من المسلمات أن كل مهنة أو فن أو علم له شروط صحة وقوعد ممارسة ، إلا الانتخابات تكاد تكون النشاط الوحيدة الذي يلج غمارها من هب وذب ، ويتمكن الفائز فيها من تسيير أمور غيره من خلال مجالس ترابية لا يشغلهم فيها غير بإشباع شبقية مظاهر الرفاهية الزائفة وهوسهم بالغنى الفاحش ، على حساب الحاجيات الأساسية والملحة لمن انتخبوهم والاهتمام بأمورهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتى الدينية ، وتدبير شؤون مآسي فقرهم وتعاسة عوزهم ، وباقي المصالح العامة التي ما قطعوا على أنفسهم وعود تحقيقها خدمة لمن انتخبوهم، والتي قابلونهاباختلالات مقيتة، وتجاوزات ابتزازية ، ومقايضات عنيدة ، ورشاوى فاحشة، وغيرها من جرائم الأموال التي يتابع فيها عدد من منتخبي جماعة فاس ومقاطعاتها ، بدأ من العمدة وكاتب المجلس ونائبه ورؤساء المقاطعات ونوابهم ، الذين يتواصل سقوطهم في يد الفرقة الجهوية للشرطة القضائية ، كحبات الزيتون أيام قطافه ، قبل إيداعهم سجن بوركايز ،
لعنة لعينة وسلوك مشين ،ذاك الذي مهما كانت مبررات دوافعه ومسبباته ، فسيبقى تصرفا غبيا يجعل أكثر المواطنين تفاؤلا حانقا غاضبا ساخطاً على وضعه ووضع مدينته ومصير وطنه، ويجد نفسه مدفوعا لمقارنة حاله وأحواله ، من خلال مع ما يسمع ويرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي – التي عرت كل مستور وأخرجت كل مقبور- عن أحوال منتخبي بلدان الضفة الأخرى القريبة منه، والذين يغبطهم على سمو تعامل منتخبيهم مع أحوالهم ، وتنافسهم على خدمتهم ، واستماتتهم في الاهتمام براحتهم، وتفانيهم في تحسين ظروفهم المعيشة ، وعملهم على حماية ضعفائهم ومهمشيهم وفقرائهم وذوي الإعاقة منهم والأرامل والمطلقات من الحياة الضنك، وصيانة حقوقهم، وتوفير التغطية الاجتماعية والصحية الشاملة لهم ، والانتقال بهم من حال الفقر والعوز إلى المستوى الذي يمكنهم من الحد الأدنى من الحياة الكريمة المنشودة ، التي توفرها العدالة الاجتماعية لبني البشر ؛ بدل غطرسة متخبينا وكبرهم وتعاليهم الفارغ،الذي يحويلون به الخيانة إلى وجهة نظر، ويعتمدون فيه مقولة الإمام الغزالي: “ليس في الإمكان أبدع مما كان” التي يلجأون إليها من أجل استغلال المنصب والإبقاء على مكاسبها كائنات انتخابية لا يهمها إلا أن يكونوا منتخبين يتلقفون امتيازات المجالس الريعية، التي إذا حال حائل بينهم وبينها عرف أو قانون أو دين، لم يتورعوا في ليّ أعناقها جميعها لصياغة منطق معكوس لتحقيقها ، ضدا في جميع حقوق ومصالح الوطن والمواطنين ،التي تبقى مرهون بوجود مرشحين قادرين على إعداد مخططات سياسية تنموية ، وتقديم برامج انتخابية مجتمعية محلية ووطنية، الأمر الذي يجعل من التصويت مسؤولية خطيرة وأمانة ثقيلة ، تفرض على كل ناخب ينشد تغيير أحواله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، ألا يغفلَ تقييم المرشحين ، والتدقيق الاختيار عند المفاضلة بين من يرغب في يمثله لدى عموم مؤسسات الدولة، لأن حُسنَ اختيار المرشح ، دليلٌ على نضج المجتمع ، وانعكاس لمدى وعي الناخب وقدرته على الاختيار الأمثل ، القادر على درء المفسادِ أو الحد من غلوائها على الأقل، أما سوء الاختيار ، أو الاختيارات غير الموفقة ،التي لا تعدو غير تغيير للوجوه حسب الاجتهادات الشخصية، والتوجهات الحزبية والعائلية الضيقة ، فهي مكرسة للأوضاع السيئة القائمة ، ومؤدَّية إلى وضعِ زمام الأمور في أيادٍ غير سليمة ، وإهمال أهل الأمانةِ والفضيلةِ ، وإقصاء ذوي الكفاءات المقدرين للمسؤولية ، الأمر الخطير ، والسلوك الشائن،الذي تعرفه بلادنا عامتها وتعيشه مدينة فاس على وجه الخصوص، والذي سبق لملك البلاد محمد السادس نصره الله أن نبيه إليه بمناسبة الذكرى 62 ل”ثورة الملك والشعب” ،للأهمية البالغة التي يكتسيها حسن الاختيار في سدِّ كل ثغرات تسرب الفساد ، حيث قال جلالته: “عليكم أن تحكموا ضمائركم وأن تحسنوا الاختيار” ، وأضاف جلالته محذرا من مغبة عدم إعطاء قضية حسن الاختيار الأهمية والعنايةً الدقيقة التي يستحقها بقوله :”أنه لن يكون من حقكم غدا، أن تشتكوا من سوء التدبير، أو من ضعف الخدمات التي تقدم لكم”.
وأمام خطورة الاختيار على العملية الانتخابية برمتها ، أنه بإمكان المنتخب الفاسد الواحد أن يُفوت على جميع الناخبين كل فرض التنمية الشاملة ، ويضيع عليهم امكانية تحسين أحوالهم وأحوال البلاد برمتها، واختم بالمقولة الشهير: لا يقاس ضعف المجالس المنتخبة بنذرةمواردها النقدية أو قلة ممتلكاتها العقارية ، بقدر ما يقاس بافتقار منتخبيها للعزيمة الصادقة على تحقيق ما قطعوه على أنفسهم من وعود تجاه من انتخبهم ولم تشغلهم عنها مصالحهم الأنانية، لك لله يا فاس.
حميد طولست Hamidost@gmail.com
مدير جريدة”منتدى سايس” الورقية الجهوية الصادرة من فاس
رئيس نشر “منتدى سايس” الإليكترونية
رئيس نشر جريدة ” الأحداث العربية” الوطنية.
عضو مؤسس لجمعية المدونين المغاربة.
عضو المكتب التنفيذي لرابطة الصحافة الإلكترونية.
عضو المكتب التنفيدي للمنتدى المغربي لحقوق الإنسان لجهة فاس مكناس
عضو المكتب التنفيدي لـ “لمرصد الدولي للإعلام وحقوق الأنسان “