الماسونية مفهوم من المفاهيم الذي ظل يتردد على ألسنة الناس، فهي منظمة سرية عالمية يشارك أفرادها عقائد واحدة، وقد أثارت النقاش بين الباحثين محدثين ومعاصرين فهناك من يردها إلى الجنس اليهودي، وهناك من يربطها بالعولمة، وهناك من يراها في بعدها الزمني الكوني، فهي كما ذكرت حركة غامضة الولادة والأهداف، لذا ارتبطت بالدين اليهودي، لذا يفتخر اليهودي بهيكل سليمان لأنه ذكر في التوراة فهي من أقدم المحافل في العالم القديم لذا أخذ منه هذا الاسم البناء المحرر، لذا انتشر البناء في أوروبا، وبدأت تظهر الكنائس وغيرها من البنايات الدينية وشكل هؤلاء الحرفيون والصناع حركة مرتبطة بالدين اليهودي المتطرف دون الأديان الأخرى وهذا ما ذكره هيد نكتون في كتابه صراع الحضارات، لذا تعددت الروايات وكثرت الدراسات حولها ودرست الأفكار واستخدمت الأنفس الضعيفة لتكوين قريبة من هذا المفهوم ويعتبر المحفل الكبير الذي بني 1717 هو المرجع الأساس للماسونية وأرقاها سلطة عليا.
ومن بريطانيا التي ازدهرت فيها هذه الحركة فامتدت إلى فرنسا، وأمريكا وإيطاليا نظرا للاستعمار الموسع، وهدفها هو الهيمنة على العالم، وهذا ما ذكرته الدراسات المعاصرة، لأن الماسونية تؤمن بالثورات فهي ولادة يهودية التي عرفت تشتيتا واضطهادا حسب زعمهم، لذا شكلوا عدة مؤتمرات منها مؤتمر سويسرا ولكن إذا احتكمنا التاريخ الغير المؤدلج، فإننا واجدون أنها حركة استعمارية جديدة ولدت بعد سقوط الدولة العثمانية، فاتخذ لها الغرب موطنا بفلسطين المحتلة، وبالتالي بنوا الوطن على ظهر الإنسان العربي الذي لم يستطع أن يغاير المالوف فاستسلم للمستعمر، وبدأ يشاهد و يعمل ولا يصنع، ويحتوي النظام الماسوني على ثلاث طبقات، حيث تتضمن 33 درجة، كل درجة لها خصوصية تميزها على الخصوصيات الأخرى، وأن أهل الصفوة هم الذين يشرعون ويقرون الأدوار، وكذا الانخراط في هذا العالم الماسوني، وهذا هو عبارة عن انتقال من الظلمات إلى النور ولكن الباحث المتمعن في هذا الشأن فإن الماسونية التي تعتمد التقنية هي رؤية شيعية التي سادت في عهد الخلفاء الراشدين، فهذه الفرقة تعتمد التقنية ولا تخوض في السياسة، شأنها شأن الماسونية التي تتستر وراء الحجاب ولا تتكلم إلا بالأرقام أو كلمات السر، لأنهم منتشرون في المراكز العليا، وأنهم أصحاب النفوذ والقرار وهذا ما نراه في عهد الرئيس هاري ترومان وأيضا ترامب، وأيضا الرئيس البريطاني تشرشيل في ألمانيا لعبت دورا هاما حيث جعلت حركة مواطنو الرايخ أن هذه الدولة المؤسسية والمهيمنة فهي محددة تديرها الماسونية واللوبيات العالمية، وأن الماطن الألماني مجرد موظف في هذه الشركة، وأن ألمانيا لازالت محتلة منذ الحرب الثانية.
فهذه القراءة المبطنة بالهيمنة، جعلتنا ندرك أن هذه الحركة لم تولد هكذا عبثا، بل جاءت لاحتلال الشعوب والدول لتصنع منهم أناسا طبيعيين، وأن تستعمر بلدانهم وتسلب خيراتهم وهذا ما نراه في إفريقيا وشرق آسيا، والجنوب الأمريكي، لأن الدافع الأول والأخير هي تطويع الشعوب وجعلهم تحت الهيمنة الأمريكية والأوربية، وهذا ما جعلوهم ينشرون أفكار علمانية وشيطانية كما ورد الباحث نيك هاردينغ في كتابه الجمعيات السرية، فانتهاك حقوق المعتقد وحرية الإنسان هو ما جعل الباحث مورخان في كتابه المنشور والمعنون “أسرا الماسونية الأحرار” حيث يؤكد على أن هذه الحركة ضد كل فعل مناوئ لها، وضد التدخلات الخارجية والأفكار المستوردة، لأنها تتشكل من قوانين وأسرار لا ينبغي اختراقها فالذي يريد أن ينضم إلى هذه الجماعة عليه أن يكون مريدا مطيعا وتلميذا نجيبا وأخيرا معلما بناءا وحرفيا، فهذه التراتبية نجدها عند المتصوفة، وعند البوذيين، وأيضا عند الكاتوليكيين المتزمتين، وعند جماعة اليهود الكبيوتس، وبعض الجماعات الإسلامية، كالعدل والإحسان، والسلفية الجهادية، وتنظيم القاعدة، وداعش، وغيرهم، فهذه لجماعات لم تستطع توجيه الإنسان المعاصر لتخليصه من مشكلاته المادية والسيكولوجية والاجتماعية، وهنا نتساءل عما يمكن للماسونية أن تقدمه للإنسان في عصر يسعى نحو المعنى والتوجيه، فهذه الحركة قادرة على أن تمد الإنسان بالقيم الجديدة لأنها تمتلك وسائل الإنتاج والتقنية والتواصل الرقمي، وأن تمد الفكر المهيمن بقيمه وفلسفاته وأهدافه، فهذه الرؤية تسلط الضوء على علاقة الجدلية التي تربط الإيديولوجيا بالعلم والاقتصاد من خلال عرض نقدي المعسكر الشرقي بهدف الكشف عن القوى الاجتماعية والسياسية التي أثرت على مسار هذه الحركة، وتطورها، وكذا التيارات الفكرية المؤدلجة التي تضرب بجذورها في بنائه ومرتكزاته، منطلقة في ذلك من مسلمة مهيمنة مؤداها، أن أي رؤية من رؤى الفكر الماسوني ما هو إلا انعكاس لمجموعة من الظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية المحيطة به، ولا يعني أن البنية التحتية هي التي تشكل الفكر، ولكن هناك علاقة جدلية بين الفكر والواقع، فالفكر هو الذي يصنع الواقع ويشكله، ويساهم في تغييره، ولهذا حظيت هذه الحركة بأهمية بالغة نظرا إلى ماضيها وراهنيتها، لأنها ولدت في أحضان الاستعمار الجديد وتطوره في الغرب، ويقول بوتومور إن علم الاجتماع لا يمكن أن يكون بديلا للدين أو الأخلاق، بمعنى أنه لا يمكن أن يقدم للناس أهدافا معيارية، ويحدد لهم مهام يتعين عليهم أن يؤدوها، وهو يقتر في هذا الصدد على وصف الظواهر الاجتماعية وتشخيص الظروف الاجتماعية التي تؤثر على ظهور الأفكار العامة والمثل العليا أو ما نسميه اليوم بالإيديولوجيات تمهيد في علم الاجتماع تر محمد الجوهري –القاهرة 1950 ص 16، فالمجتمعات المتخلفة هي مجتمعات ترتبط أشد الارتباط بالتبعية لأنها تفتقد إلى التنمية هي التي تعكس البنية الفكرية بل العكس هو الصحيح، حيث يعكس الفكر الليبرالي آراء أغلب فئات هذا المجتمع الغير، وهو السبيل لفرض السلطة ونشر الأفكار والإيديولوجية المتعصبة، ومقاربة هذا الخطاب الحركي من زاوية التحليل النقدي تعطي إمكانية كبيرة لتوسيع أفق دراسة الإنتاج الرمزي والتأويل التاريخي، لأن التحليل النقدي لهذه الحركات منفتح على مجالات اقتصادية رأسمالية التي تتمركز داخل إطار فلسفي مهيمن وخلفية نظرية مشتركة بين هذه الأفراد والجماعة، لذا اتهمت بنشر التعاليم الشيطانية كما قال بذلك المحفل الماسوني الموجود في بريطانيا، والمدن من طرف الباحث جون هاميل “الحركة الماسونية” حيث سماهم بفرسان الهيكل لأنهم يعتمدون الرموز بالزاوية والفرجار ثم النجمة أو القمر أو الحرف G أو العين.
