حميد طولست
كل الأزياء والألبسة لها معانٍ متعددة ، تعبر عن جوانب متنوعة من الثقافة أو التراث أو المعتقد أو التوجه أو الانتماء أو التفرد أو التميز أو الهوية من خلال ما تحمله من رموز متعارف عليها ، كالكوفية بالنسبة للشرق الأوسط ، والكيمونو لليابان ، والجلباب للبلدان المغاربية ، والحجاب للمتأسلمين ، والصليب للمسيحين، والكيبا لليهود ، والعمامة للسيخ ، والألوان والشارات للأحزاب السياسية و الحركات الاجتماعية .
ورغم حساسية موضوع اختيار تلك الملابس المعبرة عن الهوية الثقافية أو الدينية أو السياسية أو الاجتماعية أو المهنية أو الشخصية أو الجنسية أو الجندرية ، والتي تلزم كل القوانين والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان ، الناس باحترام رمزيتها كوسيلة قوية للتعبير عن الذات، وتواصله مع العالم من خلالها كجزء لا يتجزأ من هوية الإنسان ، والتي يعتبرها الدستور المغربي المعدل عام 2011مظهرا من مظاهر حرية التعبير عن الهوية أو التوجه ، ويكفلها في الفصل 25 منه ، بما فيها الكوفية الفلسطينية التي يشهد الشارع المغربي مؤخرا موجة عاتية ضد عميد كلية بنمسيك بمدينة الدار البيضاء لرفضه تسليم جائزة لطالبة متفوقة في حفل لتتويج المتفوقين، بسبب عدم التزامها بزي التخرج الموحد ،وارتدائها للكوفية المشرقية، الذي اعتبره العميد احتقارا لتقاليد الحرم الجامعي ، وحرص على عدم تسليم الجائزة تطبيقا للقوانين الداخلية للأكاديمية التي لا تسمح -كما غيرها من المحافل العامة الأخرى- بارتداء الأزياء والألبسة المعارضة للضوابط المتوافقة مع القوانين والمواثيق الحقوقية للجامعات، كفضاءات للعلم وليس كفضاءات لتصريف الشعارات الأيديولوجية السياسية ، الحدث الذي فرق المغاربة شيعا وقبائل ..
ليس بغريب أن يكون للجامعات قوانين داخلية تتحكم في نوعية الأزياء المسموح بها أو الممنوعة في الحرم الجامعي ،وخاصة أثناء مناسبات احتفالات التخرج التي تلزم الطلبة بارتداء ازياء موحد اللون والثوب والقلنسوة لتعزيز الشعور بالانتماء والوحدة والمساواة بين الطلاب ، بغض النظر عن خلفياتهم وتخصصاتهم، الخالية تماما من الشعارات والرموز السياسية أو الدينية أو الاجتماعية ، تطبيقا للاهادف التركيز على الجوانب الاحتفالية بالإنجازات التعليمية البعيدة عن أي عنصر سياسي أو أيديولوجي ، أو أي إضافات أخرى دخيلة على حيادية زي التخرج الأكاديمي ، من شارات أو أوشحة ، أو أشرطة، تُسيس حدث التخرج أو تثير حوله الجدل وتزرع الانقسام بين الطلاب.
بناءً على ما سبق، فإنه حتى لو كانت الدساتير والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان تكفل حق ارتداء أي زي أو أي لباس في كل مكان بما فيها الفضاءات الجامعية -والكوفية الفلسطينية من بينها- كحق من حقوق حرية التعبير، فإنه -من حيث نفس المبدأ – لا ينبغي أن يتعارض ذلك الزي مع الحقوق الأساسية الداخلية المكفولة دستوريا للأكاديميات والهيئات التعليمية العامة المغربية والدولية، حتى تتمكن من تنظيم الملبس بالفضاء الجامعي لأسباب تتعلق بالنظام العام والحفاظ على سلامة الهوية المحلية والحس الوطني ، وحمايته من تأثيرات اعتماد رمزية الأزياء التي حادت عن رسالتها النضالية الأصيلة ، كما هو حال الكوفية التي تحولت إلى موضة تلاشت معها الرمزية النضالية ، وشتت الانتباه عن أولويات القضايا الهامة المرتبطة بتلك الرمزية ، المرتكزة أساسا على الهوية الفلسطينية والنضال ضد الاحتلال، التي تحتاج إلى تركيز ، بعد أن أصبحت لدى الكثيرين موضة عنصرية يستعملها الناس في سياقات غير سياقاتها ولأسباب تتعلق بالموضة أكثر من الرمزية النضالية والحس الوطني ، الأمر الذي لا يمكن معه تحقيق التوازن بين الاحتفاظ بالرمزية التاريخية للكوفية واستخدامها كجزء من الموضة التي يمكن أن يكون لها تأثيرات متباينة على القضية الفلسطينية، التي يجهل تاريخيتها جهلا تاما أو تجاهلا متعمدا ، أولئك البائسون واليائسون والكاسدون وضعاف العقول والنفوس ، الذين لا يحسنون الاصطياد إلا في المياه العكرة وبحيرات مياه الصرف الصحي النتنة ، وينتعشون على الخلاف الفكري والسياسي ، ويحاولون بكل السبل الدنيئة الانتحاء به إلى زاوية المزايدات الأيديولوجية الضيقة والابتزاز السياسي الذي يصيب الحياة الثقافة والسياسية المغربية بالجمود والاختناق والاحتقان المجاني المسيء لسمعة المغرب ونظامه ومواطنيه.
والحمد لله على أنه لازال بيننا من هو قادر على التصدي للمنكر ويستطيع قول كلمة ” لا ” في المواقف والظروف المناسبة،كما فعل عميد كلية العلوم بنمسيك التاريخي الذي كان محط تقدير واحترام الفئة المتنورة والناضجة والنخبة السياسية والثقافية المغربية.