فهي مَصْدَرُ التمور ووافر الغلات، ومَوْئلُ التجمعات، ومُلْهِمَة الخير والبركات، واسحبوا نخلة وافدةً دَعِيَّة لا تُتمِر ولا تُغِلّ، فقط تتجبَّر وتكتسحُ الشوارع والساحات، تبدأ صغيرة عليها مَسْحَة جمال، ثم لا تلبث أن تتعالى سامِقة كالمكنسة العجفاء، لا تنشر ظلا ولا تمتص غباراً، ولا تُلطِّف مُناخاً، وإنما تشمُخ نحو السماء، مُتجاهِلة كل اعْتراض، مُتصَامِمَة عن كل صَيْحةٍ ونِدَاء.
قد يكون لها حضور في بعض الفضاءات التماساً لإبراز التنوع ومُواءمة لها، على ألا يصل الأمر إلى حد التعميم والاكتساح.
واذْكُروا أيَّامَ كانت المُدُنُ في بلادنا تحتفي بأشجار النارنْج والدردار، والدُّلب والصفصاف، والصنوبر والرَّيْحان، والعَرْعَر والجُلَّنار، وكيف اهتدتْ إلى الجكرندة والأُرْجُوان، فأضْفَتْ على شوارعها مُتعَة الإزهار ووافرَ الظلال، وأثارت لدى الصغار والكبار فضولَ تتبُّع الفصول وتَرقُّب مَوَاعِدَ الإزهار والإيراق.
كُفُّوا عن هذا الاندفاع والغلواء، الذي يقود إلى حَدِّ استئصال التُّراثِي والبَهِيِّ من الأشجار، فقط لتعويضها بالنخلة السامقة العجفاء.
جُوبُوا مُدُناً داخلَ وخارجَ البلاد، وارصُدُوا كيف أن لها بالشجرة احتفاء، وكيف أنها تسهر على إعداد التصاميم الخضراء برؤيةٍ ومرجعية، واستلهامٍ واستحضارِ خصوصية، وتنزيلٍ وتعبئةٍ ميدانية.
وادْأبُوا على تعهُّدها بِمُستدام التقويم والصيانة، والتعريف بها وإضفاء الحرمة عليها.
وفي الفضاء العام انشُرُوا هيبة الشجرة، وعَوِّدُوا الجميع على أنها شأنٌ خاص بالجماعة، فلا تَطُولُها يَدٌ بالتغيير ولا بالتشذيب، ومَنْ تَجاسَر وتَطاول، فأمْرُهُ إلى القضاء.
ولَدَى الجماعة أفْرِدُوا لها قسماً وأسْندوه إلى ذوي الاختصاص، ويَسِّرُوا لهم من الأسباب ما يُساعد على التخطيط والتنفيذ، وتجديد الخبرة والتكوين.
اسْتحضِرُوا الشجرة في المدينة، ودَعُوا النخلة للواحة، وأَعْطُوا لكلٍّ حَقَّها من حُسن الاختيار، والملاءمةِ والاحْتفاء.
عبد الحي الرايس
12/05/2023