بقلم الاستاذ : حميد طولست
على الرغم من كون كرة القدم تبدو في ظاهرها من الرياضات البسيطة التي يمكن أن تُلعب بين الأتراب في الأزقة والدروب والحدائق، كما في الملاعب المخصصة للعبة، فإنها تبقى في جوهرها عملية معقدة وإستراتيجية يتطلب التعامل مع مجالاتها المختلفة تخطيطًا وتنظيمًا دقيقين يشمل إدارة اللاعبين والمدربين، وتنظيم الجداول الزمنية للمباريات، وإدارة الميزانية والعقود، والتسويق وجذب الجماهير، والتواصل مع الرعاة والشركاء، وغيرها من الجوانب الهامة التي تحقق نتائجها وأهدافها الإيجابيّة التي من أهمها ترقية فرقها ومنتخباتها على أرض الملاعب وفي السوق، وضمان بقاء أنديتها في المقدمة التنافسية، الأمر الخطير الذي لا تضطلع به إلا الإدارات الرياضية المحنكة، الممثلة في مكاتب تسيير تتقن صنع القرارات المحكمة والتخطيطات الذكية الكفيلة بتحقيق الأهداف الكروية القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى، الغاية القصوى، والهدف النبيل والمهمة الرئيسة لمجالات كل الرياضات وعلى وجه الخصوص كرة القدم، التي غدت -في الوقت الحاضر- صناعة تنافسية معولمة جدا، تحتاج للمواهب الشابة المحنكة والكوادر الملائمة القادرة على تمكين الأندية بالبقاء محدثة في جميع مجالات الرياضة واتجاهاتها، سواء اتجاهات السوق وتقنيات الإدارة المالية، وغيرها من الاتجاهات التي تجعل نجاح فرقها، ورفع مستوى أكاديمياتها، وتحسين أحوال وقدرات لاعبيها الموهوبين، ورقي أنديتها وتعزيز صورتها في وسائل الإعلام والجماهير المعجبة بها، والملتزمة بالتكيف بالعمل معًا على تحقيق أهدافها الرياضية.
خلاصة القول، إذا سمحنا لأنفسنا بمقارنة ما سبق ذكره من شروط إدارة أندية كرة القدم وضمان نجاح فرقها ورقي أكاديمياتها وتحقيق أهدافها، وما يتطلبه من مواهب قيادية قوية معززة بالشفافية والنزاهة، ومؤهلات تنظيمية ذكية موسومة بالفهم العميق للعبة وقواعدها واستراتيجياتها، ومهارات التخطيط الإبداعي الملهم والمحفز، فإننا سنجد أنفسنا أمام فريق -الوداد الرياضي الفاسي “الواف”- قد أبتلي ناديه بمسيرين من نوعية غريبة بعيد كل البعد عن طينة المسيرين الرياضيين الحقيقيين الذين لا يريدون إلا الخير لأنديتهم، والذين أقل ما يقال في شدودهم عن ذلك، ما تحمله الأمثال الشعبية المغربية من معاني الشجب والتنديد والملامة والسخرية من مسيري فريقهم “الواف” الذي يعشقونه حد العبادة، والتي أصبحت تصدح بها الجماهير “الوافوية” ردحات الملاعب الكروية ومقاهي وساحات حي فاس جديد العمومية، معقل “الوافيين”، بعد أن أعيتهم تضرعاتهم للمسيرين لتفادي تقهقر فريقهم، وأتعبتهم دعوات اتخاذ الإجراءات الفعّالة المحسنة لإدارة ناديهم، وأرقتهم نداءات استغلال مواردها بشكل مستدام وشفاف ونزيه، والتي منها على سبيل المثال لا الحصر: “راه راه و الغوت وراه” و “حسابني كرمة وفيها الكرموص سعا هي خربة وفيها الناموس” و”الشي من الشي نزاهة والشي من قلة الشي سفاهة” و”تعلموا يا الحجاما فروس ليتاما” و “اللسان طويل والدرع قصير” و”رضينا بالهم والهم ما رضا بينا درناه عند راسنا صبح عند رجلينا” و”الحنة حرشة والحناية عمشة والعروسة فيها بو تفتاف”، وغيرها كثير من الأناشيد والكلمات الملحنة التي أصبحت تعوض شعارات الدعم والمساندة المعززة بروح وعاطفة اللعبة الموحية بالتفاؤل والعزيمة الملهبة لحماسة الجماهير “الوافية” والتي تشعرهم بأنهم جزء من اللعبة الرائعة، التي أدى تفشي الفساد والفساد الإداري بمكتبها المسير إلى تدهور أخلاقياتها المعترف بها عالميا، وتقويض الثقة بينه وبين جماهيرها المعجبة، التي ربما انزل به إلى هاوية قسم الهواة ، المر الذي لن يؤثر في محبيه ويبقى في أعينهم الوداد الرياضي الفاسي “الواف” ذاك الصرح الكروي العظيم الذي صال وجال في ميادين كرة القدم محليا ووطنيا ودوليا وصدق من قال ان الفرق الناجحة ليست فقط تلك التي تحقق الانتصارات على أرض الملعب، بل هي تلك التي تتمكن من إنشاء قاعدة جماهيرية متينة، ومستدامة تعزيز سمعتها على المستوى المحلي والدولي، فما كثيرة هي الأندية الأكثر عراقة التي يمكن أن تجد نفسها في مواجهة تحديات تهدد وجودها وإستمراريتها ومع ذلك تحافظ على إرثها الجماهيري الذي سيجعلها تنطلق كالفنيق من رمادها ، الذي تدفن فيه مكاتبها المسيرة التي لم تلتزام بالشفافية، والنزاهة، والتخطيط الذكي لتحقيق الطموحات الرياضية .