صلاح الناخبين من صلاح المنتخبين !

 

الجديد بريسحميد طولست

 من المسلمات أن كل مهنة أو فن أو علم له شروط صحة وشروط ممارسة ، إلا الإنتخابات -تكاد تكون الوحيدة التي يلج غمارها من هب وذب– التي تمكن الفائزين فيها من تسيير أمور الناخبين من خلال مجالس ترابية لا يقاس ضعفها بنذرة مواردها النقدية أو قلة ممتلكاتها العقارية ، بقدر ما يقاس بإفتقار منتخبيها لعزيمة تحقيق ما قطعوه على أنفسهم من الوعود نحو منتخبيهم ، وإنشغال غالبيتهم بطمس أعين منتخبيهم عن رؤية مآسيهم مع الفقر والجهل ، و إلهائهم بما يبثونه عبر الإنترنت من مظهار الرفاهية الزائفة التي يعيشونها معززة بالصور الوردية التي تظهر تفاصيل كل ما يستمتعون به من أوقات خالية من الكدر ، في المأكل والمشرب، بفيدوهات تنقلاتهم وأماكن تسوقهم وأسعار ملابسهم وماركات أحذيتهم ، وكل ما يشبع هوسهم للكمالية والمثالية -التي لم ولن توجد بحياتنا البشرية- على حساب الحاجيات الأساسية والملحة للمدن التي انتخبوا لتدبير شؤونها ، والمنتخبين الذين كلفوا بالإهتمام بأمورهم الاجتماعية والإقتصادية والثقافية وحتى الدينية ، والذين أصبح -الناخبون-كل ذي عقل فطن منهم ، يتساءل عن دوافع مثل تلك التصرفات المتخنة بالإبتزاز والمقايضة، أهو رغبة المنتخبين الجارفة في تعويض الذي يعاني منه بعضهم؟ أم هو هوسهم لإظهار الكمال الذي يفتقده الكثير منهم؟ أم هو النار المتقدة داخل بعضهم للإفصاح عن سلطويتهم الموروثة؟ السلوك المشين الذي مهما كان الجواب عنه ، فأنه سيبقى تصرفا غبيا يجعل أكثر الناخبين تفاؤلا مهموما متألما ساخطاً من عيشته ، مقارنة مع ما يراه من حوله من صور الترف والرفاه ، حتى لو كانت زائفة وكاذبة . ومع كل هذا وذاك فإنّه ليس علينا أن نخشى أو نقلق كثيرا من المنتخبين الجدد الذين لا خبرة لهم بتسيير الشأن المحلي أو الوطني ، الذين كانوا وطنيين صالحين جادين ولديهم القابليّة الحقيقيّة للتعلّم والتفقه والتنافس في خدمة منتخبيهم ، الذين بلاشك ستتشكّل عندهم الخبرة المهنية الممتازة من تجارب سابقيهم ، لكن علينا الخوف، كلّ الخوف من طبقة “المؤلفة جيوبهم” العارفة بخبايا الجماعات الترابية ، التي أنتجتها الانتخابت الأخيرة ، المتخصصة في استغلال وسائل التواصل الاجتماعي للتسويق لمصالحهم مستغلين ما لديها من مهارات بهلوانية في اعتماد مقولة الإمام الغزالي: “ليس في الإمكان أبدع مما كان” لتحويل الخيانة إلى وجهة نظر، من أجل البقاء في مناصب تكسبهم الغطرسة والكبرا والضلال. وليسمح لي المنتخب الجديد بنصيحتي له -كمنتخب سابق خبر تدبير الشأن المحلي- والتي ألخصها فيما يلي: عليك أيها الفاضل أن تصون نفسك ولا تخسرها، بالإتعاد بها عن نتانة النفاق السياسوي، والتخندق في أوكار المداهنين أصحاب أنصاف المواقف وحركات التشرذم والسرية ، أياك أن تنتمي لعالمهم، وامقت إيديولوجياتهم وتحزباتهم ، وإربأ بنفسك أن تكون بوقا لمهازلهم ، وارفض أن تصفق للشعاراتهم الباهتة المرسخة للواقع المريض، ولا تستسلم لخوائهم ، ولا تخضع لاستفزازهم الواهي، واكسر قواعد الطاعة العمياء لغير ضميرك ووطنيتك ، وأثبت على العقيدة وعض عليها بالنواجذ ، وقل لجهلهم وجهالتهم “لا” بدون تأتأة أو تردد ، حتى تبقى الصالح الأبي بينهم ، الذي لم يخلق لشذوذهم .. واعلم أن مقالتي هته ليست موجهة لشخص بعينه ، ولا لفئة محددة ، وإنما هي محاولة لفضح أولئك الذين يحملون أجندات ومهمات غير التي أنتخبوا من أجلها ، والمنحصرة في خدمة الناخبين دون تمييز عرقي أو حزبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *