بقلم الاستاذ : نجيب طلال
بين التسييس والأدلجة :
بالتأكيد أن ذاكرة المسرح في المغرب متهـلهلة ومبتورة ، والمدهش أنها مليئة الفجوات والثغرات، رغم محاولة استرجاع الأحداث والصور والأشخاص ،بين الفينة والأخرى ؛ من خلال الانفتاح على ذاكرة الآخر، فثمة تغراث بين التذكر والتخيل والنسيان، وبين الشك والتحقق واليقين لما يلوح به التذكر، واسترسال المعطيات التاريخية. لأسباب متعَـددة. يستفيض الشرح والتفسير فيها؟ وليس مجال تفصيلها واستبيانها ( الآن) وبالتالي فالتوثيق والتأريخ للحركة المسرحية، هي في حد ذاتها مغامرة وجودية قبل أي مفهوم آخر، أو بمعنى آخر مغامرة فوق مغامرة! باعتبار أن حركية المسرح عصبها الكائن البشري كفاعل أساس في إنتاج تراكم تاريخي، يتشكل فيما بعد ذاكرة جماعية. وهذا الأمر نحن بعيدين عنه كل البعد، لأسباب تعود لمن ينهج المغامرة، يتخندق بين التسييس والأدلجة مرغما ؟ وثارة يستحضر الذاتي والذاتوية التي تغتال الموضوعية ولو في نسبيتها، والاغتيال يأتي من اختيار أسماء بعينها، وتهميش وإقصاء أسماء وتجارب فاعلة ولها موقعها في الإبداع أو التسيير أو التدبير أو التشخيص، في زمنية معينة. وكما أشرت ليس الآن مجال التوضيح . ولكن من خلال مقارنة ومقاربة أبجدية المفردات التي سنلمح بها ، ها هنا والحاضرة في أعماق الكلمات التي تنظر لمدينة ” مراكش ” ككل المدن : مدينة العطاء في الفنون المشهدية، من خلال دينامية شبابها وحيويتهم ، في زمن تداخل الإبداع بالتسييس ، والتسييس بالأدلجة ، ليس الأمر في عقد السبعينيات من ( ق، م) كما يتغنى البعض ، بل الأمر كان إبان استقلال البلاد، وبالتالي فبين التسييس والأدلجة هنالك التنظيم الحزبي كتشكيل فوق تشكيل الجمعيات الثقافية ، وبرز هذا بعد التخلي عن المخطط الخماسي للتصنيع و إسقاط حكومة {عبد الله إبراهيم }( رحمه الله) وازداد حضورا بتشعب المد اليساري الذي تشبعت به الجمعيات والتنظيمات الثقافية والفنية ، من بينها جمعية [ الضياء للثقافة والمسرح] التي كان محركها الأساس ، وحاضنها بكل ثقله: المسرحي “لحسن آيت حاكي ” هذا الاسم / الفعالية / الذي ضحى تضحيات جسام و لا توصف، تضحية بوقته وعمله ! وأعطى الكثير والكثير للساحة المسرحية / وتطعيم منظمة 23 مارس بالشباب ، الذين تم استقطابهم من قلب ” عرصة الحامض” والإعدادية المجاورة لدار الشباب وفضاء ( باب دكالة) كانفتاح على الشبيبة المدرسية . وهنا من الصعب جرد كل الأسماء التي انخرطت في الجمعية ك : ادريس كاتي/ أحمد أقـداد ( رحمه الله)/ عبد الحفيظ السيدي/ محمد لمتوني/ الإخوان السبطي/ محمد الصوفي/ حميد الزيدوحي/ محمد قريشي/ محمد بلمقدم/…./ هنا نتجنب الجمعيات التي تولدت وهي كثيرة عن جمعية الضياء/ وذلك لخلق امتداد يساري متشعب في مدينة مراكش، لكي يسهل تصريف المشروع المجتمعي وأطروحات اليسار وقتئذ ؟
بين الشـك واليقـين :
أعلم مسبقا بأن العديد من القراء الافتراضيين ، وممن يتكلمون عن الذاكرة المسرحية ، سيتساءلون همسا أو انفعالا من هو “لحسن آيت حاكي” ؟ بكل بساطة وأريحية وشفافية، التي يتغنى بها العديد، ولكن يرفضونها. نشير بالقول الثابت: إنه نموذج من نماذج ضحايا المسرح في المغرب. وصورة من صور ضحايا اليسار المغربي؟ هذا يعرفه جيدا الرفاق والزملاء والأصدقاء المراكشيين جيدا ، طبعا كل منا له أخطاؤه وهفواته وزلاته ، ولكن ما الهفوة التي جعلت من رفاقه ينسونه بالمرة ، ويمسحون اسمه مسحا ! من ذاكرة المسرح المراكشي تحديدا؟ ولم يعد أحد يذكره أو يتذكره حتى في حديثهم عن الذاكرة المسرحية المحلية ، فبالأحرى الوطنية، والمدهش بأن العديد من المسرحيين المناضلين، في ربوع المملكة لم يتذكروه ! حينما أدرج اسمه في أحاديث جانبية ، علني أظفر بمعلومات غائبة عني ، وإن كنت أعرفه وعاشرته عن قرب ، ودخلت منزله ب”درب الحمام” في المدينة القديمة ، واستضافتني والدته (رحمها الله ) استضافة كريمة، تعود تقريبا[لأربعين سنة] (1986) أما الغرابة التي لم أحد لها جوابا؟ هنالك صفحة في [) الفايس بوك (] لجمعية [ الضياء للثقافة والمسرح] المراكشية ، منذ قبول حسابها ـ ولا وجود لصورة أو خبر أو تذكار أو تذكر لمؤسس الجمعية[ لحسن آيت حاكي] ؟ لماذا ؟: لنترك السؤال في طي الشك والغموض، حتى ينقشع الخبر اليقين. لكن الأدهى !! بأنني اتصلت بالعديد من المسرحيين المراكشيين، عبر وسائل التواصل، أستفسر عنه وعن أحواله، بعد انقطاع يصل إلى [سبعه وعشرين] عاما ( 1996) فلم يتواصل معي أي أحد من الإخوة ، أو يمنحني ببعض المعطيات سواء الفنية والحياتية ؟ باستثناء أحدهم (…) أكد لي باقتضاب شديد أنه رحل إلى منطقة المحاميد، ويعاني من ظروف نفسية وعقلية صعبة (.) وهنا نترك الحقيقة بين الشك واليقين، إن كنت أفتري، ونختلق الأكاذيب . فمن حق أي مسرحي “مراكشي “، ممن اتصلت بهم مواجهتي وتفنيد الافتراء والكذب، علما أنني اكتشفت بأن هنالك عداء سافرا في حق[ لحسن آيت حاكي] لماذا ؟ : سؤال خارج جغرافيتي ، ولكن ما ندركه بأن الحماس والألفة بين الجمعيات وبين المسرحيين ، أضحت غائبة ومشلولة ، إنها لصورة ممسوخة ومشوهة ! لا تناسب قيمة المسرح وروحانيته، بحيث لم نعد نتصارع عن الاختلاف بيننا، للدفاع عن الأفكار والقضايا الجوهرية ؟ لتحقيق المشترك. بل تفاقم العَـداء والإقصاء المتعمد ! والمناوشات البليدة ! والكولسة السخيفة ! وهذا ما شعَـر به المسرحي [آيت حاكي] بعد مهرجان مسرح الهواة الذي أقيم بالصويرة سنة ( 1993/ دورة 29) وإن كان حاضرا في ملتقى الحمراء في دورته الثانية (1993). بعْـد تاريخ مسرحي حافل ومجيد ، في مساره أذبلت زهرة شبابه وتضحياته الجسام والعطاء السخي، للمسرح وللحزب السياسي/ اليساري ؟ مما انسحب من المشهد المسرحي، والفضاء المراكشي، نتيجة الإحساس بالظلم والغبن ، و نتيجة الجحود وغياب العناية والاهتمام ؟
أليس هو أول رئيس لجمعية كانت مناضلة / ملتزمة / مسيسة / مؤدلجة /بالفكر اليساري ، قبل الشعلة البيضاوية؟ ومن حق أي مسرحي/ مثقف يساري أن يدحض الخبر، لأن الوثائق رغم ضياع بعضها، فبعضها ينطق بما كان.؟
أليس هو أول رئيس مسرحي، نظم أول ملتقى مسرحي بالمغرب، بإمكانيات وإمكانات ضعيفة جدا ، وفي ظل إكراهات وصراع السلطة مع الجمعيات ؟ لكن الحماس هو الوازع الذي كان ، مما بصم مسار المسرح المراكشي، بالتحدي والمواجهة، لأن تنظيم [ملتقى الضياء] سنة (1976) كجبهة دفاعية عن الحيف الذي لحق بالجمعيات المسرحية ( اليسارية ) من لدن منظمي المهرجان الوطني لمسرح الهواة / موازاة مع خلق كيان( الجامعة الوطنية لمسرح الهواة) تابع للوزارة، وليس للجمعيات والاتحادات المسرحية ؟
أليس هو من ضحى بعمله، من أجل المسرح ، بحيث توقف عن العمل تم ممارسة الطرد التعسفي في حقه ، فكانت قضيته في أدراج نقابة الإتحاد المغربي للشغل. بدون طائل كعادة ( النقابات المهنية) ناهينا عن( النقابات الفنية )[ الآن] ؟ وبالتالي كان يحاول جاهدا أن يخفي معاناته وإكراهاته المادية والأسرية التي كانت تحيطه وتكبله، إما خوفا من السخرية والتهكمات الضمنية ، أو استحضارا لكبريائه وصموده الذي يمنعه من إظهار ضعفه أمام الرفاق والأصدقاء من المسرحيين ( تحْـديدا) لكن كانت تقاسيم محياه، توحي بضغوطات نفسية حادة ، لكنه ظل صامدا / إيمانا بالمبدأ السياسي / الفني المرتبط بخدمة الإنسان والحياة، بحيث كان معطاء من خلال التأليف والإخراج الجماعي الذي كان قاعدة عملية في جمعية الضياء وتسربت للجمعيات الأخرى، فلحدود علمي أنه كان صاحب فكرة العديد من المسرحيات ذات الطابع الجمعوي( تأليفا / إخراجا): كالقطار/ صرخة وسط الاغتراب/ الجنرال/ لعبة الصمت/…/ لأن المناضل [ لحسن آيت حاكي] لم يأت من فراع بل له رحلة كفاح في حقل المسرح المراكشي، بحيث انخرط عرضا في جمعية الأطلس الشعبية التي كان يترأسها قيدوم المسرحيين عبد الواحد حسنين ( رحمه الله) تم التحق بالشبيبة العاملة وبعدها التحق بجمعية الجيل الصاعد في سنة 1969، ومنها أسس جمعية الضياء ومن خلالها كان يدافع عن المسرحيين بدون استثناء، خاصة حينما كان رئيسا [للاتحاد الإقليمي لمسرح الهواة ] المراكشي ، بحيث هنالك حادثة غربية دافع عنها بقوة ، رغم صداقته المتينة بالناقد “سالم اكويندي” هذا الأخير أعلن بأن جمعية الحياة المسرحية المراكشية تأسست سنة 1987 وشاركت في المهرجان الوطني لمسرح الهواة بالجديدة وحصلت على جائزة البحث المسرحي ، بمسرحية ” رحلة الرجل الطيب أنها سرقت من عمله ، لكن المسرحي[ لحسن آيت حاكي] واجهه بالنص الذي سبق لجمعية الضياء أن اشتغلت عليه (1978) مخالف تمام الإختلاف عما كتبه “المهدي حلباس” وفي سنة (1991) المهرجان الوطني لمسرح الهواة بطنجة (دورة28) دافع بقوة على شخصين (..) أحـدهما من خنيفرة والثاني من (…) مراكش رفضت الوزارة معية الجامعة قبولهما في المهرجان، مما رضخت إدارة المهرجان لدفاعه. علما أن جمعية الضياء كانت مشاركة ، وقتئذ بمسرحية ( المتشائل)
بعْـد الاستخلاص:
طبعا انخرط صديقنا ورفيقنا[ لحسن آيت حاكي] كعضو في الجامعة الوطنية لمسرح الهواة، بناء على سببين، بحيث كان مدفوعا من قوى اليسار وثانيا لاختراق هذا الجهاز، من خلال المنظور الوهمي للتغيير” التغيير من الداخل” فالتغيير يكون بالنقيض والمعارضة والمواجهة . وليس من الداخل، كما أمن بها (الحزبيون)هنا ورط نفسه أمام أخطبوط رئاسة الجامعة ، أقول هذا: لأن من يتكلمون عن الذاكرة أو محاول التوثيق؛ يتغافلون ! وعليهم ألا يتغافلون ؟ عن الهنات والسلبيات التي هي الفيض من الداء الذي أصاب المسرح في المغـرب، بحيث انزلق أمام بعض الإغراءات، نتيجة لظروفه الإقتصادية الصعبة ، فمن المؤسف أننا نرضخ لنزواتنا ، لنعـدم رفاقا وأحبة يتطهرون. لأنه ليس هو الوحيد الذي انزلق ثم انفلق ! فجل المسرحيين اشترتهم رئاسة الجامعة ، انزلقوا ثم انفلقوا بعد إغـراءات متعددة (؟؟) ومن له الجرأة والشهامة أن يفند قولي هذا، فله كامل الصلاحية بدون شوفينية أو تعصب. وبالتالي فالمسرحي [آ يت حاكي] أمسى مغبونا !! بعْـدما أدرك خطأه وزلته في حق تاريخه المسرحي، إبان أحد المشاهد السخيفة التي قامت بها رئاسة الجامعة ، أمام جمهرة من المسرحيين في أحد (المقاهي) بمدينة ( الصويرة) إنها أساليب الإذلال والتطويق، التي لم يطقها. فانسحب مغبونا ! لأنه كان شخصا متمردا بهدوء على الرسميات والتوافقات.
وبالتالي فما قلته في حقه يبقى رجلا ومن زمرة المسرحيين الصادقين، لأن الصادقون هم وحدهم الأصل، وهم الحق والحقيقة، وهنالك شهود ورفاق وأصدقاء، لازالوا أحياء . بإمكانهم أن يساهموا في إجلاء الحقائق ؛ ولاسيما أن [ لحسن آيت حاكي] وجه مراكشي [ قح] ومسرحي غير [مزيف] وسيبقى مسرحيا في الذاكرة، رغم أنه كان” قليل الكلام ” وكاتم لمئات الأمور والقضايا في صدره ؛ ولكنه كان في جلسات ( ما ) يلمح بمن يتق فيهم ، ببعض الشذرات… مقابل هذا فكل مدعي الفن والمسرح، فهو بمثابة شبح عابر في مشهد مزيف، لأن المسرح في بعْـده الأعَـم تضحية وقيم أخلاقية قبل كل شيء. وهذا ما كان يتحلى به المسرحي والمسير” لحسن آيت حاكي” الله وليه.
فــاس/ 10/10/2023