءات العقابية والتربوية التي تعود إنسانها على تحمله لمسئولياته الذاتية، وعدم تعليق فشله على الأساب الغيبية البعيدة عن أدائه على الأرض ، ودفعه لمحاسبة نفسه محاسبة تصفيها وتنقيها مما يمكن أن يبدرَ منها من أعمال، فيتابع ويكثرَ ما كان منها صالحا ، ويتوب عما كان منها سيئا ويتعهد بعدم الرجوع إليه ثانيةً ، بخلاف مجتمعاتنا المتخلفة التي لا يتورع أغلبية الناس فيها في استغلال أي فرصة تتاح لهم –وحتى التي لا تتاح – للسرقة والاختلاس ، لما جبلوا عليه من الاستعداد الفطري لتقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، وتأهبهم لاقتراف كل التجاوزات حتى التي يمكن أن يسقط بسببها أبرياء- والتي تفضحها الكثير من السلوكيات التي تعتبر لد ى الغالبية العظمى ،مع الأسف ، أنها تصرفات عادية وبسيطة وربما تافهة، رغم أنها تكشف عما لدى أصحابها من بوادر الفساد وميولات اللصوصية والإستعداد للانقضاض على المال العام ، وميلهم للتسلّق على أكتاف الغير لتحقيق لمصالحهم الشخصية ، والتي من بينها على سبيل المثال ، تلك التصرفات التي يعتبرها البعض شطارة و “قفوزية “بينما هي أنانية و قلة احترام “للاتيكيت ” واستغلال للفرص: كعدم احترام إشارات المرور ، وتجاوزها عنوة وضدا في كل قوانين السير، و قلة احترام الطوابير وتخطيها دون أي اعتبار للواقفين فيها ،و كما يقوم به البعض عندما يكونون في ضيافة غيرهم ،أو عند تواجدهم بالمطعم أو الاماكن العامة ،فيتعمدون وضع كميات من السكر في الشاي أو القهوة أكثر مما يفعلون في منازلهم ، أو كاستخدامهم المزيد من المناديل الورقية أو الصابون أو العطور أكثر مما يستخدمونها في بيوتهم ، أو كاستهلاكهم لكمية زائدة من الطعام أكثر مما يلتهمونه في بيوتهم ، لمجرد أن غيرهم سيسدّد الفاتورة.
فمن يلتمس في نفسه بعض من هذه الخصال أو جميعها ، فليعلم أن لديه ميولات غريزية للعنصرية والفساد واللصوصية والاختلاس وتبذير المال العام ، ومن المُحتمل أن ترتكبها مجتمعة أو متفرقة ،دون وعي منك إذا هي صبت في مصلحتك الشخصية ، و تستسلم بسهولة لمغرياتها ، حتى لو كانت ضد مصلحة وطنك ومصالح البشرية جمعاء ، لأنك أناني ونرجسي ومغرور وتحب الكسب والربح لك وحدك ، حتى لو كان على حساب الآخرين.
ملخص القول،على القيمين على شؤون الناس ،إن هم أرادوا كسر هذه الحلقة المفرغة من السلوكيات المتخلفة ، إلا إخراج دين الله من المساجد إلى الأماكن التي يرتادها عموم الناس ، ليتشبع الجميع بتعاليم الدين الخالصة وقيمه النقية ، وعندها سيبتسم الغد المشرف لهم وللبشرية جمعاء .