” تمدرس الفتاة القروية بين المكتسبات وتحديات القيم الذكورية” عنوان مائدة مستديرة بفاس

نظم مركز المغرب الأقصى للتنمية مساء يوم السبت 15 أكتوبر 2022 بدار الشباب البطحاء  بفاس مائدة مستديرة تحت عنوان: ” تمدرس الفتاة القروية بين المكتسبات وتحديات القيم الذكورية” وذلك بمناسبة اليوم الوطني للمرأة، وقد تضمنت هذه المائدة مداخلتين حول محورين أساسيين حيث تطرق الأستاذ المتدخل يونس الحكيم إطار الدعم الاجتماعي بالثانوية الإعدادية عين الله جماعة سبع رواضي إقليم مولاي يعقوب في المداخلة الأولى إلى محور ” تمدرس الفتاة القروية … المعيقات ورهانات المستقبل” مركزا في مداخلته على  أن  التعليم حق من حقوق الانسان وهو في الوقت نفسه وسيلة لا غنى عنها لإعمال حقوق الانسان الأخرى، والحق في التعليم بوصفه (حق تمكيني) هو الأداة الرئيسية والوسيلة التي يمكن من خلالها للمقصين اجتماعيا و اقتصاديا  من أجل الانخراط في ديناميات وصيرورة الحياة الاجتماعية، وهو الحق الذي نصت عليه مختلف المواثيق الدولية والقوانين الوطنية على قدم المساواة بين المرأة والرجل.

مشيرا إلى أن الهدر المدرسي آفة تساءل مختلف شرائح المجتمع ومؤسسات الدولة (حكومة، برلمان، جماعات ترابية ومجتمع مدني) إن الظاهرة تنتشر بشكل أكبر في صفوف الإناث بالوسط القروي حيث بلغت في التعليم الابتدائي من 2,9% سنة 2018-2019 إلى 2,1% سنة 2021، وفي التعليم الثانوي والاعدادي بلغت النسبة من 9,6% ما بين سنة 2018-2019 إلى 5,2% سنة 2021.

كما أشار إلى مجموعة من معيقات تمدرس الفتاة القروية كغياب الأمن في محيط المؤسسات التعليمية، وعجز الأباء عن تحمل مصاريف الدراسة لمجموعة من الأطفال في آن واحد فيضطرون إلى الاختيار والذي يكون غالبا على حساب الفتيات، مؤكد على أن هناك بعض الآباء يعتبرون تعليم الفتاة أمرا يحدث اضطرابا في تماسك المجتمع القروي الشيء الذي لا ينسجم مع قيم الأنوثة وخصوصياتها، ومن أبرز المعيقات الزواج المبكر والتفكك الأسري.

كما تطرق في مداخلته إلى رهانات المستقبل والتي ربطها المتدخل بأنه يجب على مختلف الشركاء وضع مخططات اصلاح التعليم ببلادنا ان يأخذوا بعين الاعتبار العامل المجالي وطبيعة العالم القروي واكراهاته، حتى يتسنى تجاوز هذه الاشكالات التي تعمق أزمة تعليم الفتاة بالوسط القروي المركبة في إطار برنامج تقليص الفوارق المجالية، وقبل هذا كله يجب النهوض بتنمية العالم القروي تنمية شاملة في جميع المجالات.

وقد اكدت الأستاذة إيمان مبروكي أخصائية نفسية إكلينيكية متصرفة تربوية في المداخلة الثانية حول محور ” سلطة القيم الذكورية وتأثيرها على تمدرس الفتاة في العالم القروي” إلا ان تعليم الفتاة القروية يسجل أبرز مستويات الهدر الذي تشكو منه المنظومة التعليمية المغربية وغيرها من الدول النامية، لأنها الضحية الأولى التي تدفع ثمن كلفة تمدرس معاق ثقافيا واقتصاديا وسياسيا أيضا، لذلك اخترنا أن نقف عنده بغاية كشف التصورات الثقافية الثانوية والصريحة اتجاه تمدرسها، وفهم طبيعة العلاقة التي يقيمها الفرد القروي باسم العادات والتقاليد والقيم مع المدرسة، في سياق ثقافي يفصل بين الجنسين وينتصر للقيم الأبوية والذكورية، التي تختزل حقوق الأنثى في دائرة ضيقة، حيث  التمييز ضد النساء بناء على جنسهن ونوعهن الاجتماعي كما تنتشر فكرة وجود أدوار مجتمعية محددة للنساء وأفكار نمطية عنهن في هذه المجتمعات، وهي توفر امتيازات اجتماعية غير مستحقة للرجال بناء فقط على نوعهم الاجتماعي،  وتنبع هذه الامتيازات من الإيمان بتفوق أصيل لجنس على الآخر، ومن ثم حقه في السيادة، وهو عادة ما يكون الرجل في هذه المجتمعات.

