السياسي و التربوي بين بداهة السؤال و حداثة التنوير.

إن السياسة ظاهرة اجتماعية معقدة، لها سمات مشتركة مع ظواهر أخرى، مثلما السياسة في عدة الظواهر الأكثر تعقيدا و تبسيطا، و يعود تريخها إلى اليونان، فهي تعني تدبير الأمور المجالية، و الجماعية العامة، ذات الصلة بالسلطة و بالحكم. فهي إذن علما يهدف إلى تحقيق و ضمان حقوق الأفراد سواء في تحصيلهم عن ثروة أو نفوذ. إذن نطرح السؤال التالي ما علاقة السياسة بالمجال التربوي؟ فإذا كان هذا السؤال هو استراتيجية ليس كباقي الأسئلة لأنها تنطلق من فرضيات و مسلمات لا تقبل النقاش، لذا ظهرت السياسة كمظهر لاتفاق مرحلي لمصالح اجتماعية معينة، لأن جوهر السياسة هو الصراع حول طبيعة الحياة الخيرة، باعتبارها نموذجا يهدف إلى تحقيق وضمان حقوق الأفراد و الجماعات، فهذه الضرورة هي التي جعلت الممارسة الذاتية ترتبط بالدستور من أجل تأكيد الشعب باختيار حاكمه، لأنها السلطة المنظمة و مؤسسات القيادة و الإكراه و يرى ريمون أرون في هذا العدد << السياسة هي كل ما يتعلق بالعلاقة القائمة بين الحاكم و المحكوم، و يتدرج السلطة داخل الجماعة>>. فالسياسة التربوية هي الدلالة التي لها لغة التعدد، و الاختلاف و التنوع، لغة تهدف إلى بناء سياسة تربوية هادفة، لذا عملت الدساتير بتسنين القوانين المرتبطة بالمواثيق الدولية لكي يكون الإنسان هو مقياس كل شيء، إذن فلا تربية بدون سياسة ديمقراطية، و لا هوية بدون انتماء وجودي و لغوي و جغرافي و تاريخي.

لأن القانون هو قانون الدولة، وأن علم السياسة تكمله، فهي قبل كل شيء علم السلطة، أما القانون فهو قانون الدولة السائدة، فهي التي طورت هذا القانون التربوي بتطلعه نحو المستقبل، لذا فالسياسة التربوية المعاصرة أزالت الحجاب بين المواطنين و القانون السائد، لأن التربية هي اكتساب المعارف و السلوكات، وأيضا الخضوع، و تدل التربية على القيم و المعارف و كذا الممارسة الشخصية التي تنمي الشخص معرفيا، و فيزيقيا و ذهنيا، فهي منفتحة على كل المعارف و العلوم، هدفها هو تنمية استعداد الفرد و الوصول إلى الاستقلال الذاتي، لأن السياسة التربوية لا تعني الاحتكار المنظم و المشروع لوسائل التنظيم و الهيكلة، لذا يقول باشلار <<متى تكون السلطة سياسية يجب أن تمارس في مجال محدود>>. فالتربية هي التناسق الكلي لبلوغ الاستقلال كما ذكرت سابقا، سواء في النمو، و التفكير، إنها محصلة سيرورة تحقيق الغايات لتتخذ شكلا نظاميا  و تواصلا في شكل التطبيع الاجتماعي، و يرى Mc luhun<<التربية نوع من الدفاع المدني ضد تأثيرات الأخبار التي تبثها أجهزة الصحافة، لذا فالسياسة التربوية ليست التمرينات و الفروض، بل هي طريقة مرتبطة بالوعي، و الوجود و المعرفة، و القيم، و الحياة، و الاستقلال و الوعي، و الهوية… إذن هي السلطة القائمة بين الذات المتعلمة، الاستاذ (الحاكم)، حيث توجد بينهما (سلطة معرفية) كقوة مادية، و قوة ذاتية، وهذا هو جوهر ركن القوة في السلطة السياسية و القوة البحثة عند المتلقي، فامتلاك السلطة الشرعية لدى الأستاذ لا تكون شرعية إلا إذا امتزجت القاعدة التربوية بالقاعدة التأويلية، و الإبداعية، لأن المشروعية هو تنازل الأستاذ عن بعض القرارات لتكون عندئذ مشروعة دون أن تكون مطلقة بل اختيارية، فالسلطة التربوية هي قوة مخصصة لإدارة جماعة من الطلاب، يتولاها شخص بطريقة مشروعة لتحقيق غاية أو هدف معين، رغم وجود سلطة معرفية كما يقول بيير يورديو، فلا تكون أن تراعي القدرات الذاتية و تصريف أمور الجماعة لتكون مشروعية. لذا ترى فالمؤسسات التربوية سلطة إما فعلية أو معرفية أو قانونية، فالسلطة الفعلية القهرية هي سلطة لا تراعي خصوصية الفرد، و لا هويته و لا حريته بينها السلطة التربوية لابد أن تراعي فيها المصلحة العامة، و الخير المشترك في جملة من الخصائص و السمات أبرزها: ظروف مشتركة، ومكان جغرافي، و شعور جماعي، و أدوار كما يقول ANZIEU MARTIN-فتنوع الاهتمام التي تناولها الباحثون يحول دون حصر و إحصاء التيمات التي تم تحليلها و تأويلها، لأن الإمساك بهذه المعطيات و ظواهرها الجوهرية و إنما وظفت مختلف أنواع المقاربات بصورة نقدية، فالجمع بين السياسة و التربية أعطى لنا نوعا من المشروعية و القيمة الموضوعية، و لقد أدى هذا التطور إلى بروز اتجاهات ساهمت في تنويع كل المقاربات لهذه الظاهرة السياسية التربوية، فالتربية إذن هي مجال خصب قابلا للدراسة و للحفر المعرفي، تسمح لنا بصنع القرار من خلال المؤسسات التي هي أسمى مظاهر الرقي الديمقراطي و احترام الأقلية، فالممارسة التربوية القديمة هي ممارسة شرعية و لا قانونية و لا ديمقراطية، لأنها تعطي للحاكم أو الأستاذ السيادة الكلية دون نقاش من طرف الطالب، لكن التربية المعاصرة أو ما (بعد الحداثة) باعتبارها الآلية القانونية التي تضفي الشرعية على تداول السلطة المعرفية و التزام المؤسسة و الإدارة، و الوزارة و الدولة بالبرامج التي وضعت من أجله، كمشاركته في سلطة الفصل، أو البرلمان، أو الحقوق و الواجبات دون الخضوع للأقلية، لأن الديمقراطية المباشرة هي تولي الطلاب الشأن العام الجامعي و المؤسساتي، و هو أمر مستحيل حيث يتنافى مع الواقع العلمي، فالديمقراطية التمثيلية تعني أن للطلاب حب المشاركة السياسية و التأثير في الفاعليين الإداريين و الآباء و السياسيين و مراقبتهم عن طريق ممثليهم. فالأغلبية مهما بلغت قوتها المعرفية و السياسية تبقى تحت عالم الحق و الحكمة و العدالة، لذا يحس الطالب بالحرية في المشاركة المجالية، و الأنشطة التربوية لأن قيام الديمقراطية التربوية و صيانة القيم الأخلاقية و الثقافية، فهي مستعدة للتنكر بأسمى غايتها خدمة البلد، لأن أي تقليد يؤدي إلى الجفاء و العقم، لذا فالسياسة التربوية الآن في حاجة إلى أطر موثقة، و قادرة على بلورة المعارف، و تحويلها إلى أفعال، و ممارسات، سوى على المستوى النظري أو التربوي، إذن تدخل مجموعة من الاعتبارات قد تحول دون الالتزام باحترام هذه المعايير، لذا وجب تدخل الفاعل التربوي و السياسي لرسم الحدود التي يجب على المدرسة المختلفة بالعمل أثناء قيامها بمهامها، حفاظا على حقوق التلاميذ، و الطلاب لخدمة المصلحة العامة في حدود معقولة. إن عدم الالتزام بهذا المبدأ يؤدي إلى المس يروح المواطنة و الوطن، فعن طريق الحوار تنشأ المبادئ و القواعد التي تشرح بعض الظواهر و العلاقات القائمة بينها، لأن وظيفة التربية السياسية هي اكتشاف النظام السائد، و فهم قوانينه التربوية التكوينية قصد الحصول على الطرق اللازمة للسيطرة على قوى الطبيعة و التحكم فيها. إذن على الرغم من أن عملية التربية و التكوين هي عملية هادفة ذات بداية و لا نهائية، دورها حقيقي وواضح عن مدى ما تحققه المؤسسات التربوية من أهداف تتمثل في تعليم المتعلم قصد إدماجه في المجتمع و في الكون، و هذا التقويم يساعدنا على مواجهة الذين ينتقدون السياسة التربوية الحالية نظرا قصورها حسب اعتقادهم، فالمتعلم اليوم قادر على ملاءمة هذه الطرق و المواد، و كذا وسائل الإيصاح القانوني، و رغباتهم الفردية لتعديل ما يلزم تعديله، إذن أليست التيارات التربوية هي إجهاض شخصي؟ ما موقف السياسي؟ أليست البيداغوجية لعبة معرفية محضة؟ و هل هذه النماذج قادرة حقا على تشكيل الإنسان؟ انطلاقا من الأسئلة فالسياسي هدفه الحفاظ على استقرار العلاقات القائمة بين المجتمع التربوي و الدولة التي ستستمر في التواجد في هذا المجتمع متمتعة بالشخصية السياسية دون استخدام المناهج التربوية فالسياسي هدفه الظهور و الإبانة دون تثقيف تربوي، و حسب رأيه فالسياسة تعلو على التربية، رغم أن السياسة هي الخداع و الهيمنة و السلطة. فالسياسي حسب هذا الرأي لا يحمل أي مشروع يذكر، لأن هدفه هو المنصب و الهيمنة، و هذا التصور يعود بنا إلى الفكر الامبريالي البورجوازي الذي لا يؤمن إلا بالسلطة و المال، بينها الفكر اليساري يرى أن القاعدة هي الأساس و الوعي الطبقي في كل تحول نحو البنية الفوقية كما يقول كارل ماركس و لينين، و هاوتسيطونك و غيرهم، لأن الذات البروليتارية تحضر دوما لترمم المعنى و المنحى الذي نراه مسلكا معقولا، حيث يتزامن الفكر التربوي عبره ليحرز صفة التربية الموضوعية، و حين <<تسعى لتستميل المتلقي و تجعله هو الآخر يراه الحقيقي هو ذاته ما تعنيه له على أنه حقيقي كذلك>> فاطمة حلمي (الغير و ماهية الاختلاف)ص30. فالسياسة هي التي تعلمنا أن نفكر بذواتنا، و أن نتعلم فن الخداع و المراوغة، لأن الأمر يعني احتكام في كل ما هو خارج الذات و مخالطته و جهله بدل إنتاج معرفته، و ذلك في اتجاه يصير فيه التفكير السياسي انطلاقة من داخل الذات المفكرة لمحاورته أو للهيمنة من جهة أخرى إذن ستكون القيمة المضافة إليه، و هذا ما يقربنا إلى أرسطو <<السياسة>> حيث كان الفلاسفة يبحثون عن القوانين التي تنظم الحياة، لكن في عصرنا المعولم بدأ التفكير في صناعة العقول و كيفية قراءتها(1) و كيفية التأثير فيهم دون أن يدركوا شيئا، فالسياسي برؤيته الشمولية لا ينظر إلى الواقع في تطوراته و تحولاته المتسارعة بل يراه ماضيا يتضمن (المسيد، و الزاوية) و المدارس الخاصة دون أن يعيد النظر في هذه الرؤية التي تتطلب النقد و التحليل، فالبرهنة أصبحت قضية من قضايا ذات اليقين، لأن البرهنة تنطلق من التحليل المباشر (المبدأ الذي لا يمكن تحليله) و البرهان بالخلف (الغير المباشر)(2) عندما لا يستطيع السياسي في برنامجه الحزبي أن يكون حاملا لقياس منطقي لمعالجة القضايا التي يعيش فيها المعلم المغربي، و لا الباحث، بل همه هو التسلق الطبقي، و الاقتراب من السلطة، لذا جاءت صيحة النقابات الحزبوية كتجسيد لتجربة نضالية توضح من خلالها أن الواقع التربوي اليوم لا يمثل صفة الثبات بل هناك سيرورة مغايرة لما هو كائن، لأن التربية و التكوين تقول لنا الوجودية للذات الفاعلة و المبدعة، و ليس للكرسي المخلوع، فالغاية هو امتلاء العالم بالإنسان و ليس بالأشياء حسب تعبير جان بول سارتر، إذن فهذه النقابات قادرة على دفع ما لم يتم هضمه خارج المعدة لا لشيء، بل لإعادة الاعتبار لرجل التعليم بكل شرائحه العريضة، لأن الذات التربوية في تلاقيها بالذات المسيسة لا تحمل نفس المؤامرة-و ليست هي ذاتها نفسها كما يقول-سارتر-في كتابة الغثيان (رواية)، إذن فالسياسي يحاول جاهدا أن يسلب لهذه الأنا المتعالية حريتها لكي يحولها إلى مجرد شيء-و يحكم عليها و يسحب عنها صفة النضال، فهذا الحكم هو عينه ما يقر بنا إلى هذه الأنا المتحاورة- كيف كانت؟ – و ما هي المهمة التي كانت تتزاولها؟ و كيف ترى الغير؟ هل هو موجود بالقوة أم بالفعل؟ أبأسئلة كثيرة تقربنا إلى الآن أن أكون-و هذه الصيغة هي الولوج داخل كينونة اللغة النقابية كموجود منظور إليه، لا ككائن سائد-فالأجرأة و الصياغة العلمية هو مبدأ ملموس في إطار الفعل و التطبيق ووصف المتغيرات التي ينبغي قياسها لدى المدرس التربوي. فنتائج الحوار في صيغته الملموسة، قد يكون المدرس، و الباحث و التقني، و غيره قادرا على تحديد مواقع تربوية في خريطة السياسة الحالية، سواء في اكتساب المعارف و المعلومات أو تفكيك المنظومات التربوية و خلق مهارة الحكم و التقييم، و أجرأة الأهداف، و تأسيس استراتيجيات نضالية موحدة من جهة، و محابرية بعض التنسيقات الجهوية، فمبدأ التوافق السياسي و النقابي هو الذي يضمن التوازن لهذه الذات مع المجتمع، لأن <<التربية تسعى إلى خلق المواطن الصالح، فإن الدلالة التي يحملها هذا التعبير تفيد من بين ما تفيد أن يكون الفرد مندمجا اجتماعيا، منظما بالقيم و المواقف الاجتماعية، يمتلك حسا اجتماعيا ووطنيا و شعورا بالواجب اتجاه الوطن و قادرا على ادراك حجم المسؤوليات و تحملها>>(3)  وانطلاقا من هذه القولة ندرك أن المجال التربوي اليوم قادر على دفع بعجلة النمو الاقتصادي و العلمي، و الثقافي، و كذا خلق منافسة علمية بين المؤسسات العالمية و الوطنية. إن الوعي بالاعتراف هو طرح أسئلة على السياسي و النقابي، و التربوي، أسئلة تثغيا إثارة عمليات التفكير في قضية –الهوية- و الإنسان  و الوطن و يعتبر سؤال التربية و التكوين في عالمنا <<جرح نرجسي>>يحتاج إلى الإرادة و العناية و المعالجة الموضوعية بمختلف انفتاحات تحليل هذا الخطاب التربوي لوضع سؤال التربية و التكوين <<في إطاره النظري و الفكري للتبرر من أشكال التشنج التي تطغى على العديد من الكتابات>>(4) فالتربوي ينبغي أن يتعامل مع السياسي أو الإيديولوجي وفق طبيعة الموضوع الذي يحده رؤيته، إذن فالخطوة في كل عمل تربوي هو تحديد جوهر الموضوع المعالج لكي يكتسي أهمية كبرى عندما يتعلق الأمر بموضوع –الإصلاح- بالنسبة للفكر التربوي المعاصر، حيث يخضع في تحديده ليس لمكونات السياسي، و للأحزاب وكذا النقابات و المجتمع المدني، لأن