بقلم الباحث: عبد المنعم زبار
نشأت النظم الاجتماعية والقانونية منذ بدايتها من دون وعي أو جهد متعمد من الإنسان، وكان الإنسان قديماً، يعبر عن حاجاته ودوافعه بشكل فطري يسعى إلى تلبيتها متخذاً نسقاً قانونياً فردياً، وغالباً ما كان يخضع لمنطق القوة العضلية لإشباع رغباته الأساسية من الأكل والشرب.
إلا أنه لابد للإنسان من الاتصال بالعالم الخارجي محتكاً بأناس آخرين وبالبيئة المحيطة به والتي قد تفرض نفسها في بعض الأحيان على نشاطات الإنسان المختلفة وتجعله يدور في فلكها، محددة له الأهداف التي عليه السعي لتحقيقها، ومن ثم فإن المجتمع متغير الأهداف بما لا يدع مجالاً للشك أن النظم الاجتماعية والنظريات القانونية متغيرةً معه أيضاً..
يقصد بالمجتمع المدني الجمعيات والمنضمات والهيئات النقابية التي تشتغل بشكل مستقل عن الدولة، ذات الطابع غير الحكومي وغير الربحي، إضافة إلى الفاعلين المؤثرين في الحياة السياسية، والتي تستهدف تحقيق جملة من الأهداف المشتركة بين الأفراد المنخرطين في هذه التنظيمات والتجمعات، فمنها من يشتغل في الجانب الإنساني والخيري الإحساني، ومنها من يمارس أنشطة سياسية تركز على تتبع ومرافقة وإعداد وتنزيل البرامج والمخططات وتفعيل السياسات الحكومية، لتعزيز الشفافية، والمحافظة على الحقوق المكتسبة وحقوق الإنسان. ويعد المجتمع المدني فاعلا أساسيا في التضامن الاجتماعي.
يمثل المجتمع المدني بمختلف مؤسساته وتنظيماته وهياكله الوسيط بين الدولة كمؤسسة سلطوية وقاعدة الدولة من المواطنين، فهو في علاقة دائمة مع الدولة تتسم بالشد والجذب، وفي علاقة مع قاعدة المجتمع تتراوح بين الأخذ والعطاء، فوظيفة كل من الدولة والمجتمع المدني تظهر من خلال الهيمنة السياسية والثقافية، فالدولة -وبحكم هيمنتها على السلطة- تنظم علاقات السلطة في المجتمع من جهة، وتنظم من جهة ثانية علاقات المواطنة (التضامن، التعاون، الحراك، الاحتجاج، الدعم، …)، أي حسب التحديد الذي يعطيه غرامشي، فهما معا -السلطة والمجتمع المدني- فضاء تكون وانتشار الأيديولوجيات المختلفة التي تشد الجسد الاجتماعي بعضه إلى بعض
إن مبدأ التضامن يشكل سلوكا نابعا من الطبيعة الاجتماعية للإنسان، وله عدة أوجه وتجليات، وتظهر أهميته بشكل بارز في تعزيز جملة من المكاسب الاجتماعية، فهو من جهة يهدف إلى تحقيق التكافل والتعاون، لأن التضامن بشكل عام هو الفعل أو التنظيم الذي يلجأ إليه أفراد المجتمع في ظروف عصيبة وإبان الأزمات، بحيث يساهم في تقليص الفوارق بين طبقات المجتمع للوصول إلى تماسك اجتماعي متين، كما يستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية انطلاقا من صون كرامة الإنسان وحفظ حقوقه بأكملها، ثم تحقيق المساواة بين جميع الأفراد، ومحاربة أشكال التمييز والظلم.
في تاريخ المغرب مر بالعديد من الكوارث الطبيعية والارهابية ؛ المتعلقة مثلا بمحطات من الخط الزمني المرتبط بالألفية الثانية ؛ كانت الكوارث الطبيعية الناجمة عن مثلث التطرفات المناخية(قلة التساقطات وكثرتها) أو النوائب الوبائية(الجوائح الصحية أو انشار الامراض الفتاكة المعدية) أو الهزات من أعماق الأرض (كالزلازل)، هي مصدر الكوارث الطبيعية الرئيسة التي أثخنت في تكبيد المجال المغربي خسائر بشرية ومادية بين الفترة والفترة، حتى قيل عن بعض الكوارث الناجمة عن الظروف المناخية هي دورية. وبصيغة أخرى، شكلت كل من موجات الجفاف والقحط، والمجاعات، والفيضانات، والامراض والاوبئة والجوائح الصحية، والزلازل جملة من الكوارث التي استمرت في تعاقب على المجال المغربي، الى جانب أحداث إرهابية هزت كيان المجتمع المغربي المتسامح، أدخلت المجتمع في مسغبات جد حادة، وشمت ذاكرة المغاربة، جيلا بعد جيل، ومما خلدته الذاكرة الجماعية في الثقافة الشعبية
في ظل الظروف الصعبة والاستثنائية، المجتمع في حاجة إلى إحياء ثقافة وسلوك التضامن الاجتماعي الأصيلة في ديننا وثقافتنا وتقاليدنا الاجتماعية، وهذا يقتضي المساهمة في توعية أفراد المجتمع وتأطيرهم لمواجهة هذه الظروف والتبرع بالمال في مساندة الجهود الوطنية المبذولة لمواجهة الأزمات، انطلاقا من المسؤولية المجتمعية تجاه الدولة والمؤسسات التي تبذل جهودا كبيرة لاحتواء كل خطر راهن، تعزيز مفهوم التضامن في المجتمع ونشره كقيمة سلوكية هو مسؤولية المجتمع بمختلف شرائحه، هيئات وجماعات وأفرادا، وبمقدار ما يتم تعزيز هذه القيمة بقدر ما يحقق المجتمع وحدته وتماسكه وقوته لمواجهة هذه الظروف الصعبة فالإنسان بمفرده لا يستطيع مجابهة أي خطر دون وجود من يسانده ويدعمه. ثم إن هناك فئات في المجتمع، في وضعية هشاشة، في حاجة ماسة إلى من يتآزر ويتضامن معها في مواجهة ليس فقط من جراء الكارثة الانية وإنما أيضا الآثار الاجتماعية السلبية.
يظهر المجتمع المغربي تضامناً واسعاً، يتجلى في حجم المساهمات والتبرعات التي تتقاطر مع كل مبادرة تدشنها الجهات الرسمية. ومبادرة مختلف المؤسسات والشركات الخاصة والعمومية إلى المساهمة.
في الجانب الموازي تختلف مظاهر التضامن مع فلسطين داخل المجتمع المغربي، وتتوحد في ارتباطها بالقضية روحا ووجدانا، وتوزعت هذه المظاهر ما بين الوقفات والمسيرات التضامنية مع غزة، ورسم أفكار وقضايا حول فلسطين من طرف العديد من المؤلفين والباحثين.
إن قيم التضامن بامتداداتها الاجتماعية والاقتصادية بالمغرب قادرة أن تغير الكثير في مشهدنا الثقافي والسياسي. و من شأنها إرجاع الثقة للممارسة السياسية النبيلة ومصداقية خطابها الذي فقدناه مند عقود. يتبين جليا من مختلف الاحداث التي يعيشها المجتمع المغربي متضامنا ومتآزرا أكثر ، مما يجعلنا واعون بإمكانية بناء مستقبل البلاد بطريقة مغايرة وصحيحة أكثر عدلا وديمقراطية تتميز بالإنصاف والشفافية وسيادة القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة.