خلال الأيام الماضية أُثيرت مناوشات “فيسبوكية” حادة بين خبير التغذية الدكتور محمد الفايد – لست بصدد الدفاع عنه هنا -وبين عدد من مستخدمي “الفايس” الباحثين عن “الترند” الصاعد المحقق للشهرة والدولار ، الذين يضحون من أجله بالكرامة والمبادئ ، الأمر العادي والمألوف لدى الذين يحبون أن تأتي الأمور على هواهم، ولا يريدون لأي شيء أن يتعارض مع مصالحهم ، لكن الغريب حقا في هذه المناوشات ، هو اتخاذ الفقهاء والشيوخ والدعاة، والكثير من أتباعهم المغيبين “اللي تابعين جيلالة بالنافخ” ، طرح “الفايد” بشكل شخصي ، وكأنه مسّ شيئاً بدواخلهم ، فدفع بهم إلى رفع سقف المناوشات إلى حد التنمر والتجريح وتوجيه الأحكام والصفات والتعليقات الساخرة من “الفايد” وطرحه ، الذي لا يعدو غير فكرة أو رأي في موضوع عادي جدا ، ومتداولة كثيرا في النقاشات اليومية لعوام الناس قبل مثقفيهم ، و ليس إلا مجرد وجهة نظر لا تثير حفيظة أي جهة من الجهات ، ولا تستحق كل ما بُني عليها من مناوشات أُلبست ظلما رداء الدفاع عن الدين.
لست ضد المناقشات حول أي موضوع ، ولا ضد الاختلاف فيها ، وأحبذ أن يكون النقاش حاضراً في سلوكياتنا وفي كل الأمور وجميع المواضيع التي تخص حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية ، ويتمكن الجميع ،بما فيهم الفقهاء والشيوخ والدعاة ،المشاركة فيها بالرد والتعليق عليها ،لكن بالطريقة التي أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم إتباعها في مجادلة الأغيار، بقوله سبحانه وتعالى : “ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ” النحل 125 ، الطريقة المثلى في تناول المواضيع بالنقاش المثمر الذي يصل به إلى فكرة شاملة عن أي الطروح التي تخدم أوضاع وأحوال المجتمع ، دون تعدٍ لحدود اللباقة في تصنيف الأشخاص وعلى طروحاتهم ، و الحكم عليها وعليهم، بالخطاب الموزونة، والأسلوب المناسب المتسم بالحكمة واللباقة وحسن الكلام والبعد عن التحريض على الكراهية والتكفير، السلوك الذي ليس بغريبة على مرتزقة وسائل التواصل الاجتماعي ، والذي لا يليق بهيئة أو رابطة الشيوخ والفقهاء والدعاة التي يفترض فيها أن تكون قدوة ونبراسا يستنار به، بما تقيمه من مناظرات وجدالات فيما يخفى على الناس من دينهم، بالرفق واللين وحسن خطاب ،والوجه الحسن –إن وجد- امتثالا لقوله سبحانه وتعالى: “وجادلهم بالتي هي أحسن” بدل إصدار البيانات المجيشة للأنصار من المنخرطين والأتباع وكل الذين يدعون جزافأ بأنهم دائما على حق ، وأنهم وجه الحق و الحقيقة دون غيرهم من خلق الله، للرد على الدكتور الفايد- الذي لا اتفق مع الكثير من آرائه – بدعوى أنه خالف الشريعة الإسلامية والعقيدة بالتصريح الذي قال فيه : “أن الجنة لغير المؤمن تحت ذريعة كونه مخترعا”، القول الذي اعتبروه الشيوخ والفقهاء والدعاة الذين يمكون مفاتيح الجنة، ملزم للتوبة والعودة إلى الحق والتوقف عن التمادي في الباطل ، وغيرها من الاتهامات التكفيرية التي تؤسس لسفاهة مجتمعية تهيئ لجيل متشدد وغير متسامح ، لا يتوانى في نهش لحم غيره بمجرد إثارته لموضوع يخالف معتقده ، فلا يبقي له لحياته وأصله وفصله ستراً مغطى، ما قد يكون له مضار كبيرة على حياة الناس ومجتمعاتهم.
لذلك من الواجب الانتباه من الجري خلف أولئك الذين يتقمصون أدواراً غير أدوارهم ، ويعطون لأنفسهم حقوقاً ليست من حقوقهم، ، باستعراض عضلاتهم وبطولاتهم في كمصادرة آراء غيرهم ، وتجريمها والتشهير بها والتقليل من قيمتها ، والحكم على أصحابها بما ليس فيهم ووصفهم بما لا يليق بهم ، الأمر الذي لا شك يجر للتأثيم والعقوبات المشددة في الدنيا والآخرة .