“تمغربيت”

 بقلم : حميد طولست
خلال زيارتي الأخيرة لبلاد الكنانة مصر ، وفي لقاء ودي مع ثلة من الأهل والمعارف المصريين ، طرح علي السؤال التالي : ما هي “تمغربيت”؟ فقلت دون تردد ، هي مجمل أشكال السلوكيات والممارسات الإيجابية ، الدينية منها والعلمانية ، المبنية على القيم الأخلاقية والقناعات الفكرية والمواطنة الإيجابية والهوية المواطِنة والمواقف السياسية ، التي تميز المجتمع المغربي عن باقي المجتمعات ، بما فيها تلك التي تشاركه الكثير من العناصر الثقافية والجغرافية والتاريخية ، والتي لا تستطيع لا العولمة و لا التحولات الجيوستراتيجية التي حولت العالم إلى غابة يلتهم أقوياؤها ضعافها ، أن تعبث أو تشوه النمط الثقافي المغربي والاستثنائية الوطنية المغربية،التي يُرمز إليها بـ”تمغربيت” والقائمة على احترام الآخر ، وتقوية الروابط الاجتماعية والأسرية ، وترسيخ العيش المشترك، المبنية على السلوك المثالي والقدوة المتجسدة في روح مسؤولية الآباء والأمهات والمربين – معلمين وأساتذة- ومختلف المرافق التربوية المباشرة وغير المباشرة المساهمة في تنشئة الأجيال ، كالإعلام ودور العبادة والأندية الثقافية والجمعيات الاجتماعية والرياضية المنفتحة بذكاء على العالم والمعززة للعيش المشترك الوطني وتدبيره حسب القناعات الفكرية والمواقف السياسية المرتكزة على النقد العقلي التنويري المتحرر من الانتماءات الهوياتية الطائفية والتصنيفات الأيديولوجية المذهبية التي يجسدها الإنسان في شتى مجالات الحياة . “تمغربيت” هي مجمل ما يتحلّى به الإنسان المغربي -بنسختيه الدينية والعلمانية – من الأخلاق الفاضلة ، التي تميزه عن باقي البشر ، كخلق الاحترام الذي جعله سلوكا وطقساً وعادةً ومبدأ لحياته ، والذي على رأسه بر الأبناء لآبائهم واحترام الآباء لأبنائهم – والذي نجح لاعبو المنتخب المغربي لكرة القدم في إظهار مفاهيمه الإنسانية الرائعة أمام ملايين المتفرجين ، ولاسيما الشباب، حيث ستبقى صور أشرف حكيمي وسفيان بوفال مع والدة كل منهما رمزاً إنسانيا رائعاً لوفاء الابناء، وقيمة الأمومة الذي سوق له في مونديال قطر – إلى جانب احترام جميع خلق الله ، بصرف النظر عن موقعهم وأعمارهم وعلاقاتهم الاجتماعية والوظيفية، كاحترام التلاميذ لمعلميهم والمدرسين لتلاميذهم ،واحترام الموظفين لرؤسائهم، والرؤساء لمرؤوسيهم ، والتعامل معهم جميعهم بما يتصف به من سماحة الطبع وجبر الخواطر والإنتصار للمواطنة والافتخار بها ، والتي لا ولن تلغي أبدا سلوك التعايش الساعي لبناء المشاريع المجتمعية المعززة للعيش في المشترك الوطني وتأمينه وتحصينه، سواء تعلق الأمر بالمجال أو الموارد أو العلاقات المشتركة التي أنبتت “تمغربيت”هذه الهوية الفريدة المغربية التي لا تعادي من يختلف معها على مستوى العقيدة ، ولا تصنف من يقاسمها الأرض ولا تفضل بعضهم على بعض ، لا جنسيا ولا عرقيا ولا عقديا ، لأنها اختلاف أمازيغي خالص ، لا يمكن لأي كان استنساخه أو قرصنته ، لأنه نابع من مشيئة الله وتلاقح الإنسانيات . حسبت واضعوا السؤال اقتنعوا بسردي لما تحمله عبارة “تمغربيت” من معاني الخصوصية المغربية ، وما تحيل إليه من دلالات الاختلاف والتنوع ، لكنهم فاجؤوني بسؤال آخر هو: ما موقف المرأة المغربية من “تمغربيت” ؟ السؤال الذي لم تأتي المفاجأة من غرابته ، لبداهته ، لكنها جاءت من كوني ما كنت انتظر منهم سؤالا يميز بين الرجل والمرأة في تأثير “تمغربيت” في الإنسان المغربي عامة ، حيث كنت أتوقع منهم أن يسألوني عن أصل عبارة “تمغربيت” التي هي كلمة أمازيغية منحدرة من كلمة “المغرب” الاسم الرسمي للمملكة المغربية ، التي تمت تمزغتها بإضافة تاء التأنيث في مقدمتها وآخرها لتنطق “تمغربيت” التي تحيل ،في المتخيل الجمعي ، على نمط حياة متميزة ومنظور خاص للعالم وطريقة معينة في التسيير والتدبير والتأقلم مع السياقات المختلفة والمتغيرات المجتمعية ، التي تميز المغاربة عن غيرهم – كما سبق أن ذكرت في بداية المقالة- بسعيهم في أن تكون بلادهم ،إقليميا وجهويا ودوليا ، أكثر تنافسية مقارنة مع باقي الدول الصاعدة ، رغم تكالب أعداء الوحدة الترابية وعملهم على فرملة التقدم الحاصل أو التشويش على المكتسبات التي راكمها المغرب وكانت روافع مساعدة في تحقيق نهضته ورفاه مواطنيه.. بعد هذا التعريف الموجز جدا عن “تمغربيت” والشرح المقتضب للأصل العبارة الذي لم يطلب مني تبيانه، سأحاول الإجابة عن السؤال المطروح حول تأثير “تمغربيت” على المرأة المغربية ، الضارب مساره في تاريخ تطور حالة المرأة المغربية ، كحاجة مجتمعية ، والتي ربما هي أكثر تشبعا بها ، ثقافيا واجتماعيا ونفسيا من الرجل ، السؤال الغير السهل كما يُعتقد ،في ظل الانطباعات والصور النمطية التي يحملها العالم أجمع، شرقاً وغرباً، عن حال المرأة المغربية – والذي تفنده العديد من الوقائع التاريخية ، كالحدث الذي تابعه العالم أجمع المتمثل في خروج المرأة المغربية لمقاهي وشوارع كافة المدن المغربية للاحتفال بفوز المنتخب الوطني لبلدها ، والذي تحدثت عنه كثيرا الأدبيات الثقافية والتاريخية والسياسية . ـــــ وما يصعب الإجابة عن مثل هذا سؤال وبدقة ، هو وجوب المقارنة والمفاضلة بين المرأة المغربية وبين نظيراتها العربية والكشف عن الفوارق والمفارقات العديدة التي تفضح سر تفوق المغربية عليهن ، والذي لم يعد لغزا محيرا، و يعود في جوهره إلى ما اشتهرت به من جمال أخاذ وأنوثة طاغية ،إضافة إلى تشربته من قيم”تمغربيت” من أمها وجدتها واقعا وثقافة وفكرا ، وتعلمته منهما المتمثل في أن تكون شعلة نشاط في بيتها ، تحترق من أجل أن تجعل منه رقعة كبيرة من السعادة بكل أبعادها ، والتي لا تعلو فيها إلا كلمة زوجها ، الذي تركزت تربيتها على أن تكون له لديها المكانة الأسمى ، والأولوية الدائمة، مقدما حتى على أبيها وأمها و أبنائها، على اعتبار أنه كل ما لديها – الأمر الذي أغرى الرجل الخليجي والعربي عموما بجميع مستوياته باتخاذ المغربية زوجة له، وتفضيلها عن غيرها من نساء بلدانهم لجمالها وطيبتها ودينها واحترامها وثقافتها وأناقتها وتألقها وتجددها الدائم على مدى الأزمان ،والذي تبقى “تمغربيت” في الأول والأخير السبب الرئيسي في كل ذلك. وفي الختام أشرت على من يريد من واضعي السئلة حول “تمغربيت” والتعمق فيها ،بالإطلاع على كتاب “تمغربيت” لسعيد بنيس، أستاذ التعليم العالي والباحث في العلوم الاجتماعية بجامعة محمد الخامس الرباط ، أو كتيب “تكتل تمغربيت للإلتقائيات المواطنة”الذي أعده الأستاذ عبد الله حتوس، مع فريق عمل من أعضاء المجلس الوطني لجمعية “تاضا تمغربيت” كتصور أو برنامج للجمعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *