من المسلمات أنه ليس كل مسلم يمثل الإسلام، وليس كل مسلم يعكس حقيقة الإسلام الذي تبقى شريعته جامدة مالم تُطبق على حقيقتها خارج المحتويات أمهات الكتب المودعة في مكتبات التراث الإسلامي الكبرى ، وما لم تُمثل تعاليمه خير تمثيل بعيدا كل البعد عن الأيديولوجيات الإسلاموية والأهداف المبيتة للجماعات المتطرفة التي حولت الأديان من ثورات بدأت على أيدي الأنبياء إلى أفيون قوامه الفتاوي الفقهية الشاذة الملوثة للفكر ، والمرسخة للجهل، والناشرة للسخف والتفاهة والسطحية التي يدمن عليها مغيبو الوعي من عامة وبسطاء المجتمعات العربية والإسلامية المقدسة لرجال الدين وشيوخه ووعاظه -أكثر من تقديسهم للدين نفسه- الذين سممون حياة الناس بما أمطروهم به من وابِل الفتاوى الرنانة والمواعظ الطنانة والأحاديث الموضوعة بهدف إقناعهم باسم الله والصحوة الدينية ، بأن الحل السحري لكل مشاكل البشرية ، وزيادة أرزاقها ، ينحصر في الاستغفار والتسبيح وكثرة الصلاة على النبي ، وباقي الأدعية والتمتمات اللفظية الدينية ، التي لست ضدها –كما يمكن أن يتبادر لبعض الأذهان الخربة- ولكني ضد ما تبطنه من صرف المسلمين عن العمل الذي لا تستقيمُ حياة إلاّ بوجودِه ، كوسيلةُ للكسب وكفايه الحاجات وسدّ النقص المؤدّي إلى الإنتاج والابداع المؤدّي إلى التطور وتحسين المعيشة المؤدي بدوره إلى نهضة الأمم وتقدّم اقتصادِها ، والذي حث عليه رب العالمين سبحانه وتعالى ، اجتهادا وكفاءة وأمانة، بقوله وهو خير القائلين :”فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” وقوله تعالة :” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” ، وقوله سبحانه : “هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً، فامشوا في مناكبها، وكلوا من رزقه وإليه النشور” ، وقوله صلى الله عليه وسلم :” والَّذي نفسي بيدِهِ لَأن يأخذَ أحدُكم حبلَهُ فيحتطِبَ على ظَهرِهِ خيرٌ لَهُ من أن يأتيَ رجلًا أعطاهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ من فضلِهِ فيسألَهُ أعطاهُ أو منعَه” .
وإن ما يدعوا للغرابة في هذه الظاهرة ، هو أنه رغم علم تجار الدين و مرتزقته ، بما ورد في القرآن والسنة من تمجيد للعمل وحفظ للعامل من السؤال وإذلال النفس، فإن حرصهم على تسويق سلوكات التقاعس والكسل والتواكل ، المخالفة لتعاليم الإسلام الصحيح ، وفرضوها على الجماهير بما يستطيعون من ترغيب وتخويف وترهيب ،فاق كل التصورات ، بدعوى أنها صلب الدين والمترجم لزبدة أفكاره وجواهر معانيه، وأنها هي كمال الإيمان والتّوحيد ، وذلك لغاية جوهرية هي إكساب مخططاتهم الإستحوادية صفة الشرعية لتحويل الدين الى سلطة قهرية لا علاقة لله بها على الإطلاق ، وآلية للإستيلاء على الوعي الجمعي والسيطرة عليه ، تحت مُسمى الدعوة وخدمة الإسلام ، التي قلوبهم لاهية عنها بحب الدنيا وتحقيق “البوز” كما يقول “اليوتوبيون” .
وفي الختام ، علينا إذا أردنا ان نبني أمة مشرفة لنا ولأجيالنا القادمة ، ان نعلي من رفعة ديننا الحنيف ونسمو بمقاصده التي استحوذ عليها المترفون ومرتزقة الدين ، الذين يعملون جاهدين على تحويل الدين والعقيدة الى آليات للسيطرة ، ووضعه في المكان الذي يليق به ، الذي وهو العلاقة الخاصة بين الفرد وربه ، حتى لا نستفيق من سباتنا يوما على جيل لا يضع أي اعتبار لما هو قيمي وأخلاقي وربما حتى ديني.