. تتطور الأمم بتطور شعوبها ، وتتطور الشعوب بتطور إنسانها الذي يتطور بدوره بتطور مؤسساته التي تحمل شعلة التطوير والتجديد والمساهمة في المراجعة والتصحيح وتقديم الحلول لمشاكل يئن المواطن تحت أوزارها الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية ، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر ، معضلة السلامة الطرقية ، وتداعيات وخطورة الاستهتار بأنظمتها المرورية ، وعدم التأقلم مع قوانينها، عكس ما هو عليه حال من الإنسان الغربي ، الذي تمكن ، بكل يسر ، من التعايش مع أنظمة السير وقوانين الجولان التي فشل هو في التأقلم معها الإنسان في بلادنا وفي أي بلد عربية أخرى ، فلماذا يا ترى يخفق المغربي والعربي في ذلك ويفلح غيره الغربي؟؟ . طبعا الجواب لا يحتاج منا تخمينا كبيرا أو احتمالات معقدة ، لأنه بكل بساطة بيِّن وواضح وضوح الشمس ، وتكراره يبقى مجرد تحصيل حاصل ، لأن السبب واحد وفريد ، ويمكن تلخيصه في التملص من مسؤولية ، نشر ثقافة المرور بين المواطنين ، لتصبح الخصلة الأساسية التي يتحلون بها بأريحية ، وتغدو بينهم قيمة أخلاقية تدفع بهم للإنخراط الطوعي في الحفاظ على أرواح الناس ، وصون ممتلكات الوطن ،كما هو الحال بالنسبة لإنسان الشعوب المتحضرة ، الذين ارتبطت لديهم الثقافة المرورية ارتباطا وثيقا بحياة وسلامة مجمتمعهم ، وباتت فطرة متجذرة في وجدانهم ، تخلق بدواخلهم الشعور بالأمن والطمأنينة ، وتترك لديهم الإحساس الجميل المتصاعد بمكانتهم ووجودهم كفاعلين في تحقيق أقصى درجات الأمن والسلامة في مجتمعهم ، وتقليل غلواء كوارث حوادث السير التي باتت مقلقة بما تنتجه من خسائر جسيمة على كافة الأصعدة المادية والمعنوية، الأمر الذي قلما يحدث في البلدان الغربية ، حيث يلاحظ أي زائر لها شدة تمسك إنسانها باحترام قوانين السير ، وتفوقه على غيره في انضباطه لقواعد الجولان، دون عصبية أو تشنج ، حتى في أشد الاختناقات المرورية وأخطرها ،التي تتكدس خلالها آلاف السيارات والشاحنات لساعات طوال ، السلوك الذي يدفع بالكثير من المهتمين للتساؤل عن سبب سعة الصبر تلك ، وهل هي ناجم عن ارتفاع مستوى جودة التعليم أو هي من ارتفاع درجة الوعي بقيمة الانضباط لقوانين المرور، او هي نابعة من سمو الأخلاق واحترام الحياة ، أم انها لا تعدو مجرد نتاج للخوف من الصرامة والجدية في تطبيق القانون ؟ على العموم ، ومهما كانت الأسباب والحيتيات ، فإن هذه المعضلة قد شغلت مساحة كبيرة من تفكير المواطنين والمسؤولين على حد سواء ، وأقلقت كل من يريد أن يكون السير في هذا البلد سليما آمنا ، كما هو الحال في البلدان المتحضرة ، الشيء الذي يدعو إلى التحرك السريع والفعال لمختلف الأطياف الاجتماعية والسياسية ، وكل النخب المثقفة ورجال التربية والمنظرين والفعاليات الاقتصادية والجمعوية والدينية ، لتهيئة أجواء مصالحة المغاربة مع طرقاتهم قوانين السير عليها، والتي اجزم ان عموم المغاربة لديهم الاستعداد الكبير ، للمساهمة التطوعية والمشاركة التلقائية في وأد الاستهتار بقوانين السير و خرقها ، ولا تنقصهم إلا القدوة الحسنة والمبادرات الجادة ، مثل المبادرة التي قامت بها مؤخرا “الهيئة المغربية لجمعيات السلامة الطرقية بالمغرب” بمعية 30 جمعية من مختلف ربوع المغرب ، والمتمثلة في القافلة التي زارت أقاليمنا الجنوبية لنشر مثل تلك الثقافة المرورية السليمة بين أهلنا هناك ، والتي نشكر كل اعضائها من خلال رئيس لجنة الإعلام الهيئة ، الناشط الجمعوي والصحفي المقتدر الأستاذ محمد جمال النخيلة ، الذي غطى جزء من رحلة القافلة ؛ فما أحوجنا إلى مثل هذه المبادرات التنويرية الجادة التي تنم على اهتمام جمعيات المجتمع المدني بسلامة مواطني هذا البلد وأمنهم.