بقلم الاستاذ: حميد طولست
قضية الحجاب أو النقاب ، تطرح مسألة مهمة حول كيفية فهم وتفسير أحكامه في الشرائع السماوية ، خاصة إذا ما اعتبرنا الأحكام التشريعية على أنها ليست معطىً نهائيًا ثابتًا ، ومتأثرا بمقتضيات الحكمة ومبادئ التشريع المتوافقة مع الواقع وتطوره، في هذا الإطار الديناميكي يمكن أن نفهم مسألة الحجاب والنقاب ، وننظر إليها في سياقه على أنها إرشادات عامة وليست أحكاما دينية ، فتُفَسَّر وتُطبق بما يتناسب مع تغيرات الواقع ومستجدات العصر ، وبناءً على هذا الفهم، يمكن أن يُعاد النظر في تفسير مسألة الحجاب والنقاب ، وكيفية تطبيقهما وفقًا لاحتياجات الناس وتطورات آرائهم ، على ضوء ما تعرفه مدارس الفقه الإسلامي من اختلافات جوهرية ، تفتح أبواب النقاش واسعة حول مبادئ التشريع المعزز للعدل والمصلحة العامة، التي يُفترض التعامل معها بمرونة بعيدة عن تشدد المدارس والمجتمعات السلفية التي تعتبر أن قضية الحجاب أو النقاب، فرض ثابتة ثبوتا دينيا غير قابل للمناقشة أو التغيير، كمنهج ديني صارم في المحافظة على الطقوس والتقاليد الإسلامية ،المميزة لهوية الدينية للمسلمات ، التي لا تخضع للمتغيرات الاجتماعية والثقافية ، والتي تبتعد بهن عن كل ما يمكن أن يُنظر إليه على أنه تشبه بالآخرين الكفار” اليهود والنصارى ” أو محاكاة أديانهم وثقافاتهم ، أو تقليد لملابس نسائهم الكافرات ،
هذا المبدأ: “الابتعاد عن التشبه بالكفار” الذي دفع بالسلفيين إلى فرض الحجاب والنقاب على النساء المسلمات كممارسات دينية إسلامية ، وجزء من التراث الإسلامي الأصلي ، المعبر عن الهوية الإسلامية التي لا يمكن مقارنتها بشكل مباشر مع أي ممارسة من الممارسات الدينية للكافرة ، هو نفسه الذي أوقع بالنهج السلفي المصر على معارضة التشبه بالآخرين، من غير المسلمين ، في تناقض صارخ ، فضح التشابهات الواضحة بين الحجاب أو النقاب المفروضين على النساء المسلمات ، وبين بعض الممارسات الدينية والثقافية لأديان أخرى، وعلى رأسها الحجاب والنقاب المفروضين على نظائرهن من نساء الطائفة اليهودية الأرثوذكسية..
التناقض الذي أكد بشرية قضية فرض الحجاب والنقاب وعدم معصوميتها كإلزامية دينية ، وضرب في المقتل المبدأ السلفي القائل بالابتعاد عن التشبه بالكفار أو غير المسلمين ،بعدما عُلم -وبالدليل القاطع- أن بعض الأديان أو الطوائف الأخرى، مثل اليهود الأرثوذكس، قد سبقت السلفيين إلى فرض الحجاب والنقاب على نسائهم كممارسة دينية يهودية، وكجزء من تراثهم اليهودي ، والذي يمكن ملاحظة تشابهه بيسر وسهولة مع حجاب ونقاب النساء المسلمات في كل التجمعات اليهودية الأرثوذكسية المتشددة نفس تشدد السلفيين، ما يفتح المجال مشرعا للتفسيرات والتساؤلات الجديرة بالبحث في التشابه الفاضح بين الحجاب والنقاب كممارسات دينية إسلامية ، وبين نظائرها في الطائفة اليهودية الأرثوذكسية، التي لا يقل تشدد فقهائها عن تشدد السلفيين في تعاملهم مع المرأة ، التي يتزوجونها هم أيضا في عمر صغير ، على اعتبار أنها متاعا لزوجها الذي عليها أن تسمع كلامه بلا نقاش أو مجادلة، والذي من حقه ضربها و تأديبها ، ولا يلتزمون كما السلفيين المسلمين بتحديد النسل معها لحرمته ، كما يفرضون عليها الحجاب و النقاب -الأسود بالخصوص-، لأنها عندهم عورة نجسه ، تكون نجاستها في مرحلة الحيض ممنوع عليها أن تطبخ أو تلمس بيدها ملابس أو أي شيء يخص زوجها لكي لا تنجس ملابسه أو طعامه ولا تنام في نفس الغرفة التي ينام فيها حتى تتطهر ، ويفرحون كما السلفيين المسلمين بالمولود الذكر أكثر من الأنثى و حتى فترة نقاهة المرأة بعد الولادة تختلف فلو كان المولد ذكرا تكون نجسة 30 يوم فقط، أما إذا كان المولود أنثى فتمتد نجاستها ل 90 يوم ، وغير ذلك من الممارسات المتشابهة التي تتعارض كل التعارض مع مبدأ الابتعاد عن التشبه بالكفار أو غير المسلمين، الذي يتغنى به السلفيين ويستندون في تحريمه على حديث واحد فقط ، هو قول النبي محمد ﷺ : “من تشبّه بقوم فهو منهم” (رواه أبو داود)، والذي يُفهم منه مجرد التحذير فيه من تقليد غير المسلمين، بينما يخلو القرآن الكريم من أي نص صريح يحرم بشكل مباشر التشبه بالكفار ، أو توجيهات صريح بشأن ذلك التحريم ، وتبقى تفسيرات وتحليلات علماء وفُقهاء السلفية للنصوص هي التي قد تؤدي إلى استنتاجات حول التميز عن غير المسلمين، بناءً على مبادئ مثل الولاء* والبراء* وضرورة الحفاظ على الهوية الإسلامية.
هوامش: الولاء والبراء هما مفهومان رئيسيان في الفكر الإسلامي، وتأثيرهما الكبير على مسألة التشبه بالكفار، وخاصة لدى التيارات المتشددة إليك دور كل منهما في تحريمه،
الولاء: يُفهم من مفهوم الولاء في الفكر الإسلامي التقليدي أنه يشير إلى المحبة والدعم والتعاون مع المؤمنين، أي المسلمين، والاعتراف بهم كأولياء في العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
البراء: يتضمن مفهوم البراء الابتعاد عن أو المعاداة للذين لا يتبعون الدين الإسلامي، أي غير المسلمين. البراء يعكس موقف المسلمين تجاه غير المؤمنين وتجنب اتخاذهم أصدقاء مقربين أو التورط في علاقة وثيقة معهم.