المجاملة أمر رائع ، والعمل بها من واجبات اللباقة وليس من مستحباتها فقط ، اذا كانت بدون إفراط ولا تفريط ، لأن المبالغة في ممارستها على حساب الحقيقة وجعلها بغير وجهتها بإدعاء ما ليس في الأحداث والمواقف ، وتضخيمه وتؤويله ، يحولها إلى وجه من أوجه الكذب والنفاق ، في جميع المواضيع والحيثيات ،التي يراد بها ترضية هذا أو ذاك ، أو اقناعه ، أو فرض الرأي عليه، أو تشويه حقيقة ما، بالتعريج او التعريض أو التلاعب بالتاريخ ، من أجل الحصول على ريع أو إمتياز، كما تجلى ذلك واضحا في تصرحات مسؤولي الجزائر على اختلاف مستوياتهم ، والتي خلت في عمومها من الذكاء والثقافة الدبلوماسية والاتزان الانفعالي ، إضافة إلى افتقار أصحابها لأسلوب الأداء وعدم امتلاكهم لمهارات التأثير بالآخرين من أجل تحقيق الأهداف وتبليغ الرسائل بالشكل المنطقي ، والسبل الملائمة ، والتي لا يحدد عدم تناسبها وتلاؤمها مع الواقع نوعية التعامل وحجمه فحسب ، بقدر ما يحدد بُعدها عن المواقف الديبلوماسية الدولية ، ويجسد شخصيات المصرحين من ناحية المؤهلات والمواهب وحتى القوى العقلية المعانية من أخطر العقد النفسية ، التي على رأسها عقدة المغرب “المروك” ، الذي أصر تبون وزبانيته خلال القمة العربية المنعقدة في بلاده ، على تجاهل ما قدمه المغرب، ملوكا وشعبا، من دعم غير مشروط للثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي ، والذي يظهر بشكل فاضح في تصريح رئيس مجلس الأمة الجزائري المشيد بدور قطر في تحرير الجزائر والذي قال فيه: “قطر لم تدخر جهدا في تقديم يد العون للجزائر من أجل استرجاع حريتها وساندت نضالنا التحرري منذ بدايته بكل الوسائل!!!!!!!!
مع العلم أن التاريخ يؤكد على أن استقلال الجزائر تم سنة 1962 ، بينما كانت قطر إحدى المشيخات الخليجية المكونة من قطر والبحرين وأبو ظبي ودبي والشارقة وعجمان والفجيرة ورأس الخيمة وأم القيوين ، ولم تستقل إلا في سنة 1971 ، الإشكال الذي يحيل إلى أمرين مؤسفين لا ثالث لهما ، الأول هو : افتراض أن السيد رئيس مجلس الأمة الجزائري لا يعرف تاريخ استقلال البلاد التي يرأس مجلس أمته ، وهذه مصيبة “بجلاجل” كما يقول المصريون عند الوقوف على الكارث العظمى، أو أنه غير ملم بتواريخ الشعوب التي يتعامل معها من منطلق منصبه الحساس ، وتلك مصيبة وكارثة أكبر وأعظم ولا تكفي فيها كل “الجلاجل” المصرية وأجراس كل البلاد العربية ، والأمر الثاني هو أن تلك التصريحات فضحت اصرار الجزائر على معاداة المغرب وعرقلة ما يعرفه من تطور وتقدم ، وتطويعه للظروف والعقبات والمعوقات الصعبة ،وتحويل حتى التي في غاية السوء والإحباط منها ، إلى منح ونجاحات أوغرت أنفسهم الحاقد ودفع بهم إلى لوم “المروك” وتحميلهم أسباب فشلهم في ادارة ما لديهم من فرص ومزايا كثيرة –اللهم لا حسد- والاستفادة منها ، اللوم المبرر للإحباط الذي يبقيهم في القاع ، الذي لن يقوموا منه إلا بعد تغيير سياساتهم في التعامل مع القضاي والتحديات والضغوط والتهديدات التي تواجهها المنطقة ، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية للمغرب ويغيروا ما تأصل بأنفسهم من حقد تجاه”المروك” الذي لا يكن لهم إلا الود والمحبة ..