إنجاز: الدكتورالغزيوي بوعلي
إذا كان كل فكر وليد واقعه ومساهم في تأطيره، فإن ممارسة العنف هي ممارسة تختلف حسب الوقائع والأحداث وتتنوع بتنوع المواقف، فإذا أخذنا هذا المفهوم كأطروحة مركزية وإجراء ممارسية، فنجد أنه يظهر في تمظهرات عدة: منها ما يمارس بالكلام أو بالخطاب أو بالجسد أو بالسحر أو بالدين فهذا التنوع في بعده المعرفي والمنهجي هو استراتيجية تأويلية تجعلنا نقترب من السؤال كيف يمارس العنف؟ وهل للعنف قوانين التي تجعل المؤسسات قادرة على ردعه؟
إذن يرتبط هذا المفهوم بالمعرفة الرمزية أو بالسلطة المادية أو المعنوية، لأنه يشكل جزءا من سياسة الفضاء العمومي ومجال العيش بين الفرد والجماعة. حيث يتم بلورته وتدبيره داخل الفضاءات العمومية والمؤسسات التربوية والجامعية، وفي فضاءات التكوين والتأهيل وأيضا الفضاءات الإلكترونية، لأن العنف يتأثر ضمن المجال النظري وبالضبط في إطار الممارسة المرتبطة البلا حوارية، حيث تلامس اللامساواة، في ارتباطها كنقيض العدالة والقانون، لأن المضمون الظاهر للعنف يفهم في هذا التناقض ويشترك في خاصية الظلم، لأن العنف ضد السلم والعدل واللون والتأهيل. لأنه يمارس انطلاقا من أبعاد جسدية أو نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو عقائدية. فهذا التوظيف هو نسف للمساوات بين الأفراد على اختلاف مشاكلهم، لأن العنف كما ذكرنا يكرس الهيمنة والاستغلال الغير الضامن للعدل، بل هو مطية لتحقيق مصالح فئة على حساب الأخرى، وهذا ما نراه في مجتمعاتنا المعاصرة، فإذا أخذنا بعض النماذج التربوية سنجد أن الطالب أو التلميذ يمارس عنفه على ذاته وعلى أقرانه وعلى الأستاذ، لأنه لا يعرف ما معنى العنف لأ هدفه هو إظهار النزعة الذاتية كبعد فيتيشي يرغب في امتلاك المعرفة والهيمنة دون معرفة مرجعية هذا العنف. لذا نجد العديد من اللذين يمارسون العنف أثناء الفصل الدراسي، لأنهم لا يعرفون الأبعاد النفسية ولا الاجتماعية ولا السلطوية، بل يعتبر نفسه أنه سيد العالم، لذا ذكر العديد من الباحثين أن هذا التصور الفعلي يتركب من بعدين: بعد أسروي وبعد إرادي. إلا أنه محدود ومشروط بقوانين المؤسسة، فهو يجد نفسه في وضع أولوي وتلقائي ومحدود بعلاقته مع الآخرين، لكن إذا عدنا إلى البرامج والمقررات الدراسية، فإننا لا نجدها تتساير مع متطلبات التطور الذهني والفكري والأخلاقي عند المراهق، لأنها نصوص جافة لا تستقيم مع شروط الأبعاد النفسية والاجتماعية لأنها تفقده شخصية ويبقى مرتبطا بالذاكرة، لأن التجاهل عوامل ومحددات لهذه الشخصية تجعله يحس بالملل دون أن يدرك أن نواة الحياة هي الرغبة في تحقيق الذات، لذا يهرب من هذه الطلاسيم بطريقة لا شعورية دون أن يسأل عن هذا التلازم العضوي بين ذاته ووجوده وبين الذاكرة والوعي، لذا فإنه يلتجئ إلى ممارسة العنف والشغب لكي يثير انتباه الآخرين، فغايته هي التمييز بين ما هو سائد وبين ما هو مضمر، فخلق هذا التناقض غايته حماية ذاته وإثارة الانتباه من طرف الأستاذ، إذن فهذه الشخصية هي شخصية لا ينبغي أن نتعامل معها تعامل عقلانيا، بل لابد أن نحفر في بواطنها لمعرفة العلل التي جعلتها تمثل هذا الدور أمام التلاميذ أو الطلبة، وتبعا لسنة التطور وقانون الممارسة النفسية والاجتماعية، فإننا واجدون أن هناك خلل ما إما في الأسرة أو في المدرسة أو في البرامج أو في نفسه. لذا ينبغي أن نأخذ هذه المفاهيم كتفكير من أجل إيجاد تطابق الذات مع نفسها بشكل تام، كما تعني تميز هذه الذات عن ذوات أخرى، وهو ما يقتضي منا بالضرورة المنطقية الحديث عن هذا العنف المشخص داخل الفصل الدراسي، لأنه تفكير خارج هذا الأنا التي تشكل حقيقته الثابتة دون تحول ولا تغير. فتغدو معه هذه الحالة كبعد نفسي واجتماعي يسمح لنا بمعرفة أن الشخص دائما في حالة مستمرة من التحول والتغير كما يقول هيجل. وليس ثابتا كما يرى أرسطو، لأن الإجراءات النظرية التي يطرحها العنف مرتبطة بالوحدة والكثرة، والاختلاف والتنوع، حيث يظل العنف هو هو رغم ما يتعرض من تأويل وتجارب وسلسلات المقاربات.
ومن ثم فإن المدرسة كما يرى بيار بورديو أنها تمارس السلطة الرمزية عن طريق البرامج وغيرها، ولكن العنف ليس سهلا للقراءة والتحديد، بل يظل ثابتا وجوهريا في الشخص وفي نواة وجود الإنسان وفي الرغبات من حيث هو قوة لا شعورية، تجعل التلميذ خاضعا لها بقوة من جهة ومن جهة أخرى إنها هي التي تشكل هويته وذاتيته الكليانية وليس الوعي المحفوظ في الذاكرة، كما يقول جون لوك، إذن فالعنف هو إشكال إنساني يلامس مسألة المساواة والعدل، لأنه يفصح عن هذا التناقض الذي يعيشه التلميذ، المتمثل في العالم الإلكتروني وخاصة الألعاب “فريفاير”.
فهذا الخلق والإبداع الغير الطبيعي يجعل التلميذ خاضعا لها ومرتبطا بها ارتباط الأم بابنها. هكذا يأتي إلى المدرسة لا يعرف ما يقوله الأستاذ، فهدفه هو الحضور الجسدي وليس الفكري، لأ فهمه هو أن يرضي رغبات الوالدين، لأن هذه المعضلة تجعلنا نقول أن التلميذ الآن محكوم عليه بالاحتضار حيث لا يلتقص بالدروس ولا بالأرض، بل يعيش المحرد والخيال والغير الملموس العيني، إنها لعنة تاريخية لم يستطع الإنسان العربي أن يجد بعض الوسائل التربوية من أجل تخليص المتلقي من هذا الوصل الإلكتروني، بل هم الدولة والأسرة هو ترك هذا المتلقي يسبح في بحر بلا شواطئ، غير مشكك لا في وجوده ولا في حياته، مسلما نفسه للصمت، لذا نطالب أن نعيد قراءة هذا الواقع التربوي برؤية نقدية تتلائم مع شروط معرفة المتلقي ذهنيا وفكريا وأخلاقيا ونفسيا واجتماعيا، فهذه القراءة هي السبيل الأوحد الذي يدفعنا إلى منافسة الدول المتقدمة دون أن ننقل أو نحمي الآخر في مناهجه ولا برامجه.