حميد طولست
الدين بشكل عام هو مجموعة من الشعائر المتصلة بعقيدة معينة في مجال تحديد صلة الإنسان الروحية بخالقه ، والدين الإسلامي تميز عن غيره من الأديان في هذا المجال بأنه لم يكتفي بتحديد صلة الإنسان بربه وحسب، بل تعدى ذلك إلى تحديد صلته بنفسه وبأمثاله وكل ما حوله من الحيوانات والأشياء، لعلمه بأن العلاقات العامة بين الناس عندما تفتقر إلى وسيلة التواصل، تتحول إلى أسلاك شائكة تعيق التواصل الإنساني داخل المجتمع الواحد فتفسده، وعلى ذلك، فإنه لم يشرع أمرا إلا إذا كان له تأثير بالغ ومباشر على حياة الإنسان، صحته، عبادته، سلوكه، وغيرها مما يؤثر في الحياة الاجتماعية العامة سلباً أو إيجاباً. ومن بينها وسائل وثقنيات التواصل المؤثرة في الناس التي فرضها الإسلام كشعار له ودليل عليه، سنة إفشاء السلام، لما تشيعه بين الناس من الرحمة والحب والمودة والتعارف.
لكن الواقع شيء والمرتجى شيء آخر، فإذا نحن تأملنا مليا في حال المسلمين وأحوالهم، لوجدنا تقصيرهم في ذلك ظاهر وبين ، وأن الذين يفشون السلام أصبحوا أقلية قليلة جدا والأكثرية هم في تجاهل مستمر وكثيف لسنة إفشاء السلام وواجب رده..!! وقد يمكن تفهم أن يغفل بعض العامة هذه السنة وذلك الواجب الديني ، لكن الذي لا يمكن أن يُفهم أو يُقبل ، ويحز في النفس السوية، هو أن يحدث ذلك من طرف من يدّعون التدين ويدركون أكثر من غيرهم البعد الأخلاقي للإسلام، ليس في مجتمعنا المغربي وحسب، بل وفي جل المجتمعات العربية والإسلامية، حيث الناس أشد تجاهلا وإعراضا عن خصلة إفشاء السلام ورده، وهم على علم ودراية بغايات تلك السنة الحميدة، وأدراهم بما يجلبه نشر السلام، وإظهاره، والإكثار منه، من محبَّة ومودة وما يشيعه من تقدير واحترام ومحبة بين النَّاس.
ومن أغرب الظواهر التي وقفت وأقف عليها كلما انتقلت إلى الضفة الأخرى في سفرية سياحية، شيوع عادة “إفشاء السلام” وعلى نطاق واسع في المجتمعات الغربية التي ينعتها الكثيرون، على أنها مجتمعات مادية لا روحانية وبلا إيمان ، مقابل شرق كله روح وقلب وإيمان، في مفارقة معقدة ومتناقضة، مضحكة مبكية معاً، حيث نجد أن السلام والتحية عند الغربيين هي عادة متجذرة في سلوكياتهم المجتمعية ، كالابتسامة والبشاشة وطلاقة الوجه الصادقة ، التي يفاجئك بها المتجولون والمتسوقون والسياح والواقفون والجالسون في كل مكان ومن أي مكان، ويتسابق الذين يعرفونك والذين لا يعرفونك لإلقاء التحايا لكل من صادفوه ، كما أمر الله سبحانه وتعالى بذلك.
ـ قد يقول قائل إن الصدفة هي التي جعلتهم يتخلقون بذلك الخلق المتميز، لكن حقيقة الأمر يرجع لأسباب شتى أهمها التنشئة الاجتماعية على الذوق العام الذي تلقوه مند ولادتهم على شكل ثقافة إنسانية واكتسبوه على شكل عادات وتقاليد وقيم عبر مئات سنوات العمل والتطور الذي عرفته مجتمعاتهم ، سواء في الأسرة أو المدرسة أو الحي وباقي المؤسسات الاجتماعية الأخرى التي كونت لديهم ما يمكن أن يُطلق عليها أسم (الذوق الاجتماعية) ، إلى جانب استعدادهم الفطري المسبق ورغبهم في اكتساب الصفات الإنسانية السمحة وحسهم الشمولي بضرورة التواصل والاختلاط بالآخرين..
فكم هي حاجتنا كبيرة وملحة جدا، لتعامل الإنسان المسلم مع الآخرين المختلفين معه لونا و معتقدا و المشتركين معه في محنة الوجود ومصير الحياة، بأساليب إنسانية بحتة وواعية وراقية ومتقدمة نابعة من وعي قادر على الحكم على الأمور وتقديرها تقديراً صحيحاً يجعل مجتمعاتنا تصح وتتخلص من الكثير من سلبياتها، من أجل ذلك لابد من المبادرة وعدم انتظار الظروف التي لن تخلق ذاك الإنسان المثالي ، والعمل المسهم في إيجادها تلك الظروف، والاستباق إليها قدر المستطاع، انطلاقاً من قوله تعالى (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)الرعد11.