خاطرة التصالح مع الروائح قد يجعل الحاضر ممتعاً هو الآخر !

حميد طولست 

عندما كنا صغارا كان لكل شيء رائحة ،حيث كانت للصباح الباكر رائحة من عطر “لحبق” الريحان، وكانت القيلولة تحمل عصا الوالد ، وكانت رائحة ما بعد العصر مشبعة بعبق المخبوزات ، من ملوي وحرشة وبطبوط ، كما كان لكل مناسبة روائها وطعمها الخاص الذي كنا نحس به ونعيش معه لحظات سعيدة وجميلة، كرائحة الدخول المدرسي ، ورائحة حريرة رمضان الفواحة ، ورائحة شواء العيد الكبير وأدخنه، وفجأة اختفت كل الروائح و لم يبقى لها وجود ؟ أو تغيرت كما تغير الزمان الذي تغيرت معه كل الأشياء ؟ لا إن الروائح لم يلحقها أي تغيير أو تبدل ، وهي باقية كما كانت ، لكن ، نحن من تغير مع تقدم أعمارنا ، حيث ضعفت حواسنا وتبدلت أذواقنا ، وأصبحنا نرى تفاصيل الحياة بواقعية أكثر وانبهار أقل ، ولم نعد نشتم روائح الأطايب الفواحة التي كانت جزءًا من نسيج الحياة اليومي، الذي غدا يحمل في طياته الكثير من الحنين لماض كان بسيطا وجملا ، قبل أن يغيره الشعور والعميق والمؤلم بفقدان روائح زمن ، الناتج عن الزهد في روائح المبهجة ، المشكلة لجزء مهم من روائح الحياة ، التي كانت تحمل معها إحساسًا بالأمان والراحة المرتبطة بالأماكن والأشخاص والذكريات والمواقف والتجارب ، التي حينما نفتقدها ، أو نفتقد بعضًا من نكهاتها الخاصة ، والتي ليست بالضرورة مادية، يصبح حاضرنا أكثر جفافًا وأقل تأثيرًا في النفوس، نشعر فيه بالغربة والألم العميق، ونعاني من صعوبة التكيف مع التحولات المستمرة في روائح الحياة ، التي ليست مجرد ذكريات عابرة ، بل شواهد على ما عشناه من تجارب ثرية وذات معاني، تدعو لإعادة التصالح الذي قد يجعل حاضرنا مميزًا وممتعا ، حتى وإن اختلفت روائح عما ألفناه من روائح زمان .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *