مهما كانت الفروق والتفاوتات بين القمم والمؤتمرات العربية فيبقى الشارع العربي والمغاربي الأقل اهتماما بها ، ولا يبني عليها آمالا كبيرة في تغيير أوضاعه السياسية والاحتماعية ، كما هو حال القمة العربية التي وصلت النسخة 31 منها الى نهايتها قبل أيام دون أن تحقق أية مكسب للبلدان المشاركة ، ما يفرض تساؤلات متعددة وملحة، والتي من بين أكثرها إلحاحية : هل وفقت القمة في لمِّ شمل العرب المشتت ؟ وهل استطاعت جلساتها التي دامت يومين ، توحيد مواقف المشاركين فيها وظبط سياساتهم المختلف عليها، وخاصة ما يتعلق منها بالتعامل مع قضايا المنطقة ؟ كما بشر بذلك الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، بقوله: “أن القمة العربية التي ستستضيفها الجزائر تستهدف لمّ الشمل العربي ومواجهة التحديات والضغوط والتهديدات التي تواجه المنطقة” ! فهل تخطت هذه القمة حدود ما اعتادته نسخها السابقة والتي بلغت الثلاثين قمة؟ وهل خرج المجتمعون فيها بقرارات تقرب بين وجهات النظر، وتنهي الخلافات العربية العربية؟ الأمر الذي بقى كالعادة والمعتاد مجرد آمال معلقة على عتبات المعجزات الربانية القادرة وحدها على تغير الواقع المر الذي تعيشه الأمة العربية ، والتي لا يتعلق نجاح قممها والمؤتمرات والمفاوضات على بانعقادها بهذا البلد أو ذاك ، بقدر ما يتعلق بحسن نوايا المشاركين والمنظمين وصدقيتها في الرغبة في تجاوز ما يثير الخلاف والشحناء المؤدي للعداء بينهم ، لأن النية هي الباعث على العمل وركيزة نجاحه ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم :” إنما الأعمال بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى” المبدأ العام الذي يسري على جميع العلاقات التعاقدية ، حتى ولو لم يُنص عليها صراحة بين الأطراف ، والتي لا يمكن اطلاقا أن تحقق الوفاق والتقريب بين الفرقاء بدونها ، ما يوجب على كل متعاقد أن يكون حسن النية تجاه المتعاقد الآخر، وعلى راسهم المظيف الذي كان أوجب ما يفرض عليه وضعه كمظيف أن يتصرف بقدر من التبصر والإهتمام الضروريين لتفادي إلحاق الضرر بأي من المشاركين ، سواء سهوا أو إهمالا ، فما بالنا لو كان ما أُقترف ،ناتجا عن سوء النية والمبيتة.
ربما يقول قائل: أن النية أمر باطني أو قلبي ، وأن مقاصد الناس تختلف اختلافا عظيما بحسب ما تضمره القلوب ، فيأتي الرد سريعا من علم النفس الذي يؤكد على أنه :”لكل مستبطن لنوايا البشر آثار ملموسة تظهر على أفعاله ” فتكون صافية دالة على حسن نيته وصدق قوله ، أو تكون معبرة عما يملأ القلوب من نفاق وخداع يظهر فيما يصدر عنه ، كالذي بدا جليا فيما ارتكب في حق الوفد المغربي المشارك في أشغال اجتماع مجلس وزراء الخارجية التحضيري للقمة العربية من خروقات بروتوكولية وتنظيمية متنافية مع الأعراف الدبلوماسية ، والتي توّجتها السلطات الجزائرية بمنع صحافيين دوليين -تابعين لوكالة الانباء الفرنسية AFP -من إجراء حوارات صحفية مع السيد ناصر بوريطة رئيس الوفد المغربي ووزير الشؤون الخارجية المغربي، داخل الفندق الذي كان يقيم به، التعامل الفج والمنافي للأعراف والقواعد الصحفية الدولية ، والذي لم يسلم منه وفد الإعلاميين المغاربة الذي احتجز بمطار الجزائر لساعات قبل ارجاعهم إلى بلده المغرب ، ما يكشف عن عدم أصالة أعراف الدولة المظيفة ، وضعف بروتوكولاتها الرسمية المؤسفة التي عبر عنها السيد بوريطة بقوله: “ما يؤلمني هو تغييب الصحافيين المغاربة عن القمة عمدا مقابل تواجد صحفيين جميع الدول المشاركة بسبب عدم منحهم التأشيرات وهو ما اضطر الوفد المغربي لأخذ الصور”.
ورغم كل هذه الخروقات البروتوكولية المستفزة التي مورست على الوفد المغربي وصحفييه ، في هذه القمة والتي كان أبرزها وأخطرها تحريف خريطة المغرب ، فإن حسن نية العاهل المغربي محمد السادس ورقي أخلاقه وتقديره للجيرة وجنوحه للسلم والسلام ، أبت عليه إلا أن يكرر دعوته الكريمة للرئيس الجزائري لزيارة المغرب للحوار ، وهو الذي سبق له أن دعاه في عدة مناسبات من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين ، فهل ستستجيب القيادة الجزائرية للأيادي المولوية المفتوحة ؟ أم أنها ستستمر في استنزاف الجيران عبر حرب خاسرة ، مدفوعين فيها بمشاعر النقص المرتبطة بتوالي الاستعمارات وطول مدده خصوصا العثماني والفرنسي ، والذي ولد في نفوسهم النقص والإغتراب حيال عظمة هوية المملكة المغربية وأعرافها المخزنية، التي تعكس وجه الدولة وأصالة بروتوكولاتها والمرعية منذ الأدارسة والتي أصبحت مع العلويين جزء من الحكم.