مبرزة في مداخلتها إلى الأنثى في مخيال المجتمع المغربي من خلال تقسيم الأشياء والأدوار الماثلة أمامنا والمتمثلة في أن الذكر إطار يؤطر الانثى، و بما أن الأنثى: محتوى للإطار الذكوري في بنية الثقافة العربية / المغربية، فإن المحتوى في شروط المعرفة الكوسمولوجية / الكونية يتغير، بتغير حجم الإطار، وهذا ما يفسر لنا فكرة الخضوع الذي تقوم به الأنثى اتجاه الذكر المغربي خصوصا في المجال القروي او البيئة الأقل تحضرا.

مشيرة إلى هذا المجتمع ينتج بيئة ومناخا متسامحين مع جرائم قائمة على النوع الاجتماعي، مثل التحرش الجنسي، والاغتصاب، وأشكال أخرى من العنف الجنسي والجسدي والنفسي ضد المرأة، وحتى ضد بعض الرجال الذين لا يلتزمون بمقاييس ومعايير المجتمع التي وضعها للرجل.

كما ينتج توعا من خضوع الأنثى والانسياق اللاشعوري للذكر وتقديس أفكاره وتعليماته حتى لو كانت خاطئة، فالمجال القروي بعوائقه وأعطابه الكثيرة، ظل يحول دون تشجيع الفتاة على التعلم ويدفع الآباء في حالات كثيرة إلى سحب بناتهن مبكرا من المدارس، كما يساهم الفقر واضطراب العائدات المادية للأسر، في تعميق منطق الأفضلية لصالح الطفل الذكر وإقصاء الأنثى من التعليم، لتجد هذه الأخيرة مكانها داخل الأعمال المنزلية أو القروية خارج البيت؛ فالفتاة القروية، لا زالت وفقا للتصورات الثقافية السائدة، ينظر إليها كيد عاملة حيوية لا يمكن الاستغناء عنها سواء بالحقل أو بالبيت، وهو ما يدفع الآباء إلى عدم إرسال بناتهم إلى المدارس، لأنهم بذلك سيفقدون قوة عاملة مهمة كان بإمكانهم استثمارها، ومن جهة أخرى، تتدخل لعبة القيم الذكورية الوفية للمنطق الأبوي الصارم، في سحب الفتاة من الدراسة بدعوى أن مصيرها الآمن هو الزواج، أما تعليمها فيعد مشروعا اقتصاديا فاشلا مادام وضعها الطبيعي وفقا للثقافة السائدة هو ببيت الزوج ورفقة الأبناء، ومهمتها الأساسية هي الإنجاب ورعاية النشأ.

فالواضح إذن، أن هذه التحفظات والممانعات، لا يمكن فصلها عن منطق اجتماعي ذكوري ينطلق من المركزية القضيبية للرجل ويجد في مفاهيم الشرف وسمعة العائلة والعار، ذرائعيته السافرة، غير أن هذه القيم الذرائعية سرعان ما تشي بضعفها أمام مفارقات كثيرة، لما نجد أن الأب نفسه الذي لا يسمح لابنته بالتمدرس خوفا عليها من مغادرة البيت، هو من سيلزمها برعي الماشية وحيدة، وبعيدا عن مساكن الدوار!، كما نقف على أوجه من هذه المفارقة الصارخة، من

خلال ظاهرة أضحت تعرف انتشارا ملموسا، وهي إرسال فتيات قرويات حديثات السن إلى المدن للعمل كخادمات بالبيوت مقابل أجور زهيدة، قياسا إلى حجم الجهد والأعباء التي تناط بهن، في هدر بين لحقوقهن كأطفال وحرمانهن من اللعب والتمدرس على غرار أترابهن في أوساط اجتماعية أخرى، مؤكدة المتدخلة أن الأمر يتعلق بنوع من الارتزاق تدفع ثمنه طفولة وأجساد فتيات قرويات يتم حملهن على مغادرة الدوار وسنهن لم يتجاوز بعد خمس أو ست سنوات، فيتعرضن لأسوء المعاملات من قبل مشغليهن بدءا من العنف الجسدي واللفظي إلى التحرش والاغتصاب، ليصبحن بعد ذلك فريسة سهلة لشبكات الدعارة، قسرا أو تغريرا أو هروبا من مواجهة الأسر بالعار والفضيحة، في حين أن مكانهم الطبيعي هو مقاعد المؤسسة.

خاتمة مداخلتها بأنه ينبغي إيجاد حلول ملموسة وعميقة وفق مقاربة تشاركية وشمولية تستلزم استحضار كل من البعد السيكولوجي والاقتصادي والاجتماعي.

كما عرفت المائدة المستديرة تقديم شهادة حية لطالبتين من العالم القروي والتي أكدا فيها على مجموعة من الصعوبات والمعيقات التي اعترضت تمدرسهما منها ماهو متعلق بالبنيات التحتية لقريتهما وما هو متعلق بالقيم والعادات والتقاليد، وبالرغم من كل تلك الصعوبات والمعيقات استطعنا بتحديهما لتلك الإكراهات الولوج إلى التعليم العالي. 

وقد أدار هذه المائدة المستديرة باقتدار الأستاذ محمد امجهد رئيس المرصد الجهوي للحق في المعلومة وأمين مال مركز المغرب الأقصى للتنمية  .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *