مرةً أخرى يمر علينا يوم من الأيام العالمية و الدولية التي تتبناها الأمم المتحدة ، كأداة تثقيف ونشر للوعي بين عامة الناس حول القضايا ذات الأهمية الإنسانية ،الصحية منها و الاجتماعية أو السياسية أو الإنجازات العالمية، والذي كان هذه المرة هو “اليوم العالمي للقضاء على الفقر” الذي أحيته الأمم المتحدة يوم الإثنين السابع عشر من أكتوبر الحالي تحت شعار “الكرامة للجميع”، والذي لم يعره ،للأسف، المجتمع المغربي – كما باقي المجتمعات العربية والإسلامية- أي اهتمام أو أهمية ، رغم معايشة غالبية مواطنيه للفقر المذل المؤدي للحرمان من الكرامة التي هي أساس كافة حقوق الإنسان الأساسية ، ما دفع بي والكثيرين غيري ، لطرح التساؤل المحرج حول إعجاب الأمة الإسلامية بالفقر واستحسانه ، وستشهادهم على شرعية تمجيده ، بمجموعة من الأحاديث المعززة لمعتقدهم المالي الخاطئ الذي يتخذونه ذريعة لتقبّل حالة الفقر التي يعيشون عليها ، ومن بين تلك الأحاديث ،على سبيل المثال، دعاؤه صلى الله عليه وسلم : “اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة” ، الحديث الذي يُشك في أن صلى الله عليه قصد فيه بالمسكنة ، الفقر والعَوَز وحاجة المادية ، بقدر ما قصد بها صلى الله عليه وسلم مسكنة القلب واستكانته وتواضعه مع الفقراء وأهل الصفة ، الأمر الذي يدفع إلى اجتراح تساؤل أكثر إحراجية حول المعتقدات المالية الخاطئة والأكثر شيوعاً بين الناس في مجتمعنا وبين كافة المسلمين ، من أمثال: هل كان صلى الله عليه فقيرا معدما ؟ وهل عاش فقيراً ومات فقيراً ؟ وهل كان صلى الله عليه يرغب في أن تكون أمته أمة فقيرة ؟ الفكرة التي روج لها رجال الدين ، وخاصة منهم الزهّاد -الذين تتطلب مصلحتهم وأغراضهم الترويج لذلك الادعاء- الذين أدخلوها في صلب التصوّر الإسلامي ، حتّى أصبحت من البديهيات عند أكثرية المسلمين ، والتي يكتشف سخفها وبطلانها أي باحث يناقش تلك الدعوى المضحكة من خلال سيرة النبي صلّى الله عليه وسلم ، ويتوصل منها ، بيسر وسهولة ، أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فقيراً ، وهو الذي امتن الله عليه بقوله تعالى: “وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ” وبدليل ادعيته المأثورة– المستجابة – التي وردت في “صحيح البخاري” :الله اللهم أعوذ بك من الفقر” أو التي رواها مسلم وغيره: “اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى” ، وغيرها من الآيات والأحاديث والقرائن والأدلة التي تبين يستشف منها بوضوح أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فقيراً، إذ كيف لمن يترك بعد موته بساتين وأموالاً بالمدينة أن يكون فقيرا ؟ وإذا كان غنيا ، فكيف يمكن لغني أن يتوفى ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعًا من شعير ، كما في الحديث المروي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها والذي يعتمده من لهم مصلحة في ذلك من شياطين الأنس الذين قال فيهم سبحانه وتعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” ، وذلك لدعوة الناس إلى ترك الدّنيا والزهد فيها ، المخالف لتعاليم الأسلام التي تحث على التمتع بالحياة وغناها كما في قوله تعالى:”وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا” ،وقوله تعالى”:قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ” .
ربما يتساءل متسائل ما الدافع للكتابة في هذا الموضوع الشائك بالذات؟ فيكون ردي ببساطة ، إنها الغيرة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وعدم الرضى بأن يصف الجهلة نبينا الكريم بالفقر أقبح أوصاف النقص والضعة والمسكنة والانكِسارِ والافتقارِ المحط بالكرامة ، وهو الذي كان يستعيذ بالله من الفقر، فيَقُولُ :”اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ ، وَالْقِلَّةِ ، وَالذِّلَّةِ ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَظْلِمَ ، أَوْ أُظْلَمَ”. أخرجه أحمد والبُخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، إلى جانب رغبتي في المساهمة في تغيير الفكر السلبي والمعتقدات والأفكار الخاطئة السائدة بين الناس ، حول الحياة المالية للنبي ، والتي طوال مراحل طفولتنا وشبابنا ونحن نعتقد اننا ندافع على فكرة صحيحة لها هدف نبيل، لكن عندما كبرنا ونضجت عقولنا ، اكتشفنا اننا كنا ندافع على افكار زرعوها في عقولنا الباطنية بكل خبث ومكر منذ أيام الطفولة الأولى عن طريق العائلة والمسجد والمدرسة والمجتمع والإعلام ، وذاك مايسمى بصناعة القطيع ، والذي لازالت خرافاته وأوهامه وعقده مستمرة إلى اليوم.
كلام في غاية الأهمية. لايقاظ. الهمم والانتفاضة ضد الاتكالية والخنوع وتسييد الكلام المحبط الطموح .