بقلم : منعم زيبار
شكلت عودة المملكة المغربية تجاه محيطها الإفريقي منعطفا هاما ومحطة تاريخية في تعزيز نفوذ المملكة المغربية في إفريقيا ، بعدما غادرتها احتجاجا على قبول جبهة البوليساريو في بداية الثمانينات من القرن الماضي، جعلتها تنهج توجها ومقاربة جديدة في سياستها الخارجية تجاهها امتدت إلى كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والروحية والدينية، ومنحتها نفسا جديدا ودفعة قوية لعلاقاتها الإفريقية، وجعلتها تراهن على لعب دور الريادة والزعامة قاريا، وإعادة تموضعها داخل محيطها الإفريقي والدولي في السنوات الأخيرة، بعد بروز مستجدات أنضجت خيار عودتها إلى الاتحاد الإفريقي في يناير 2017م، ساهمت في تحقيق الدبلوماسية المغربية لمجموعة من الأهداف و المكتسبات والإنجازات ولا سيما حشد الدعم لموقفها إزاء قضية الصحراء المغربية ووحدته الترابية، وتعزيز موقعه إقليميا ودوليا، وضعه اختاره المغرب وفرضته التحولات الدولية التي تستوجب ضرورة اللحاق بسرب الدول المتقدمة.
يشكل البعد الأمني والتنموي مجالا هاما في اهتمام السياسة الخارجية للمغرب تجاه افريقيا وهو ما سوف نستعرضه خلال ما سيأتي، لكن لابد أولا من الإحاطة بخصائص السياسة الخارجية للمغرب في محيطه الافريقي، وقد ركز المغرب، في تنفيذ هذه الإستراتيجية، على اعتماد ديبلوماسية نشطة ومتعددة الأبعاد:
ديبلوماسية روحية
يستثمر المغرب العلاقات الروحية التي تربط شعوب إفريقيا برموزه الدينية، خاصة أولياء الصوفية، في نشر قيم الاعتدال ومحاربة التطرف والإرهاب. إذ بات المغرب وجهة عدد من الدول الإفريقية لتكوين الأئمة والخطباء والمرشدين الدينيين (مالي وغينيا كوناكري وساحل العاج والسنغال وتشاد ونيجيريا)، بالإضافة إلى بناء المساجد والعناية بها وتزويدها بالمصاحف. وساعد هذا الإشعاع الروحي للمغرب على تيسير عودته إلى “بيته الإفريقي” سنة 2017 وكذا العضوية في المجموعة الجهوية “س-ص” التي تضم، في غالبيتها، الدول المسلمة أو بها أقلية مسلمة.
دبلوماسية صحية
ساهمت الأزمة الصحية العالمية المرتبطة بوباء كوفيد 19 في فتح فرص كبيرة أمام المملكة لتعزيز تموضعها الإفريقي عبر لعب أدوار كبيرة من خلال الاستفادة من إمكاناتها المادية وتجربتها في القطاع الصحي. كما راكم المغرب تجارب غنية في تدبير والإشراف على المستشفيات الميدانية بالمناطق المتضررة من النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية، استثمرها في توفير الخدمات الصحية بعدد من البلدان الإفريقية (برازافيل بالكونغو، كازمانس بالسينغال…)
دبلوماسية مالية
يدرك المغرب جيدا أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية تتوقف على عامل التمويل بكل مصادره. لأجل هذا حرص جلالة الملك، في زياراته الرسمية لأكثر من 30 دولة إفريقية، أن يرافقه رجال أعمال ومسؤولو الأبناك والخبراء في العديد من المجالات الإنتاجية والفلاحية من أجل الارتقاء بعلاقات التعاون مع الدول الإفريقية نحو شراكة إستراتيجية رابح ـ رابح. وقد تمكّنت الأبناك المغربية، بفضل هذه الشراكة، من التواجد في أكثر من 20 دولة إفريقية.
إن هذا الجهد المالي الكبير للمغرب على الساحة الإفريقية، كان موضوع تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجي والأمني الأميركي “ستراتفور” في يناير 2019، حيث لاحظ أنه “في ظل الاختفاء التدريجي للبنوك الأوروبية من أفريقيا، التي كانت مهيمنة على الاقتصاد منذ زمن، بات المغرب يوظف ثرواته المالية لإبراز قوته في جميع أنحاء القارة أملا في أن يصبح بلدا أكثر ثراء ونفوذا على الصعيد الدولي”.
