صحيح أن الفوز والنجاح مذاقه لذيذ ، و يستهوي سحره النفس البشرية المحتاجة للفرح به ، والتي تعيش على أمله ، سواء في الرياضة أو في غيرها ، وكما يقول “كريتشلي “ان كرة القدم نوع من أنواع الأمل المتجدد، فهي لا تتعلق فقط بالفوز او الخسارة، لان الشيء الغريب في كرة القدم ليس الهزيمة:” إنه الأمل المهيج لمشاعر روح الفريق، والأخوة، والهدف المشترك الذي جدده الركراكي و”وليداتو” بشكل واسع في البلدان والدول العربية والافريقية، لتهييج مشاعر أكبر عدد ممكن منهم عبر منحهم صورة امتيازية عن الأحزان والأفراح المشتركة “التي قال فيها “البير كامي” والتي كان مساء أمس الأربعاء ، مصرح لها بامتياز ، حيت تسمر الرجال والنساء، الصغار والكبار، في المدرجات وأمام شاشات التلفزيون في انتظار فوز مغربي جديدة، يغسل وجه الكآبة العربية التي تربعت منذ عقود على وجدان عربي لم يعرف معنى الظفر، ولم يذق طعم النصر، في مجالات مختلفة.
لكن ،وأقبح بلفظة لكن،ما كادت صفارة الحكم ، تعلن نهاية مباراة المغرب فرنسا بفوز الأخير صفر- 2، معلنة نهاية رحلة فرحة معدية شبّت نيرانها المشتعلة في أعماق جماهير مشتاقة لحاضر أجمل ، متوثبة نحو مستقبل أفضل وأقدر على انتشالها من غدير القنوط والانكسار وتخمة الهزائم والإحباط ، وتاريخ مديد من الإذلال السياسي والسيطرة الاقتصادية والاحتقار الثقافي والهيمنة الكروية ، وبالدرجة الأولى في كؤوس العالم ، التي تربع الغرب على عروشها لعقود ،والتي تحدثت أفعال الركراكي في النسخة 22 منها عن حلم الانتصار فيها المدغدغة للمشاعر ، بصوت أعلى من الكلمات .
حتى خفقت القلوب في الصدور ، التي لم يقتصر ارتجافها على مدن وقرى المغرب، وامتدت إلى عواصم عربية وافريقية وأوروبية، للتعبير عن مدى امتنانهم للذين صبروا ورابطوا لخمس وعشرين يوما ، لتحقيق حلم وصول أول منتخب مغربي أمازيغي افريقي عربي، إلى نصف نهائي كأس العالم، الانجاز التاريخي والحلم الذي لم يكن المحتفلون به شبابا وحسب، حيث جرفت موجة الاحتفال كل الفئات العمرية ،الصغار والكبار والمسنين ، وحتى الذين لم يكن لهم اهتمام سابق بكرة القدم، وعلى رأسهم النساء اللاتي كسرت متابعتهن للمباريات بالمقاهي الشعبية الثقافة ذكورية التي لم تكن تعير الاهتمام لأي إنجاز نسائي ، وتحصره على الذكور فقط ، التحول الاجتماعي المهم لذي ظهر أيضا في التعامل الإنساني الذي جعل أمهات لاعبي المنتخب المغربي ومدربه ، مركزيات للغاية في التظاهرة ، كما في الصور التي وثقتها الكامرات وأزهرت في الصدور ، وتمكنت من حصد ملايين الاعجابات والتقدير.
تحياتي لأبناء الأطلس، الذين أكدوا أن النية عندما تزهر في القلوب ، فإنها تملأ الأفئدة برونق الإرادة، ونصوع الطموحات وتمكن من قهر العتاة، ودحض أوهام الذين ظنوا أنهم أسياد كرة القدم ، التي ليست مجرد رياضة، بقدر هي صراع إرادة ، لذلك يجب عاينا ألا نكون متأخرين عن الدرس و”نديرو النية” كما قال الميسترو الركركي في تصريح له للصحافة ، ونفرح كثيرا بالأهداف التي هزت شباك أقوى الفرق العالمية ولا نتوقف عن ترديد تلك الشعارات المستحدثة :”سير سير”و”” التي استخدمت لتشجيع الأسود وتحفيزهم على التهام خصومهم ، وتلك الأغنية الشهيرة : “مازال مازال “التي رددتها الجماهير في أعقاب كل انتصار، لارتباطها بالإنجازات العظيمة التي قدمها المنتخب الوطني المغربي ، ودمت يا أسودنا مصدر فخر واعتزاز.