بقلم الاستاذ: حميد طولست
لم يحظى لاعب كرة قدم إسباني من أصول مغربية وغينية ، بما حظي به لامين جمال ذي 16 ربيعا من اهتمام متزايد جعله موضوع نقاش عام في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي ومافة وسائل الإعلام ، ولقمة سائغة في تعليقات مختلف الجماهير والمشجعين ، ليس بسبب لأنه لاعب موهوب ومحبوب في مجال كرة القدم ، وليس بسبب ما أبان عنه من موهبة كروية فريدة وقدرة خارقة على جذب الانتباه بفضل مهاراته وأدائه الرياضي الذي جعله يلقب بـ”ميسي الصغير”، وليس بسبب ظهوره اللافت في بداية الموسم مع برشلونة التي بات موهبتها الخارقة ،و لا لحداثة عهده باللعب مع الفريق الأول، وليس بسبب ما قاله عنه مدربه السابق تشافي هيرنانديز :”إنه سيمثل حقبة جديدة” في كرة القدم ، ولكن لكونه كان مثالا حيا للاختيارات الهوياتية الشخصية وتقاطعاتها المؤثرة في حياة الأفراد والجماعات خاصةً منها ما تعلق منها بالانتماء الوطني والهوية والوطنية ،التي من الضروري التعامل معها بروح من التفهم والاحترام والسعي لبناء جسور من التواصل والتفاهم المتبادل ، لما تعكسه من تعقيدات الولاءات ، في ظل ما تعرفه الانتماءات المتعددة من تعقيدات في العصر الحديث، والتي أصبحت مثار جدل واسع وردود فعل متباينة حول الشعور بالانتماء لأكثر من بلد أو ثقافة، وما ينشأ عنها حين الاختيار بين الانتماء الشخصي والانتماء الوطني ، بكل ما تعرفه تقاطعاته الهوياتية من تعقيدات مؤثرة على حياة الأفراد الشخصية والمهنية ، والتي تعكسها هنا الجذور المزدوجة لـ”لامين جمال” -الإسباني الولادة ، والمغربي الأصل- التي يصعب معها الموازنة بين تطلعات وطنه الأصلي وبين المحافظة على هويته الشخصية والمهنية ، المتمثل وضع الاختيار المحرج بين تمثيل منتخب كرة القدم الإسباني أو المنتخب المغربي ، والذي أقدم عليه لامين جمال بحرية ودون تشتت أفكار أو صراعات داخلية أو خوف من انتقاد أو تمييز، وتأثيراتهما العميقة على قيمه الشخصية ، واهتماماته وأهداف المهنية، التي تشكل جزءًا من هويته.
الاختيار الذي اعتبرته بعض الجماهير المغربية- دون فهم لخلفيته الثقافية وقيمه المتنوعة والتعامل معها بمنطقية ومرونة – على أنه اختيار غير وطني ، ونعثوه بالخيانة وتبعاتها وما جرت عليه من تحديات وانتقادات كثيرة ، بينما رأى البعض الآخر ، أنه قرار جاء متكيفا مع التحولات والتغيرات التي طرأت على حياة لامين جمال الشخصية والمهنية ، والتي فرضت عليه احترام الهوية الجديدة المتكاملة والمتناغمة الضامنة لمستقبله الرياضي ووضعه الاجتماعي، في ظل الانتماءات المتعددة ، التي ليست شكلا من أشكال التشتت أو الارتباك الهوياتي كما يذهب البعض ، بقدر ما هي تجربة إيجابية ومصدر غنى ثقافي ،يستحقان الاحترام والتقدير ، كلما فهم التنوع الثقافي والاجتماعي واحترمت القيم والمعتقدات الشخصية، التي تختلف بين الأفراد والثقافات المتنوعة ، حسب الظروف التي من غير المنطق ، أن تُواجه -التجربة- بأبشع التحيزات وأفظع الاستجوابات المؤدية إلى الإحباط والعزلة الاجتماعية، كما أنه من الجور إلقاء اللوم على كل من يسعى لتحقيق العدل وفرص إثبات الذات في أماكن آخر غير وطنه الأصلي وطن والده الذي كان مشردا ، فركب قوارب الموت نحوى المجهول حتى رست به الأقدار بإسبانيا التي تحول بها من مهاجر لمقيم يتمتع بكل الحقوق التي مكنته من الجنسية الإسبانية والتزوج وإنجاب لامين جمال بطل قصتنا الذي تعلم أحسن تعليم ، وتطبب أحسن تطبيب ، ومارس هوايته في أحسن الظروف حتى أصبح لاعب كرة محترف يكنى بميسي الصغير، فاختار اللعب لإسبانيا عوض المغرب ، الأمر الذي رأى فيه البعض –كما أسلفت- خيانة للوطن،وبدا لهم شخصا أنانيّا يتصرّف تبعاً لمصلحته الخاصة التي يُفضلها على كُل الأشياء والأشخاص من حوله مهما كانوا مقربين ، ولا يضع اعتباراً للوطنية ، ولا يُراعي مشاعر مواطني وطن والده ، بينما حقيقة الأمر أن اختيار لامين جمال كان عربون وفاء ، وردُّ جميل ، ومقابلة إحسان بإحسان، وحفظ معروف ورده بمثله أو أحسن منه ، لبلد أكرم أباه وأمه بعدما جار عليهما الزمان ، كما يأمر بذلك ربنا سبحانه و تعالى في قوله: “وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ”.
وبغض النظر عن مختلف الآراء حول كون اختيار لامين جمال تمثيل إسبانيا ، هو تصرف صائب ومن باب العدل والوفاء ورد الجميل لوطن أكرم أبويه ، أو أنه قرار خاطئ وخيانة للوطن الأصلي لأبويه ، وبدل لومه عليه، حبذا لو نشتغل محليا بجد واحترافية وتخطيط ،على التنقيب عن آلاف الموهوبين التالفين بين الجبال والدواوير والأحياء الهامشية ، ونجعل منهم نجوما وأساطيركـ”لامين جمال” .
فمغربنا زاخر بالمواهب المحلية غير المستغلة بشكل كامل والذين ينتظرون الاهتمام والدعم الفعّالين والتطوير المستدام الذي يجعل منهم نجوما وأساطير وطنية خاصة بمغربنا وحده لا ينافسه فيهم احد.
واقسم على أنه لو استغلال المغرب إمكانياته الخارقة وركز على تطوير مواهبهم المحلية بشكل فعّال ومستدام ، وأنشأ برامج متخصصة لاكتشاف تلم المواهب وتنميتها ، فسيكون له أثر كبير على بناء ترسانة قوية من النجوم والأساطير الرياضية المغربية الخاصة بنا ، المعززة للهوية الثقافية والوطنية والممكنة الشباب من فرص تحقيق أحلامهم وإظهار قدراتهم بشكل كامل.