حميد طولست
في مثل هذه اللحظة وفي مثل هذا المكان ، أشعر بالسعادة المطلقة ، فأغلق عيني وأحاول التمتع باللحظة لأبعد الحدود، وأحاول استيعاب كل ما يدور حولي من أصوات الناس وهم يتكلمون لغات أفهم بعضها ولا أستوعب أكثرها، ومن روائح الهواء ونكهات الأشياء التي تميز المكان عن باقي المكنة الأخرى ، إنها والله للحظة مليئة بالحب والسعادة ي كتشف المرء خلالها أنه لا يريد أن يكون الأفضل في هذا العالم ، وإن كل ما يريده هو أن يجلس هادئ البال مُعتدل المزاج كالجلسة المستريحة التي اتخذها ضِيَاءُ اَلدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ اَلْمَالَقِيُّ المعروفُ ابْنِ اَلْبَيْطَارِ الملقب بالنَّبَاتِيِّ والعَشَّاب، على شاطئ منتجع المدينة الساحرة “بينالميدينا ” -المطلة على البحر المتوسط والقريبة من مدينتي “تورمولينوس” و”ملقا” – والتي يحبها كل من يزورها و يحب الألفة التي تتركها في النفس لا يُعرف سرها وأسبابها، على كثرتها، والتي يحسها زوارها في العديد من المزايا الملموس التي لا تحتاج إلى كثرة الشواهد ، والتي منها على سبيل المثال لا الحصر ،في بساطة ذوقهم العام ودماثة خلقهم الذي يشكل عندهم قوة كبيرة مانعة للسلوكيات الشاذة والتصرفات المنحرفة والغريبة، ويستشعرنها في إنسانيتهم المتأصلة التي لا يستطيعون التجرد عنها ، ويشعرون بها في رقي تعاملهم وسلوكياتهم المراعية لاحتياجات الإنسان، والمسخّرة لكل سبل الراحة والأمان والاطمئنان ، ويتلمسونها في طيبة قلوبهم وفي رحابة نفوسهم ،وفي طلاقة وجوههم وبشاشتها ، و يجدونها في لطف الشرطي وعامل المطار ، وفي لباقة سائق التاكسي وتأدب نادل المقهى أو المطعم ، وفي دفئ النظرات المتلألئة بهجة في عيون المارة في الشوارع والأسواق والمهرجانات العامة ، والتي لا تنظر إلينا على أي شكل من الأشكال غير أننا أناس مثلهم فقط ، ولا يهمهم منا سوى مبادلتهم نفس التقدير لننال احترامهم التلقائي ، الذي يلقي جذوة الضوء في القلوب ، ويجعل النفوس رحبة ، الوجوه باشة ، والأيدي طلقة ، والحياة سهلة، والعيش أسعد، والأفعال أفضل ، والأعمال أكرم ، وغيرها من المميزات التي لا سبيل لشرحها، ويكفيها أنها تستقبل زائريها بترحاب أندلسي أمازيغي كريم، وتودّعهم بعبارة “ننتظر عودتكم قريباً”..