بقلم الاستاذ : حميد طولست
على هامش الألعاب الأولمبية التي أقيمت بباريس قبل أيام ، زخر الإعلام الرياضي ، وحفلت وسائل التواصل الاجتماعي ، بالقصص الغريبة التي حدثت مع بعض الأبطال المغاربة ،فبل وبعد المنافسات ، والتي منها على سبيل المثل لا الحصر، قصة فاطمة الزهراء كردادي العداءة المغربية صاحبة فضية بطولة العالم 2023 ، التي روي الصحفي المغربي “محمد واموسي” مدير مكتب “تلفزيون دبي” في باريس ، مدى معاناتها مع التهميش الممنهج والحرب الضارية التي أعلنت عليها من داخل جامعة ألعاب القوى ، والتي دفعتها للسفر لفرنسا وحيدة بدون مدرب ، وبدون أي مرافق ، أو طاقم تقني أو طبي ، وهي وفي وظروف صحية سيئة وحالة نفسية أسوء، ومع ذلك ، فقد حققت الرتبة الـ11 في أصعب ماراثون في العالم ،”ماراثون السيدات” بأولمبياد باريس.
وليست فاطمة الزهراء الكردادي وحدها من عاشت مثل تلك المعانات مع جامعة ألعاب القوى ، وتعرضت لكل ذاك الحجم المهول من المعاناة والتهميش ،بسبب عدم رضا بعض من يسيرون الجامعة على مدربها ، وإصرارهم على تحطيم مستقبلها مقابل ذلك ، فقد تناقلت وسائل الإعلام الرياضة و مواقع التواصل الاجتماعي ، أنه قبل سنوات أن أراد أحد أبطال العدو المغاربة الإنضمام إلى المركز الوطني لألعاب القوى ، ولكن الجامعة خيرته بين التخلي عن مدربه ، إن هو أراد أن يلج المركز ، فأبت عليه تمغربيته إلا أن يرفض المساومة ، ولم يخضع لها ، كما فعلت فاطمة الزهراء الكردادي، مفضلا الاستمرار في التدرب على يد مدربه ومكتشفه ، بإمكانياته الخاصة والشخصية المتواضعة ،وهو اليوم بطل أولمبي بميداليتين ذهبيتين ، وكل من رفض التحاقه بالمركز الوطني لألعاب القوى، يتسلون أخذ صور معه بعد أن رجع ومدربه بالذهب من باريس ، وذلك للتباهي ، والركوب على إنجازهما، لا شك أنكم تعرفتم على بطلي هذه القصة سفيان البقالي بطل العدو الأسطوري ، مدربه المقتدر الذي لا يقل عنه بطولة المحتر السيد كريم تلمساني .
هاتان القصتان إن دلتا على شيء فإنما تدلان – بلا “خوب خوب” و بلا “ديبشخي” وغيرها من العبارات التي يقصد بها رجل الشارع المغربي الوضوح والجلاء – على تعامل الجهات المسؤولة بـ”الفرزيات” مع ذوي الكفاءات الربانية العالية في انتقاء الرياضيين ، واستعمال “باك صاحبي” في تفضيل المسنودين من الأقل كفاء ودربة ، على الأبطال الحقيقيين غير المسنودين ، في مختلف الانتقائيات والاختيارات التي تقتصر في غالبيتها على المدن الرئيسية ، كرباط ، ودار البيضاء فقط، مع العلم أنه لو تم التنقيب بوطنية واحترافية بعيدة عن التحيز والزبونية ،-الذي هو واجب الجمعيات ودور الجامعات الرياضية- فلا شك أن العالم سيندهش مما تخفيه أكثر المدن تهميشا ، من الكفاءات العالية ، والطاقات الخارقة الجبارة ، التي منحها خالقها الكريم ، الصحة والعافية والذكاء والقدرة على ممارسة جميع أنواع الرياضات ، من المصارعة والسباحة والعدو والمارطون ورمي الأسطوانة والجيدو والدراجات والملاكمة والتايكواندو ، وإتقانها والفوز فيها ،لو هي وجدت بصيصا من الاهتمام بمواهبها وتبنيها ودعمها من قبل الجمعيات والجامعات الملكية للرياضات ، الأمر الذي هو من صلب اختصاصات رؤسائها ، ومن أهم واجباتهم نحو الرياضة المغربية ، التي كلفوا بإحداث ثورة رياضية بها ، تنفع الأجيال القادمة ، وتكون فرصة لأبطال أبناء الشعب المغربي غير المسنودين ، ليخرجوا ما جعباتهم ، ويعطوا أكلهم بإذن الله ، ويظهروا أنهم ليسوا أقل من أبطال بلدان الغرب عامة ، الأمر الذي برهنت عليه ثلة من الرياضيين المغاربة من ذوي الكفاءات العالية ، والذين أهملتهم الجامعات الملكية المغربية ، حقدا أو حسدا أو كراهية الله أعلم، فتخاطفتهم بعض بلدان الغرب فصاروا بها أبطالا يُفتخر بهم ، والذين منهم على سبيل المثال لا الحصر ،لكثر عددهم في حميع الميادين الرياضية: وليد خيار الذي تبنته فرنسا وأحرز باسمها ميدالية ذهبية في الجيدو، وأيوب غضفة الإدريسي العلوي الذي فاز باسم إسبانيا على فضية في الوزن الثقيل للملاكمة ، وسفيان أوميحا الذي تحصل على فضية في الوزن الخفيف للملاكمة بألوان فرنسا ، وشرين بوكيلي التي فازت بميدالية برونزية في الجيدو باسم فرنسا ، ونادية باتوكليلي التي حصلت على برونزية في سباق 5000 متر ، وفضية في سباق 10000 تحت راية إيطاليا ، وسارة الشعرى التي تحصلت على برونزية في التايكوادو بألوان بلجيكا؛
وغيرهم كثير من ذوي الكفاءات العالية التي لم تستثمر فيهم الجمعيات والجامعات الرياضية المغربية، وتم إهمالهم ، بل وحورب منهم من لم يكن له “ظهر يسنده”،كما يقول إخواننا المصريون.
فلا عجب إذن مع كل هذا وذاك ، وما خفي كان أعظم ، أن تنهال انتقادات الشارع المغربي على جل الجمعيات والجامعات الرياضية بسبب أدائها البئيس ، وتعاملها المهين للطاقات والإمكانيات التي تتوفر عليها المملكة والقادرة على تبويئ المغرب المكانة الأفضل مما بوأته المشاركة الضعيفة والمذلة في أولمبياد باريس24 التي صرفت على المشاركة فها من جيوب الغلابة ، ولا غرابة كذلك ، أن يعلق المواطنون آمالا كبيرة على ربط المسؤولية بالمحاسبة في مغرب اليوم ، يربطونها تلك الآمال بإرادة ملكية لتفعيل دور المؤسسات حسب ما جاء في دستور المملكة