وحسب الدراسة التي أنجزها كاثي بيرنز في مؤلفه المعنون “شرح رموز الماسونية”، فالعين ليست عين الله بل عين الشيطان، حيث يمثل حرف الجيم G كوكب الزهرة الذي يدل على العضو عند الرجل، وهو يأخذ أحد أسماء الشيطان ى(بافوميت فهو الإله الذي اتهم فرسان الهيكل بعبادته سرا فهو يجسد إبليس لوسيفير، وهذه الخرافات تحمل بين طياتها سر الهيمنة والسيطرة عل العالم من أجل بناء العالم الجديد كما نادت به الثورة الفرنسية: حرية – إخاء مساواة، وهذا ما ساد في مصر في عهد جمال الدين الأفغاني الذي ساند المحفل الفرنسي ضد الأنجليزي، وعمل جمال الدين بالانفتاح على الفرنسيين لأنهم نادوا بالأخوة ونجد أيضا أحمد عرابي والبارودي ومحمد عبده وغيرهم.
فمهما يكن فالماسونية تهدف إلى القضاء على الأديان السماوية ونشر العقيدة الوضعية الآدمية وإحلال سلطة محل سلطة أخرى بدعوى حرية الإبداع والفكر من أجل سيطرة الإنسان على الغيب، وعلى العدو اللذوذ وهو الدين، وأنها ستحل محل الكنائس والأديرة والمساجد،/ وسيأتي المسيح الدجال ليخلص هذه الأمم من الشر، وهذا ما ذكره بعض المفكرين الماسونيين الدجالين، لكن الإسلام وقف أمام هذه الدعوة لهدامة، داعيا إلى الاجتهاد في تطبيق مبادئه مع مراعاة الحالة المختلفة والأوضاع المتباينة للشعوب وللأمم ، لأن تاريخ الفكر الإسلامي يفرض التفاعل الفكري مع الآخر، فهو منفتح وليس منغلق على ذاته، بل يعتمد القرآن والسنة والفلسفة، وعلم الكلام، وكتب التفسير ، لأن الحكمة ضالة المسلم أو المؤمن أينما وجدها فهو أولى الناس بها.
فالإسلام منذ مجيئ الرسول (ص) وفي عهد الخلفاء الراشدين لم يكن أداة إيديولوجية ولا استعمارية، بل كان أكثر معرفة وعلمية باستخدام العقل والقلب والأخلاق والحرية ولم يكن بديلا للإيديولوجيات الوضعانية كما الماسونية والبوذية والزرادوتشية، حيث أن القيم التي نادا بها لم تكن محايدة، بل تتأثر بالبيئة الثقافية والمؤثرات التاريخية ولحضارية، ولا تخضع لمجموع التقاليد المتعارف عليها منذ الجاهلية، وليست هناك إيديولوجيا بإمكانها أن ترتفع إلى هذا المستوى في الحياة غير المذهبية الإسلامية باعتبار مصدرها الآلهي الحق (منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية” ص 328، إذن فجل المحاولات التي تناولت الأديان لم تكن متجانسة ولا تتفق حول تحديد موضوعه ومجاله وأهدافه، لأن الإسلام هو جامع الأديان يعبر عما هو كائن من النظم والوقائع من منطلق إسلامي اجتماعي كما يرى وسيلة خزار في كتابه لإيديولوجيا وعلم الاجتماع، ص 247، فالإسلام لم يدعو إلى صراع حضاري، ولا نهاية التاريخ بل يطلب من الإنسان أن يتأمل ويتدبر في شؤون الخالق والخلق، وأن يستخدم عقله وحواسه لمعرفة موقعه داخل الوجود، وأن يتعرف على الواقع المادي وعلى حقائق الوحي، لأن قصر العلم على لواقع المادي تجاهل للدين ولحقائق الوحي، وهي المعرفة اليقينية في نظر المؤمنين، بينما تكون المعارف المادية الاجتماعية معارف ظنية قابلة للتكذيب والتغير والتطور” محمد أمزيان منهج البحث الاجتماعي ص 239.
ومهما يكن من قول في الماسونية فقد بدأت بعد هيكل سليمان عليه السلام،وبالتالي بدأ الحروب الصليبية وقد كانت اليهود تنادي بالقضاء على النصرانية من طرف اليهودي هيرودوس الثاني، وهذا الصراع المسيحي واليهودي ولد لنا عدة اتجاهات وتيارات عدائية، فمنها من تبنى رموز وأشعار وأحاديث ونشر الإباحية كما نرى اليوم والانحلال الخلقي، والدعوة إلى العقم لكي يبقى اليهودي سيد العالم على المستوى الاقتصادي والعسكري والتقنوي هكذا هي الماسونية التي نادى بها الرأسمال المعولم.
إنجاز د الغزيوي أبو علي