كيف نفهم المراهق؟

إنجاز: د الغزيوي ابو علي

إن الطالب حسب الرؤية التفكيكية ينظر إليه كآلة بشرية لتخزين المعلومات والمعارف حسب الرؤية القديمة، أو حسب الوظيفة الاجتماعية وهذا الطرح لا ينبغي أن نقف عنده، بل أن نكيفه حسب التطورات العلمية التعلمية دون إلغاء قدراته العقلية وميولاته ورغباته وتطلعاته، وهذا الغياب كمفهوم سيكولوجي واجتماعي ومعرفي جعله يعيد النظر في المناهج التربوية لمواجهة التحديات الجديدة التي قدمتها العلوم الإنسانية، إذ أصبح الطالب أو المتعلم اليوم مركز الاهتمام السيكولوجي والوظيفي واللساني، والبنيوي والسوسيوثقافي والسوسيولوجي والأنتربولوجي، إذ لا يحتاج المدرس إلى المعلومات فقط، بل إلى حاجات ودراسات من الوعي لمعرفة المتعلم وفكره وتصوراته وذاكرته، ونموه البيولوجي والعقلي والاجتماعي، وهذا ما أكده ستانلي هول، ومرغريت هيد حيث جعلا مفهوم المراهقة يرتبط بالبعد الأنتربولوجي والسيكولوجي كما يقول أوزي ص86، ص19، لكن المراهقة تختلف حسب اختلاف المجتمعات والقبائل والأوطان وهذا ما أكدته أودليم.

فالمراهق هو ذاك الكائن الحي والواعي، يهدف إلى الاستقلال الذاتي عن السلطة الأبوية مع ميل شديد إلى تأكيد الذات واستقلالها وخلق علاقات اجتماعية جديدة مخالفة تماما لتلك التي سادت في فترة الطفولة، بل وحتى بالنسبة لتلك التي عاشها في فترة المراهقة هي عملية نمو ونضج وتغير مستمر أكثر منها مرحلة محددة وثابتة، وهذا النضج والنمو يشمل جميع الجوانب شخصية المراهق الجسمي والعقلي والوجداني والاجتماعي والتأثير المتبادل بين هذه الجوانب ص48، فهذا التصور المتكامل بين ما هو خارجي وما هو داخلي يجعلني أعيد النظر في بعض التصورات التي ألفناها من الماضي، لأن النضج المعرفي والثقافي جعلني أحاكم كل تفسير يلغي العاطفي والنفسي والاجتماعي والتربوي، لأن جهازه الفيزيولوجي والنفسي والاجتماعي قادر على بلورة شخصيته وتكوين صيرورته داخل الفعل الاجتماعي والأسري والجامعي والمدرسي، وهذا المبدأ يجعله قادرا على تحقيق حاجاته الضرورية إذا سمح المجتمع على تحقيق حاجاته الضرورية إذا سمح المجتمع حسب فرويد لأن تحقيق رغباته وشهواته غير مسكنة رغم أنها ضرورة بيولوجية وسيكولوجية، فيصدم بالأعراف والتقاليد والقانون، فيشكل في ذاتيته نزعات عدوانية وتمردية، لأنه لا يعيش التوازن السيكولوجي نظرا للكبث الذي يتولد عبر التداعي الحر، أو عن طريق الحلم، إذن ينبغي أن تهتم به لكي تنمو شخصيته نموا متكاملا سواء على المستوى الجهاز العصبي، أو على مستوى الحواس، والمستوى العقلي والإبستيمي والمستوى المعنوي، لكن التطورات الحديثة والمعاصرة بأن المراهقة خاضعة لهذا التطور التقنوي المعولم، فعدم تقبل الذات مع طرف المراهق يؤدي فورا إلى اللاتوازن واللاتكامل وفقدان الثقة، وعدم اليقين، لذا فهو يشكل في كل شيء، مما يجعله يعيش الإنفعالات والتمرد، والهروب من العش الأسري، لذا فالمسلك الجوهري به هو أن يتقبل ذاته من أجل خلق توازن بينه وبين الآخر حسب جان بول سارتر، فالمراهق ينبغي عليه أن يعيش الواقع دون السقوط في أحلام اليقظة أو الشرود أو الكسل، بل أن يعقلن العالم حسب منطقه وليس منطق الوالد، وأن يكون ذا إرادة قوية باعتبارها ظاهرة سيكولوجية ووجودية، فهي التي تسمح له بتجاوز الضعف والتمرد لتسمح له بالاستقلالية الفكرية والعملية، كل هذا لن يتم إلا بالتربية والتكوين التعليمي المعقلن وبكل المضامين التي تعمل على تحقيق الأهداف وتحويلها إلى سلوكات وكفايات لبلوغ هذه الأهداف، من هنا نرى أن هذه الجدلية بين الهامش والمركز الأنوي يفترض معرفة بحاجاته وبنموه الغير المنفصل فهو الذي يؤسس وجوده بنفسه كما يرى سقراط، فهو المدخل والمعبر لكل الدراسات فهو القادر على الانتقال من الكائن الاجتماعي إلى الكائن الاجتماعي أي من حالة الإمكان إلى حالة الوجود الفعلي والواقعي كما يرى الخمار العلمي في إحدى محاضراته بالكلية، فالتغيرات الجسدية حسب البيداغوجيا المعاصرة تجعل قدراته الفكرية والعقلية قادرة على توظيف المهارات والكفايات لمواجهة الحياة العملية والعلمية، إذن نتساءل: ماذا يريد المراهق من هذه الحياة؟ كيف نموقع المراهق أثناء الدراسة؟ وكيف نفهمه؟ وهل الآباء قادرون على فهم التغيرات التي لحقته؟ وهل التمرد هو حقيقة أم خيال؟ أسئلة كثيرة تطاردني وتنثال علي كأنثال أحلام الضعفاء، لأن هذه المرحلة هي بمثابة المدخل للرشد وللرجولة وللوعي الكلياني، لأننا ندرك أن المعارف الإنسانية تغدو نقطة انطلاق لمعرفة الشخصية عقلانيا وعلميا، بحيث يتحقق الوعي بذاته وفي ذاته، هذا الوعي الذي يعتبر في نظر علماء النفس أهم صفة من صفات بعد المراهقة، فالانتقال من البعد الجماعي إلى البعد الذاتي هو ما يجعله يحقق حاجاته الجديدة عن طريق الكلام أو العنف أو التمرد، لذا يمتاز بعدم قدرته على التحكم في انفعالاته سواء في الغضب أو في الفرح حيث يغدو حسب الآخر شخصا غير سوي ولا واقعي تماما لدى تسعى هذه الدراسة إلى مواكبة ورصد التحولات التي تهم مجال المراهقة وذلك وفق مبادئ موضوعية ونقدية وتحليلية، لأننا ألفنا الوعي الشقي، والقهر وفرض واقع الأمر، والنهي، دون إعطاء لهذا الكائن الحي صلاحية الكلام أو التكلم، لذا ندعو إلى مراجعة المناهج والبرامج الإعلامية والسياسية والتربوية لتقويم وتنظيم الحياة الأسرية والمدرسية والمجتمعية، باعتبارها مداخل جوهرية لتجديد الرؤية الموضوعية التي تترجم هذه المبادئ والاختيارات الموضوعية بغية تمكين المراهق من تعلم وتربية وتمكين الأسرة من وسائل النجاح في التجاوز والتجاوب مع هذا الكائن الحي والعاقل والواعي وجعله مؤهلا لاجتياز هذه المرحلة.

فإذا أخذنا مثلا الأسرة المغربية باعتبارها النواة الجوهرية في بناء المجتمع، ولكنها يطغى عليها الجهل المقدس وأيضا تسودها الفقر الفكري وتفاهة الثقافة، حيث تعمل في ما في وسعها لتفادي انحراف الأبناء، بحكم الواقع المفروض وما يحتويه من الجريمة والحشيش والتبغ الأبيض، وغيرها من الموبقات التي تخلق الصراعات النفسية والانفعالية في مخ المراهق وتتضاعف ما لم يحد من يرشده ويحلل مختلف أنواع المواقف التي يواجهها، فالنمو الاجتماعي هو عبارة عن سلسلة مفتوحة في وجه الباحثين والمهتمين بالمراهقة وكآفاق تجديد القراءات خصاصا باستراتيجيات تطورية وإنجازية، لأن الهدف هو تجديد الآفاق وفق مواصفات موضوعية جديدة تستجيب لحاجات ورغبات المراهق وكذا مطالب هذا المجتمع، بكل مؤسساته وتحولاته الفكرية وفي أسسه التربوية.

فالمراهقة هي مواجهة الحياة العامة وتوظيف منطق الرشد لتحمل المسؤولية اتجاه ذاته، واتجاه المجتمع، بحيث يقوم بوظائف خدماتية لتعلم كيفية تحمل المسؤولية واستنباطها كسلوك حضاري وإنساني، من هنا تكتسي شخصية المراهق بعدا جديدا في إنجاح النشاط الحركي والقدراتي قصد تكييف المواقف السلبية مع قيم الأسرة والمجتمع والمدرسة من أجل الإبداع والاختراع، فتحقيق الوعي بالاختلاف بين الجماعات والأفراد لدليل على الاعتراف بالتعايش السلمي، والتحلي بروح التسامح كقيمة إنسانية وكونية، فالأستاذ اليوم غير قادر على مواجهة هذا البركان أو الزلزال الذي يوجد أمامه، لأن هذا الأخير لابد له من التعبير عن طاقاته السلبية من أجل بناء طاقة إيجابية، وهذه الطاقة تتطلب الحرية والمسؤولية من أجل استخراج كل ما يحيط به، إذن يتطلب من المدرس أن يعرف علم النفس التكويني والمعرفي والثقافي إذا أراد أن يفهم طبقاته السيكولوجية، والفكرية والوجدانية، فهو المسؤول الأول في توجيه الميولات والقدرات المتباينة بين الجماعة والأفراد، إذن فهو في حاجة ماسة إلى معرفة الظروف الثقافية والاجتماعية التي في ضوئها يحدث التعلم، من هنا لا يغدو المجال التربوي مجرد برمجيات تخضع لمنطق السؤال، بل هو عملية بنائية ذاتية ويقول كانط: <<إن معرفة المراهق بدون منهجيات التدريس عرجاء، ومعرفة منهجيات التدريس بدون معرفة المراهق عمياء>> ص62، – الخمار العلمي – أسس التربية – الدار العالمية للكتاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *