شحوم العيد وصحة المعيدين !؟

بقلم الاستاذ : حميد طولست
الصحة الجيدة تعتمد على مزيج من العوامل وعلى التوازن بينها، حيث أن بناء جسم الإنسان تتحكم به عوامل وراثية جينية ، وعوامل تكوينية خلقية ، وأخرى نفسية ، وأسلوب غدائي مضبوطة ، وأنواع من الأطعمة المسموح بتناولها ، ومقادير لا يجب تجاوزها ، وتحريم استهلاك بعضها بصفة نهائية كالمواد الضارة والخطرة مثل التبغ والكحول والمخدرات، التي يحشر فيها الناس –بعلم ا بغيره- بعض المواد الغذائية كالشحوم الحيوانية، وخاصة منها “الشحمة ديال الغنمي” التي كنت من عشاقها ، مند نعومة أظافري ، ولازلت ، رغم تقدمي في السن من أكلتها الذين يستلذون بطعمها الطيب ، المشتهين لالتهامها ، كلما سنحت الفرصة ، الأمر الذي ما يجر عليّ الكثير من انتقادات الأهل والمعارف ، خوفا على صحتي طبعا ، وتحذيرهم لي من مغبة ارتفاع الضغط والإصابة بالكوليستيرول وما يمكن أن يتسبب لي فيه من أمراض القلب ، ونصحهم الذي لا يتوقف بالابتعاد عن تناول كل أنواع الشحوم -الأبقار والأغنام والابل – ظنا منهم أنها وغيرها من الأطعمة الدسمة ،هي المسؤول الأول عن كل العلل التي تصيب صحة الإنسان من نوبات قلبية وتصلب الشرايين ووو، الأمر الذي المخالف لما كان عليه المغاربة قبل سنوات بخصوص استهلاكه للشحوم بكميات كبيرة ، والذي لازلت أذكر منه جيدا ، شغفهم بها بكل أشكالها كخليع ، وطواجن ، والمخبوزات المحشوة ،وكـ”الخبزة بدوازها” و”الخبزة المدفونة” و”الخبزة المخلعة” والملاوي بالشحمة، والبطبوط بالشحمة ، وغيرها كثير من الأطعمة الدسمة التي تشكل شحوم الأغنام ودهون الأبقار”السمن” أهم مكوناتها ، والتي كانت تُلتهم بشراهة دون توجس أو مخافة من الإصابة بأي أدى ، حيث كانت تعتبر مصدرا هاما للطاقة المزودة للجسم بالمواد الغذائية الأساسية لبناء العضلات ومنحها المرونة والقوة ، ومساعدة الجسم على امتصاص الفيتامينات ومضادات الأكسدة، للحصول على الطاقة اللازمة للمحافظة على الحياة .
