جيوسياسية الطرح الأطلسي كمحور تحرك للمغرب نحو افريقيا

 

بقلم الباحث في ماستر القانون الدولي والترافع الديبلوماسي: عبد المنعم زبار

تستخدم الجغرافيا السياسية في الوقت الحاضر على نطاق واسع كمرادف للسياسة الدوليّة، وتُعد دراسة العوامل الجغرافيّة في السياسة العالمية والعلاقات بين الدول المفهوم الحضاري للجغرافيا السياسيّة، حيث أصبح هذا المصطلح يُستخدم بطريقة أكثر شمولية فأصبح يصف العلاقات الاستراتيجيّة الإقليميّة، كما في الجغرافيا السياسيّة لبحر الصين الجنوبي. على الرغم من التركيز بشكل كبير على العوامل الجغرافيّة مثل الموقع والموارد وإمكانية الوصول، إلا أن هناك العديد من المتغيرات والاختلافات التي طرأت على هذا المصطلح وذلك بسبب التغيرات التي حدثت عبر التاريخ، فكانت هذه الجغرافيا السياسيّة موجهة نحو إعلام ومساعدة الحكم بين القوى الإمبرياليّة الأوروبيّة والولايات المتحدة الأمريكيّة، من خلال دمج أفكار التنافس القومي الدائم والحاجة إلى توسع الدولة والحتمية البيئيّة والأفكار العنصريّة حول الحضارات.

يطمح المغرب، بحكم موقعه الاستراتيجي، لأن يكون حلقة وصل بين ضفتي الأطلسي من أجل تعزيز المواجهة الجماعية للتحديات التي تواجه البلدان الإفريقية عموما، والأطلسية على الخصوص، لاسيما في ظل ضعف القاعدة الاقتصادية لبعض بلدان القارة وعدم استقرارها، ما يفاقم مخاطر الإرهاب والمجموعات المسلحة الانفصالية والإرهابية والتهريب العابر للحدود.

بتفحص المجال الجغرافي والسكاني والثقافي للعمق الاستراتيجي الإفريقي للمغرب نجده

يمتد على مساحة جغرافية عميقة من الواجهة الأطلسية إلى البحر الأحمر، ويبلغ إجمالي مساحة بلدانه ما يقرب من 7.5 ملايين كلم مربع أي أكثر من مساحة فرنسا عشر مرات، بينما يبلغ عدد سكانه حوالي 124 مليونا من الأنفس حسب آخر التقديرات ،إذا يتعلق الأمر بعمق جغرافي وسكاني واسع جدا.

وبالنسبة إلى البعد السكاني، تجب الإشارة إلى حقيقة وجود تداخل سكاني قديم بين المغرب ومناطق عدة من بلدان هذا العمق الاستراتيجي، إذ إن نسبة معتبرة من سكان المغرب يعودون إلى أصول إفريقية زنجية وأمازيغية من منطقة الصحراء الكبرى (موريتانيا ومالي والنيجر) ومن جنوبها (السنغال وغينيا)،

وبالمقابل توجد امتدادات سكانية قبلية من أصول مغربية عربية استوطنت مالي والنيجر منذ قرون، ولعل من أبرزها قبيلة الكونتيين وقبائل الأشراف السوقيين (قبيلة كلّ السوق) الذين ينحدرون من سلالة الأدارسة وكلاهما عرفت بأدوارها في نشر العلوم الدينية، وبحكم عيش هذه الأخيرة مع الطوارق فقد اندمجوا معهم وصاروا محسوبين من قبائلهم. ومن مؤشرات هذا التمازج استخدام المولى إسماعيل في أواخر القرن السابع عشر الميلادي جيش البخاري لتأسيس قوة عسكرية من الزنوج مهابة الجانب لضبط الأوضاع الداخلية.

تعيش القارة السمراء على وقع تحولات كبرى ومصيرية، تمس مختلف الأبعاد الجغرافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية والبيئية والثقافية، كما تواجه إشكالات عميقة وبنيوية، تفاقمها التغيرات المناخية وأزمة الغذاء،

فرضت المبادرة الأطلسية التي أطلقها  الملك محمد السادس  إيقاعا بمعايير متناسقة اتخذت أبعادا شمولية تمازجت فيها الرؤية الإستراتيجية، والرغبة الصادقة في نفض غبار الصحراء عن عدد كبير من الدول الأفريقية، وخاصة منها تلك التي ليس لها منفذ بحري.

وتهدف هذه المبادرة التي استأثرت ببالغ الاهتمام الداخلي والدولي خاصة ، إلى فتح الباب على مصراعيه أمام شراكات متعددة، تُوفر أرضية للتكامل الاقتصادي الأفريقي، عبر فك عزلة دول الساحل والصحراء (بوركينا فاسو والنيجر وتشاد ومالي)، من خلال تمكينها من منفذ بحري هي أحوج ما تكون إليه في هذه المرحلة. ان المبادرة الأطلسية تجمع بين ثنائية التنمية والاستثمار عبر  تثمين الرأسمال البشري واستغلال الموارد الثروات الطبيعية من أجل تحقيق نهضة تنموية تنقل  الدول الإفريقية من ويلات التخلف والفقر والتشرذم إلى مصاف الدول الصاعدة.

إطار أطلسي بقيادة مغربية اخر يقود المغرب مبادرة لإنشاء إطار مؤسسي يجمع الدول الإفريقية الأطلسية بقيادة مغربية، مشروع خط الأنابيب نيجيريا-المغرب  مشروع إستراتيجي ويشجع على اندماج بين منطقتي شمال وغرب أفريقيا، فضلا عن تحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة، وتسريع وتيرة إنجاز مشاريع مد الكهرباء، وتطوير أنشطة اقتصادية وصناعية؛ إذ أن هذا المشروع سيمثل رافعة استراتيجية للاندماج الإقليمي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب إفريقيا، وهو ما دفع دولاً إفريقية للانضمام لهذا المشروع كان آخرها: ليبيريا وبنين وساحل العاج وغينيا في يونيو 2023، وقبل ذلك أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيداو” توقيع مُذكرة تفاهم مع المغرب ونيجيريا؛ لتأكيد الالتزام المشترك بتنفيذ المشروع، وقبلها انضمت كل من موريتانيا والسنغال، وتهدف المغرب من هذه المبادرة لتعزيز دورها في سوق الطاقة؛ من خلال فتح أسواق جديدة للغاز في غرب إفريقيا، والتحول لمركز إقليمي لنقل الغاز الإفريقي إلى أوروبا؛ ومن ثم تعزيز مكاسبها الاقتصادية، المغرب، بحكم موقعه الجغرافي، ورؤيته الاستشرافية، فرض نفسه كلاعب رئيسي في مجال الطاقة الذي لا يشك أحد في أنه عرف انقلابات جذرية، فقد ساهمت الجرب الاكرانية الروسية في إبراز مكانة المحور الأطلسي وثقله في ضل النظام الدولي المتسم بالاضطراب والتغيرات، المغرب، بحكم موقعه الجغرافي، ورؤيته الاستشرافية، فرض نفسه كلاعب رئيسي في مجال الطاقة الذي لا يشك أحد في أنه سيعرف انقلابات جذرية من خلال مبادرة أنبوب الغاز نيجيريا المغرب، فالمغرب اليوم، وهو يفكر في حل معضلة الطاقة محليا، يقدم في نفس الوقت مشروع حل لنفس الإشكالية لدى شركائه في الاتحاد الأوروبي.

إن السياسة الجديدة والديناميكية المتجددة للمغرب على المستوى الإفريقي تفرض علينا الوقوف مليا عند هذا التحرك المغربي الكبير على الواجهة الإفريقية، فالانتقال من الإستراتيجية المعتمدة على ثنائية ‘التركيز على قضايا الداخل-الدفاع والتقوقع أمام قضايا الخارج”، إلى الإستراتيجية المعتمدة على ثنائية “الدفاع وتدبير قضايا الداخل- التركيز والهجوم في القضايا المرتبطة بالخارج هو استيقاظ وفهم وادراك من المغرب لأهمية الجيوسياسية ودورها في إحداث الفارق.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *