حميد طولست
قبل أيام قليلة شهدت أمستردام توترات شديدة، بسبب أحداث عنف وشغب كروية وقعت بين مشجعي فريق مكابي تل أبيب وأجاكس ، أسفرت عن سلسلة اشتباكات أدت إلى إصابات وخسائر مادية ، قررت على إثرها سلطات أمستردام حضر المظاهرات لثلاثة أيام حفاظا على الأمن العام وتهدئة للأوضاع المتوترة.
إلى هنا الأمر طبيعي وعادي أن تشهد أمستردام أحداث عنف وشغب بين مشجعي فرق كرة القدم تسفر عن اشتباكات وإصابات وحتى خسائر مادية بين المشجعين ، كما يحدث في جميع أنحاء العالم وبين جماهير من مختلف الثقافات والخلفيات والتي تكون أسبابها مزيجًا من الحماس الزائد، والتنافس المبالغ فيه ، وأحيانًا لسوء التنظيم الأمني ، وطبيعي جدا أن تتخذ السلطات الإجراءات المانعة لأي تصعيد إضافي ولحماية السلامة العامة، لكن الغير العادي جدا وغير الطبيعي جدا .
لكن الغير الطبيعي وغير العادي هو الإصرار على ربط تلك الأحداث بفئة معينة من الجاليات الهولندية على أساس الأصل أو الخلفية العرقية ، كما فعل مع الجالية المغربية في هولندا التي حُملت مسؤولية أعمال فردية لا تمثل سوى قلة ، وليس مجمل الجالية .
هذا الربط غير الموضوعي ، وذاك التعميم غير المبرر وغير المقبول بين الأحداث والجاليات أو الفئات العرقية ، والذي غذته انزلاقات المدونين نحو التحيز والتعميم ، والانجراف وراء اعتماد المصادر غير الموثوقة ،والتأكيدات غير الرسمية ،والأدلة غير اليقينية التي عمقت الانطباعات السطحية وغذت التصورات السلبية ، التي خلقت موجة من التعليقات والتصريحات الإعلامية المغرضة والروايات والتفسيرات والفيديوات المتلاعبة بالعقول والمضلل للرأي العام ، التي ربطت بين الجالية المغربية وتلك الأحداث، دون أدلة واضحة، أمثال اقوالهم الواهية : “سقطت عصا السنوار في فلسطين، فالتقطها المغاربة الأحرار في أمستردام” أو” روافة –سكان منطقة الريف بالمغرب – يتسلمون عصا السنوار في امستردام ” وغير ذلك من أنواع السرد المضلل الذي تسعى به ومن خلاله مواقع التواصل لتحقيق “البوز” ، دون وعي بأنها بذلك تلصق أحداثا خطرة بجالية بريئة منها ، قد تخلق حولها صورًا خاطئة لا تمت لواقعها بصلة ، وتشوه سمعتها في بلد المهجر ، وتؤجج مشاعر العداء والتوتر تجاهها ، بدلا من تركيزها المدونين على الأسباب الحقيقية لذلك الشغب الرياضية ، وتقديم تغطيات إعلامية موضوعية ومتزنة ، -التي هي صميم دورهم الأساسي ومسؤولياتهم الكبرى تجاه القراء- المخالفة لنمط المحتويات الهابطة ذات التأثير السيئ على صورة الجالية المغربية والتي تزيد من حدة التمييز والعداء الاجتماعي تجاهها.
فلعنة الله على كُل مدون وصحاب صفحة أو قناة ، يخترع محتوى كاذبا، أو ينشُر خبراً مزيفا ، بِنِية الإساءة إلى سُمعة المغرب وعيه الجَمعي ، أو لإغراقِه في فوضى قاتلة مُدمِّرة، أو سعياً وراء تحقيق أهداف شريرة خبيثة، تجَعل الهولنديون يكرهونه ، أو لِتَأليبهم ضِده ، مع الزعم و التأكيد على أن غايته العُليا هي نُصرة و خِدمة القضية الفلسطين ، التي يعلم المدونون علم اليقين أنه لا خلاص خارجيا لها وللشّعب الفلسطيني من المذابح والمحو والإبادة، إلا بما يحقّقه هو بنفسه في إدارة معركته لأجل حرّيته، وبدعم حقيقي من الشّعوب الحرّة في العالم، وبيقظة العرب وإصلاح حالهم ، وليس بالفنطازيات الدونكيشوتية…