المضامين الذي يحمله هذا المكون لم تكن في أي وقت مضى، هذا من جهة، و من رؤية أخرى أن الإشباع التكنولوجي في تداوله الوجداني و الإيديولوجي يجد إطاره المرجعي داخل الفكر العربي و مفاهيمه الخاصة و ليس خارجها، إنه عبارة عن مركب إبستيمي يدهشنا بالسرعة و الخفة و يغلف النظم التقليدية بألوان التحديث و العلمانية و بالأحزاب الحداثية و الشرعنة، و سائر المؤسسات الرقمية سواء في التطبيق أو في النظم دون إجهاض لمشروعات النهوض في عصرنا، و دون انفصام بين اليوتوبيا و الواقع المعاش، فكلما تمعنا النظر في هذه الأحزاب المفبركة، كلما أحسسنا ببؤس الواقع و بوالدة اليوتوبيات التي تدعي المثالية الممكنة دون أن يمتد جسر للعبور بين النظرية و الواقع، ويقول محمد الأسعد<<عندما تبدأ في محاورة أي ايديولوجي عربي فعليك قبل كل شيء أن تثبت له وجود العالم لأنه غير وارد ضمن معطياته>>ص67-فالتربوي اليوم كما قلت قادر على بناء رؤية تنويرية إذا توفرت الظروف المادية و الوجدانية و المعرفية، و هذه الطريقة في الرؤية لها شروطها الواقعية، إذ تنبع من التحول التاريخي صوت شكل جديد من الرأسمالية، و صوب عالم من التكنولوجيا و صناعة الثقافة، عالم سريع التحول بلا مركز انتصرت فيها الخدمات العلمية، و المالية، و أخلت فيه السياسات الطبقية الكلاسيكية الميدان لسلسلة واسعة من سياسات الهوية>>(6)ص10. فهذا التقويم يتطلب منا الدربة و الممارسة المنهجية لا الوصفية و لا التاريخية، لأن الأطروحة التي ننطلق منها تتخلص في أن فكر التربوي يمثل مرحلة انتقال في تطور الفكر العربي و المغربي، عن التطور الاجتماعي الذي لامسناه في التيار الاشتراكي الموحد الذي غاير المألوف و تجاوز ونين بعض الفضوليين، ولعل مصطلح تعددية التعديات أن يكون أقل أحادية و صلادة كما يقول إيغلتون في كتابه “أوهام ما بعد الحداثة”(7) لذا شكل التواصل هاجسا نظريا و فكريا، بل هو سيرورة تدل على أساليب التبادل الإنساني بين المرجع و المرجعية لا سيما في زمن الثورة العلمية التي جعلت من العالم قرية تلتقي فيها كل الأجناس البشرية، و الثقافات و التجارب. و كلما زاد التواصل بين السياسي و التربوي كلما زاد التفاعل بين الكائن و الممكن، و القول و الفعل و الخيال و العقل، فالتواصل يعد شرطا جوهريا للحياة الاجتماعية التربوية، و السياسة، فهي طريقة لتبادل المعلومات و استقبالها بطرق عديدة تتراوح بين القبول و النفور، و هذا ما نراه في الانتخابات ، و في الندوات، و من خلال هذا نجد أن اللغة المستخدمة من طرف السياسي وسيلة الاتصال و ليس غاية، أما التربوي فاللغة المستخدمة تراعي شروط المتعلم، و المؤسسة، و البرنامج الدراسي قصد إقامة التواصل بين هذه الكائنات، فهي ظاهرة رمزية و تداولية(8)ص51. من هنا نرى أن تحقيق التواصل الناجح يقتضي بذل المجهود من كلا الطرفين لإنجاح العملية التعليمية التعلمية، و هذا النموذج حول جميع التطورات و المفاهيم، و التقنيات التي تتمحور حول النشاط التفويضي التربوي، لأن الحاجات هي المظاهر الأكثر وضوحا و هذا ما يدفعنا إلى طرح سؤال أساليبي. هل الاستراتيجيات البيداغوجية تمكن من تحقيق الأهداف الواردة في التوجيهات المالية؟ و انطلاقا من هذا السؤال المركزي نستكشف أن التربية في وطننا تعيش حربا بين النقابات و التنسيقيات، و بين السياسيين، الشيء الذي يجعل العملية التعليمية تعيش الغربة و الكآبة، مما يجعل المدرس يطلب التقاعد كما حدث بالجامعة، و هذا الخلل في هذه المنظومة جعل الفكر الإنساني و العلمي يتأخر، و يتهاوى نظر الفقر التحفيز المادي و الاهتمام بالباحث، و شح في دور النشر، و غياب التنافس المؤسساتي و الجامعي، لأن هدف الأوصياء هو المشي على الأقدام من و إلى-دون معرفة الخلفيات، لذا يعاني المدرس مبكل خوفه من الألم و اليأس نظرا كما قلت بعدم اهتمامه، كذات، و فكر و حياة، ووجود، بل أن هدف الأوصياء هو جعله شيئا و ليس إنسانا، يباع و يشترى طبقا للقوانين و للمراسيم، و هذا الاستغلال لهذه الذات المبدعة تجعله مستلبا للأحزاب المفبركة، و كذا للنقابات التابعة دون استخدام أو مراجعة نقدية، لذا فالصحيح أن فلسفة التربية هي قبل كل شيء، نور نهتدي بها و ننمو بها، لأنها العدد اللانهائي لهذه الذات المستلبة، فهي فضيلة و قوة كما يرى الرواقيون، فالإنسان هو الذي يكفي نفسه، و هو سعيد لكونه حصل على الوفاق الكامل، و إذا ما بدأ هذا المشروع صعبا للغاية، فيمكن أن نجعل من الإنسان الحكيم على الأقل نموذجا و من الفعل الفاضل واجبا فنحصل على هذا النحو على الوسائل التي تتيح محاكاة الحكمةص37. سأقف بادئ ذي بدء عند العنوان لدراسته و التمعن فيما يحمله من معاني و إشارات لأن هناك بعض الدراسات هدفها الأساسي الوقوف عند العناوين كدراسة سيميائية، دون البحث عن الخلفيات السوسيوثقافية و التاريخية التي ساهمت في إعادة نظام التعليم كمؤسسة كبرى من مؤسسات المجتمع الصناعي الذي يقوم بدورين مركزين يسهم من خلالهما بإحداث نوع من التفاوت فب الحظوظ و توزيع غير متكافئ للفرص التعليمية (10). فإعادة إنتاج التربية بصورة لا تتجزأ من الثقافة السائدة، ثقافة البورجوازية المهيمنة، و هنا نحس حسب بورديو بالتفاوت في النجاح، بالإضافة إلى العمل، و هذا ما تحاربه القوى التقدمية و يرى(11)إن الفعل التربوي في صورته الأولى هو موضوعها عنف رمزي نظرا للعلاقة النفوذية بين الطبقات التي تشكل البنية الاجتماعية المهيمنة، فهي التي تفرض قوانينها و تسرب عنفها الثقافي>>ص18.(المرجع نفسه). و خلاصة القول إن الخطاب السياسي و التربوي حظي باهتمام كبير من طرف الباحثين السوسيولوجيين  و علماء النفس، و التربويين، مما جعلت منه حدثا أساسيا بارزا لدى المتلقي، لذلك كان يعكس إلى حد ما إثبات الشرعية عند الباحث، و ترسخ الفكر المركب سواء على مستوى الوظائف الأخلاقية و السلوكية، أو على المستوى التشريعي، لذا فالفعل التربوي بصفته قدرة من العنف الرمزي يمارس في علاقة تواصل، و يضمن بالضرورة كشرط اجتماعي و سياسي لممارسته، فأي فعل تربوي هادف يفترض حتما السلطة التربوية و البيداغوجية من أجل تقبل و استنباط الرسالة حسب تعبير بيير بورديو ص36.

                            إنجاز الدكتور الغزيوي أبو علي

                                            مختبر اللغة و الفكر: فاس.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *