الناس لا تسافر فقط من أجل المناظر الطبيعية الخلابة ، أو هندسة العمران و مصوغات المعادن ومنحوتات الأحجار ، ولا من أجل عظمة الجغرافيا والتاريخ ، أو نظافة الشوارع وجمال الأزقة، والأكل والشرب ، فذاك ربما يمكن أن يكون متواجدا في مناطق إقامتهم ، ولكن أكثريتهم تسافر لاكتشاف كل ما هو مخالف لما عندهم من حضارة وثقافة، والتعرف على التراث التاريخي والاجتماعي والثقافي والفني للبلد المزار، والاستمتاع بتقاليد أهله المحليين، من خلال وعاداتهم وتقاليدهم ومهرجاناتهم ومتاحفهم ومعالمهم الأثرية الوطنية ، وفهم حياة وتجارب أصحابها اليومية ، وتذوق مأكولاتهم المحلية وتجريب أطعمتهم التقليدية ،واكتساب معارف جديدة عن تاريخهم وثقافتهم ، وكل ما عكس طابع منطقتهم ، والتفاعل مع فعالياتها الثقافية بالممارسة السياحة المسؤولة ، التي يصطلح على تسميتها بالسياحة الثقافية ، التي أصبحت جزءًا كبيرًا من دوافع السفر لدى الكثير من المثقفين ، الذين يسعون وراءها إلى قضاء بعض من أوقاتهم في التفكير والتأمل ، وتقدير التنوع البشري وإبداعاته المميزة للثقافات المجتمعية التي لا يعني النجاح فيها، بعودة السائح منها بذكريات جميلة عن المدن والمناطق التي ساح فيها، وانما تعني عودته محملا بتقدير أعمق للعالم ، وتفاهم أكبر لثقافات شعوب مختلفة عنه ، في تعاملهم مع زوارهم -السياح- بالترحيب الصادق والتواضع الغامر ، وإسماعهم الكلام الطيب، وإرضائهم في المبايعات ثمنا وجودة، ومنحهم قسطا وافرا من الطاقة الإيجابية، التي تشعرهم بصادق رغبتهم في خدمتهم ،دون تمييز على أساس العرق أو اللغة أو اللون أو الانتماء، وغيرها من قواعد ومقومات فن ممارسات السياحة المستدامة ، التي تعزز صورة الوجهة السياحية ، وتجعل الزوار يشعرون بالفخر لزيارتها؛
وهذا إن دلك على شيء فإنما يدل على أن السياحة الناجحة ليست في مجرد استعراض المناظر الطبيعة الخلابة؛ وليس فيتباهي بالإبداعات البشرية في صياغة الحجر وهندسة العمران، وليست في نظافة الشوارع وتجميل الأزقة، وليس في تعظيم الجغرافية وتقديس الثقافة وتأليه التاريخ ،وإن كانت كلها عناصر مهمة وضرورية السياحة الناجحة ، وإنما لتعبير أهلها الصادق والبسيط عن التمدن والتحضر عن رغبتهم في تبويئ زوارهم مكانة تليق بهم، دون تزييف ولا طمع ولا تبخيس ، والتي حتى إن لم يجعلوا منهم فيها ملوكا، فعلى الأقل يعتبرونهم ضيوفا فوق العادة..
هذه عينة من عوامل نجاح السياحة في جميع أنحاء العالم والتي عشت هذا الصيف تجربتها الغنية والممتعة طيلة إقامتي وأسرتي باسبانيا، وبالضبط ببينلميدنا” المتميزة ، التي يعمل القيمون على السياحة فيها، على تعزيز صورتها في الأذهان كوجهة سياحية توفير لزوارها الراحة والاستجمام ، بما تقدمه للسياح من خدمات في مستوى عالٍ من الاحترافية والأخلاق ، الذي يجعل الزوار يشعرون بالتقدير ، ويرغبون في العودة إليها مجددًا.
فأين السياحة في بلادنا من هذا الفن السياحي الذي يشعر زواره بأنهم ضيوف مميزون؟؟..
حميد طولست Hamidost@gmail.com
مدير جريدة”منتدى سايس” الورقية الجهوية الصادرة من فاس
رئيس نشر “منتدى سايس” الإليكترونية
رئيس نشر جريدة ” الأحداث العربية” الوطنية.
عضو مؤسس لجمعية المدونين المغاربة.
عضو المكتب التنفيذي لرابطة الصحافة الإلكترونية.