دبلوماسية أمنية وعسكرية
ركزت جهود المغرب على دعم الدول الإفريقية لتأمين حدودها ومواجهة التنظيمات الإرهابية، خاصة دول الساحل. ففي فبراير 2018، وخلال المؤتمر الدولي رفيع المستوى حول الساحل الذي عُقِد في بروكسل، أكد المغرب على عدد من مجالات التعاون، منها ضبط الحدود، والأمن الغذائي، والتنمية الاجتماعية، والتدريب العسكري، والتكوين الديني للأئمة، أصبح المغرب مدركا لمخاطر التطرف والإرهاب والانفصال على أمنه وأمن مجاله الحيوي الذي تشكله دول الساحل والصحراء. لهذا يطالب الدول الغربية بالانخراط الجدي في محاربة الإرهاب ودعم جهود الدول الإفريقية في مواجهة التطرف والفقر والإرهاب والانفصال، بعد العلم أن الأراضي الافريقية أصبحت وجهة للعديد من الجماعات الإرهابية ( تنظيم داعش بعد هزيمته في العراق وسوريا ) بالإضافة الى تنامي ظهور العديد من الجماعات المتطرفة والمسلحة الخارجة عن القانون.
دبلوماسية اقتصادية
وعيا من المغرب بأن ثروات إفريقيا للأفارقة، فقد أثمرت الزيارات الملكية المتعددة للدول الإفريقية على وضع أسس لشراكات إستراتيجية ومشاريع كبرى أهمها أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي الذي سيربط بين 13 دولة إفريقية. كما تم إبرام أكثر من 1000 اتفاقية مع الدول الإفريقية في مختلف المجالات. القيمة الإجمالية للمبادلات التجارية بين المغرب والدول الإفريقية بلغت 39.5 مليار درهم سنة 2019. ومكّنت هذه الإستراتيجية من انتقال الاستثمارات المغربية من 907 مليون درهم عام 2007 إلى 18.2 مليار درهم سنة 2021، مما جعله خامس بلد مستثمر داخل القارة الإفريقية، كما سعى المغرب جادا إلى تشكيل تحالفات جهوية لتحقيق الاندماج الاقتصادي وحماية الثروات الإفريقية من النهب من طرف الدول الاستعمارية السابقة.
البعد الأمني والتنموي امتداد للسياسة الخارجية المغربية تجاه افريقيا
العلاقات المغربية الإفريقية متينة وممتدة عبر قرون، تجاه العمق الإفريقي حيث تساهم المبادرات المغربية خصوصا تحت قيادة الملك في تبني مقاربة مبتكرة ومندمجة لتعزيز استقرار وأمن المنطقة برمتها، متشكل منصة جديدة لتحقيق إقلاع اقتصادي للمملكة عبر محيطه الافريقي، كما تظهر أيضا الدينامية الجديدة في العلاقات المغربية الإفريقية من خلال التوقيع على حوالي 500 اتفاقية وبروتوكول في العديد من الميادين الحيوية، كالفلاحة والتأهيل الحضري والتربية والبنية التحتية مقارنة مع 88 اتفاقية تعاون في الفترة الممتدة ما بين 1972/1985
سنة 2014م قادت أيضا الملك “محمد السادس” إلى زيارة العديد من الدول الإفريقية كالكوديفوار وغينيا ومالي والغابون وتوقيع حوالي 80 اتفاقية اقتصادية زادت من ترسيم العلاقات الجديدة التي أرادت الرباط تدعيمها مع بقية القارة الإفريقية.
يعتبر المغرب من البلدان الإفريقية التي لعبت دورا مهما في حل العديد من الخلافات التي شهدتها العديد من الدول الإفريقية في السنوات الأخيرة، خاصة الدول التي تربطها علاقات متميزة مع المغرب، فقد استطاعت الدبلوماسية المغربية أن تجمع بالرباط يوم 27 فبراير من سنة 2012 بين الإخوة الأعداء رؤساء دولة غينيا “لانسانا كونتي” ورئيس ليبريا “شارل تايلور” و”أحمد تيجان” رئيس دولة السيراليون الذين تورطوا في نزاع “نهر مانو”، وحققت الدبلوماسية نجاحا باهرا بحيث لم يستطع أي زعيم إفريقي أن يجمع بين هؤلاء على طاولة واحدة مما أعطى الدليل القاطع على الأهمية القصوى التي توليها الدبلوماسية المغربية لإفريقيا الغربية
كما لعبت الدبلوماسية المغربية دورا ملحوظا في حل الأزمة الغانية بعد المحاولة الانقلابية التي تعرض لها الكابتن “موسى داديس كامارا”، والتي نفذها مساعده “أبو بكر صديق دياكيدي تومبا” الذي كان ينوي السيطرة على السلطة، حيث أصيب أثناءها “كمارا” في رأسه وتم نقله على إثرها إلى مستشفى مغربي.