براجماتية الإسلام السياسي.

 

الجديد بريسحميد طولست 

 ما أصعب أن يجد الإنسان نفسه مكبلة ، وحواسه مخنوقة ، وحريته مقيدة ، وأفكاره موصى عليها باسم دين محرف ، في الوقت الذي ما جاء الدين الإسلامي ببرامجه السماوية الراقية ومناهجه الربانية السامية المنحازة لقيم الحب والصدق والعدل والحق والأمانة والوفاء والجمال والإخاء والحرية والمساواة ، إلا للإرتفاع بالبشرية في مراقي كل ما هو خيّر وجميل ورحيم ومحقق للتوازنات الضرورية لترتيبها في مصاف المخلوقات المميزة المكرمة ، وإبعادها عن وحشية الحيوان ، ولتحيا حياة إنسانية متحضرة ، بعيدة عن التفاهة والسذاجة وتسطيح المجتمعات التي تسوق لها براجماتية الإسلام السياسي وطموحات التأسلم ومساومات المتأسلمين وصراعاتهم على السلطة ، التي أبت بكل تداخلاتها وتفرعاتها – السنية و الشيعية – إلا أن تؤدلج الدين الحنيف وتحوله إلى أيديولوجية سياسية نحت به منحىً مذهبيًا قزم البرنامج السماوي العالمي ، وأبعده عن دائرة اشتغاله الأساسية المنحصرة في تحقيق التوازنات الضرورية لتحقيق حياة أكثر استقرارا لعباد الله، ما حوّل الدين إلى خطابات سياسية طائفية ، تضرب قدرة الناس على التعايش مع أنفسهم ومع أمثالهم من البشر، تسوّق لها تنظيرات براجماتية الإسلام السياسي المروجة للتصورات اليوتوبية المستحضرة من الوهم الجمعي أو المجتمعي لخرافيات مشروع الخلافة الإسلامية ، البعيدة للغاية عن الواقع والمنطق السليم القويم ونتائج تجارب البشر، التي تحولت بسبب القراءات المغلوطة والمقصودة للتاريخ إلى الشعارات اكبيرة والأهداف اللامعة التي يصدقها السذج والجهلة ، وتؤمن بها الذهنية البدائية -التي لفظتها روح العصر- ويعتبرها الأغبياء النهج المستقيم الموعود ، الذي سيسود العالم ويتحكم في البشرية ، والذي يؤسلم رجال الدين من أجلها كل شيء ، ويلوون أعناق الآيات والأحاديث لإقناع الهبّل صدئيي العقول الهُبّل بصدقية وهمها، وإيهام المُغَيَّبَين الغائبين بأنها من صلب الدين ، الذي لا يتم الإيمان إلا بتبنيها ، ورهن النفس والفكر لتحقيقها ، والذي لا يتوانى تجار الدين عن توعد المشكيكين في امكانية قرب حدوثها على أرض الواقع ، بغضب الله وسطوة عذابه ، معززين زعمهم بأقوال غوغائية مجهولة المصدر ، ممهورة بتوقيع الله والرسل والأنبياء والملائكة والشيوخ وأباطرة الفتاوى المليئة بخطير عناصر التخدير الإثني والديني والطائفي ، الذي تُشحن بها أذهان وعقول البسطاء ، لتسهل تدحرجتها إلى هاوية التخلف والانبطاح ، والخضوع للتعاليم البالية والتفسيرات االجامدة الصادرة عمن يطلق عليهم السلف الصالح ، والتي تبعــد الناس عن دين الله الحق، وترمي بهم في أحظان وثنية هرائية مدلسة ، لتصنع من جهلهم المُغيَّب ، والمتخلفهم الأبلـَـه ، وإرهابيهم الداعشي ، وكل من لحست فتاوى التخلف عقولهم ، وسجن كلام شيوخه فكرهم ، وملأت أساطير الأولين أمخاخهم بكل ما تجاوزه التاريخ ، وكذبته الاكتشافات العلمية ، ورفضه المنطق ، وخالفه العلم والعقل والواقع ، وتحولهم إلى كائنات تفرح بإقصاء المخالف ، وتفتخر المغاير،على اعتبار أن تلك أوامر الله وعقوبة منه للقوم الكافرين ، والتي لا يستقيم الدين إلا بإنزالها بهم ، أطفالا كانوا أو نساء أو مسنين ، تقربا منه سبحانه.. أمام هذا التظليل العقائدي السافر، وتلك الغواية الدينية المفضوحة ، الزارعة للفتن والنّعرات بين الشعوب باسم الدين ، والتي يشعر معها المسلم الحق بالألم والأسى ، أتساءل ، كما غيري كثير، كيف لم يقم المسؤولون بتطبيق قانون الإرهاب على من يضلل الناس باستغلال الدين ، ويأمرهم بالإرتداد عن الحاضر والإنغماس في تخلف الماضي ، بدعوى العودة إلى السلف الصالح المعادي لكل انفتاح وتعدد وحوار وتفاوض وتعايش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *