حميد طولست
تتجدد الأعوام ، وتتكرر مناسباتها المختلفة، والتي تتميز عن بعضها بسِمات خاصة بكل منها ، ومن بينها مناسبة الدخول المدرسي الذي يتميز بشدة إقلاقه الأسر الفقيرة والمتوسطة الحال ، والتي لا تنتظر حلوله كفرصة لتحسين مستوى أطفالهم التعليمي وتنمية مهاراتهم،كما حال كافة الآباء والأمهات الذين ينتظرونه بلهفة في كل بقاع العالم لإلحاق أطفالهم بفصول التعليم لتنْشِأة أنفُسهم وبناء عقولهم وأعدادهم إعدادا يجعل منهم كوادر صالحة لمجتمعاتهم وأوطانهم ، ولا ينتظرون ذاك الدخول المدرسي ،في كل بلدان العالم، لسماته ومُميِّزاته المختزلة للمراد من التعليم الذي تُعد له العُدَّة والمستلزمات وتُهيئ له المدارس والمدرسين والمناهج المعدة لتغذية عقول الدارسين بالمعارف النافعة المستجدة والمستمرة ، التي ينشدها المتعلم ومجتمعه وأمته ؛ ولكنهم ينتظرون ، بل ينتظرنه ، وهو الأصح لأن الأمر متعلق بعض الأمهات المغربيات اللواتي ينتظرن ذلك الدخول المدرسة ليتنفسن الصعداء من صداع الأطفال الذي كسر رؤوسهن طيلة العطلة الصيفية، وكأنه فرصة لاستراحتهن ،بعد أن أودعن أطفالهن المدارس والرياضات، وتحررن من مسؤوليات اليومية التي تكبدن ويلاتها طيلة العطلة الطويلة المكتظة بـ”تبرزيط”الأطفال.. التبرير الذي سمعته اليوم في حوار دار بين أمهات استلقين على كراسي إحدى مقاهي الهرهورة الشاطئية الجميل.
ما يجعل نظرة الناس لبدء العام الدراسي غير موحدة وتختلف حولها وجهات النظر ، فبينما تنظر كل مجتمعات وشعوب العالم إلى عودته على أنها فرصة للاهتمام العميق بتعليم الأجيال الجديدة وتأهيلها لمستقبل أفضل، قد يُنظر إليه في بعض الثقافات الأخرى ببعد الاحتياجات النفسية والاجتماعية ، كما حال بعض الأمهات المغربيات، اللائي لم تكن العودة إلى المدرسة عندهم مجرد بداية مرحلة تعليمية جديدة ، بقدر ما هي فرصة ثمينة للكثير منهن للتنفس مما تكبدنه في رعاية أطفالهن والحفاظ على نشاطهم وتوفير الترفيه لهم خلال العطلة الصيفية ، والاستراحة من مشاغباتهم المرهقة ، التي تجعل عودة الأطفال إلى المدرسة أمراً مرحباً به.
هذا لا يعني البتة أن الأمهات المغربيات لا يهتمن بتوفير أفضل فرص التعليم والرعاية لأطفالهن ، ولا يرغبن في أن يحصل أبناؤهن على تعليم جيد يمكنهم من بناء حياة ناجحة ومزدهرة ،
فمهما اختلفت دوافع نظرة الأمهات المغربيات للدخول المدرسي ،والأسباب التي جعلتهن يترقبن عودته بلهفة ، فإن الهدف الرئيسي يظل واحداً ،كما هو لدى باقي أمهات أطفال العالم ،والذي يتلخص في التزامهن بمستقبل أبنائهن ، الذي لا يقل عن التزام أي من أمهات الأطفال عبر العالم ، اللواتي يهتمن بعملية التعليم والتربية الموفرة لرفاهية ونجاح أطفالهن ، وهو جزء أساسي من مسؤولياتهن ، التي يبدلن من أجل تحقيقها كل الجهود المضنية والتي تعكس حباً عميقاً وحرصاً كبيرا على تحقيق الأفضل لأطفالهن تعليما ورعاية..
ومهما اختلفت دوافع الأمهات المغربيات والأسباب التي دفعتهن لطلب الراحة بعودة أطفالهن إلى المدرسة، فلا أحد ينكر ريادتهن في الاهتمام بمستقبل أبنائهن، وتحديهن لكل مصاعب ما أوجده العصر المتطور، في مجال التعليم من تكنولوجيا رقمية، وذكاء اصطناعي، وفضاء مفتوح، وعولمة غير متناهية ، وتحملهن كل المصاعب من أجل نجاح أطفالهن ، أسوة بما فعلته “الأمهات/الجدات” اللواتي لم يدخرن الجهود -المناسبة لزمانهن البسيط المختلف عمّا هو عليه اليوم – ليحصل أطفالهن على تعليم جيد يمكنهم من بناء حياة ناجحة ، وقد تحقق لهن ذلك المبتغى ، وأنتجن جهابذة كوادر زمانهن الذين سدوا أمكانهم في شتى المجالات.
وما أظن أن الأمهات المغربيات قد يتخلفن اليوم عن طموحات”الأمهات/الجدات” الكبيرة، في رِؤية أحفادهن متميزين في تعليمهم ، الغاية المرجوة لدى جميع الآباء والأمهات ، المر الذي لن تتحقق إلا باشتراك الأمهات والمعلم والمدرسة ، إضافة إلى حضور النية الصادقة ، والمثابرة المستمرة في تحسين بيئات التعليم ودعمه بطرق تجعل عملية التعليم والتربية أكثر توازناً وأكثر راحة للجميع.