أمام اعتقاد الكثير من الناس بان الشحم مليء بما يضر الناس ، و خلوها مما يفيد صحتهم ، أجدني كلما حل عيد الأضحى ، أغرق في تيارات الحيرة ، تتقادفني موجاتها المستبدة ، وتضعني في موقف عصيب لا أحسد عليه ، لما يتطلب مني ذلك من قرار حاسم بين شبقية الاستمرار في تناول الشحوم ، كما تعودت ، أو الفطام عنها مرغما ،
ما استدعى مني البحث والتحقيق في الموضوع، ودراسته دراسة موضوعية من أجل معرفة حقيقة هواجس ادعاءات ضرر الشحوم، واحتمالات منفعتها ، من خلال وجهة نظر علماء الدين ، من جهة، وعبر استقراء التجارب العلمية والطبية من جهة أخرى، حيث أننا إذا استخدمنا المنطق في تحليل وجهتي نظر رجال الدين والأطباء، فإننا سنجد أنهما مكملتين لبعضهما ، حيث أن قضية أكل الشحم محلولة عند علماء الدين في كتاب الله الكريم ، من خلال الآية الكريمة التي يقول فيها سبحانه وتعالى: “وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُون” والتي إذا تدبرناها جيدا لوجدنا أن شحوم الأغنام والأبقار كلحومها واللحوم الحيوانية الأخرى مُفيدةُ للإنسان ، بدليل أنه لو لم يكن في أكل شحوم البقر والغنم منفعة لما حرم على اليهود أكلها جزاءً على بغيهم وصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، كما في قوله عز و جل: “فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حرمنا عليهم طيبات أُحِلَّتْ لَهُمْ وَلصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا” أي أن التحريم هنا لم يأتي لضرر في المحرم أو لمنفعة لمحرم عليهم ، بل الحرمان من الشحوم التي اعتبرها سبحانه وتعالى من الطيبات ، جاء عقابا لليهود ،وبناء عليه ، فإنه إذا كانت الشحوم الحيوانية مضرة لصحة الإنسان وتزيد من نسبة الكوليسترول في الدم، فكيف يكون تحريمها عقابا وجزاء لليهود؟
أما بالنسبة لوجهة نظر العلم والطب ، فإن الشحوم والأطعمة الدسمة بريئة من تهمة رفع كلسترول الدم والإصابة بالنوبات القلبية ، بل يحسب لها أنها تقوم بإخراج السموم من الجسم وتمنح الليونة والمرونة للشرايين والجلد وتغذي الكبد والأمعاء وكافة أجهزة الجسم وتدفع الطاقة به لأعلى مستوياتها ، بينما يبقى المسؤول الأول عن الإصابة بتلك الأمراض ، هو عدم التزام الناس بالقاعدة الذهبية ،”لا إفراط ولا تفريط “، في نمط التغذية ،والإكثار من استهلاك الدهون النباتية السمن والزبد النباتي والزيوت النباتيه المهدرجة ، التي يتمّ الاعتماد في تصنيعها على الزّيوت المتحوّلة أو المهدرجة المحتوية على الهيدروجين ، الذي يحسّن من قوام ومذاق الغذاء ويحميه من العفن ويزيد من صلاحية المادة الغذائيّة المصنّعة لأطول فترة ، ما يجعلها تبقى في الجسم طويلاً لأنّها صعبة الهضم، ولا تتوزّع في الجسم وإنّما تتراكم في البطن ، فتتسبب في اضطرابات المعدة ، التي يؤدي إلى رفع نسبة الكولسترول في الدّم والتّعريض إلى خطر الإصابة بتجلط الدّم في الشّرايين، ومشاكل في القلب، والإصابة بمرض السّكري، والإصابة بمرض الزّهايمر..
ومما سبق يمكن أن نستنتج أن الشحوم بريئة مما ينسب إليها من مضار، وأن الصحة والمرض تتحكم بهما عوامل وراثية جينية ، وعوامل تكوينية خلقية في بناء جسد الإنسان ، إلى جانب الأسلوب الغذائي المضطرب ، والمبالغة في تناول الشحوم وغيرها من الأغذية الأخرى ، وتجاوز المقادير المسموح باستهلاكها ، الأمر الذي رمى إليه الحديث المأثور “البطنة تذهب الفطنة” تلك البطنة التي تتحول معها الشحوم -كما هو حال كل الأغذية ، مشبعة كانت أو غير المشبعة- إلى دهون ضارة ، تؤدي – إذا لم ترفق بما يهم الجسد ، من نوم جيد وممارسة للرياضة، ومجمل دقائق العناية بالذات – إلى اختلالات في توازن كمية الغذاء المستهلكة وكمية الطاقة المنتجة ومقدار الحركة ، والتي تؤدي إلى اختلال وزن الجسم وزيادة تراكم المواد الذهنية في الأنسجة ،ما يؤدي إلى أمراض القلب وتصلب الشرايين وغيرها من الأمراض التي تتهم بها الشحوم الحيوانية ظلما وعدوانا..

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *