الجديد بريس – حميد طولست
أحيانا اتساءل كيف يمكن ان يعيش الأمل ويزدهر الرجاء في عالم ما صفت الحياة فيه لأحد ، وما كانت يوما مرتعا للراحة والهناء والعيش المريح ، بقدر ما كانت مصدرا لألم النغص واليأس وتقلبات الأحوال ، الذي يتطلب الكثير من الصبر والجلد لخوض معتركاتها الوعرة ومآسيها القاسية التي لا يملك أكبر المتفائلين أمام جبروت مصائبها سوى التحسّر ، كما كان حال الباحث التنويري التجديدي المسلم المصري “المستشار عبده ماهر”، الذي لم يكن يوما من المداهنين ولا من أصحاب أنصاف المواقف ، المبتعد بنفسه عن نتانة النفاق وتلون السياسويين ، والذي انتهى به المطاف إلى السجن لخمس سنوات بتهمة ازدراء الأديان، في بلاد من بلاد المسلمين التي يدعو رئيسها لتجديد الخطاب الديني وحرية الاعتقاد ، ويسجن قضاتها -في تناقض واضح وصريح!!!!-كل من يعترض على ما ينافي العقل والعلم والمنطق ويعادي ثقافة الجمال والإبداع وحب الحياة ، كفتاوى رضاع الكبير وأكل لحم الأسير ، واعتبار الفن والرقص والموسيقى خطايا محرمة حرمة خروج المرأة من بيتها حتى لا تغوي الرجال ، وغيرها من الفتاوى الشاذة عن روح الإسلام والمزدرية لروحانيته ، والمشوهة لقيم الجمال ومعايير الخير والشر فيه، والقاتلة لأصحاب الفكروالتنوير. القضية/الفضيحة التي بقدر ما أحزنني فيها حبس المستشار أحمد عبده ماهر، بتهمة ازدراء الأديان -التهمة التي لو طبقت على رجال الدين والخطباء والدعاة ، لأدخلوا جميعهم السجون لازدرائهم للأديان والمذاهب الأخرى. وترويجهم للخرافات – بقدر ما رأيت فيها “محاكمته وحبسه” انهزاما لثقافة التخويف والتعنت والعداء لحرية التعبير ، تحت مسمى “ازدراء الأديان” التي هي في الواقع أكثر تعقيداً مما تبدو عليه من خلال تلك النظرة التسطيحية المزيفة للحقائق، ووجدت فيها الإنتصار الفعلي لثورة “تجديد الدين” التي تعالت الأصوات المطالبة بتهذيبه مما علق به من إنتاج بشري ، يداخله النقص والقصور عبر الممارسة التاريخية ، والارتقاء به لما يكسبه مقومات التكيُّف والتواءم مع متطلبات العصر ومستجداته المتلاحقة القادرة على التأسيس للحداثة الإسلامية ، كتلك التي نستحضرها من رؤية الفيلسوف المغربي الدكتور طه عبد الرحمن في كتابه “روح الحداثة” والتي يمكن البناء عليها في إحداث تجديد نوعي وإصلاح ديني جوهري ضروري لبناء الكيان الإسلامي القوي والمتحضر ، الذي كسر “المستشار عبده ماهر” من أجله تحقيقه ،كل قواعد الطاعة العمياء المرسخة للواقع الديني المريض، وظل يعري وهنه ، ويفضح مكامن الخلل المريعة فيه التي تعيق سير الأمة الإسلامية على درب النهضة والكرامة، وقال من أجله “لا” لجهالة الجهالين ، رغم أنه لا يملك درعا تقيه ضربات المستبدين، وتصد عنه ما قيد له وأمثاله من التنويريين ، من المعاول والفؤوس التي تترصد رؤس كل من يزرع شتلات النهضة و نبتات التحرر، وتتربص بأرواحهم، رغم أن فعله لم يخالف ما جاء في كتاب “تجديد الفكر الديني” من حث على : “إحياء وبعث ما اندرس من الدين، وتخليصه من البدع والمحدثات، وتنزيله على واقع الحياة ومستجداتها” ، الذي هو فعلا معركة وجود لا يجوز فيها ومعها الوقوف في منتصف الطريق بين معسكر الحرية ومعسكر محاكم التفتيش ، والذي لا يعتبر التأرجح بينهما خسارة فقط ، بل جريمة لا تغتفر ، لقتلها الأحلام والطموحات والأفكار ، وإغراقها للمتفائلين الطامحين في التغيير والتطوير في مستنقع اليأس الذي تطحن شراسته الأرواح وتدفع بها للإستسلام ، الذي يهدر مستقبل الإسلام والمسلمين، ويجعلهم يرون النور ظلاماً والظلام منارات يستهدون بها ، فتجعلهم كائنات تؤمن بأن الدين الحق هو في أن يكون المتدين واحدا من القطيع، يتخندق أينما أُريد له الشيوخ أن يصطف وراءهم، يصفق لمهازل إيديولوجياتهم المائتة ، ويهلل لشعارات تحزباتهم الباهتة ، الشيء الذي فشل في تحقيقه مع “المستشار ماهر” وأمثاله من الباحثين المجديدين إسلام البحيري، والشيخ الأزهري محمد عبدالله نصر، وفاطمة نعوت -الكاتبة والمترجمة التي تم الحكم عليها ولكنها لم تُسجن ولله الحمد- الذين ولم يفلح الجهل في ثنيهم عن قناعاتهم المتجذرة ، وثبوتهم على العقيدة ، وعضهم عليها بالنواجذ ، ورفضهم الاستسلام لخواء الجهلة والخضوع للاستفزازهم الواهي ، السبب الحقيقي في محاكمتهم وحبسهم ، وليس ادعاء “ازدراء الأديان” ، فهنيئا لهم بإيمانهم القوي، وعظمتهم، وكرامتهم، وسيادتهم ،وزعامتهم، وكما يقال: المعدن الأصيل لا يصدأ أبدا ..