سلطت مكتبة قطر الوطنية في الجلسة الثانية من سلسلة فعاليات “الصالون الثقافي” بالشراكة مع جامعة حمد بن خليفة الضوء على موضوع الذكاء الاصطناعي من منظور العلم وتحديات العمل والأخلاق، بمشاركة خبراء وأكاديميين متخصصين في علوم الحوسبة والأخلاقيات.
وناقشت الجلسة -التي أقيمت مساء أمس الاثنين- التحديات والفرص والاعتبارات الأخلاقية المترتبة على استخدام الذكاء الاصطناعي وتأثيره في إعادة تشكيل عالمنا على كافة الأصعدة المهنية والمجتمعية والثقافية.
تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي
وقال الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري وزير الدولة رئيس مكتبة قطر الوطنية إن “الصالون الثقافي لمكتبة قطر الوطنية بدأ يشق طريقه بنجاح ويؤكد دوره كمنبر حواري وفكري ملهم في المشهد الثقافي القطري يرسخ مكانة مكتبة قطر الوطنية كمؤسسة ثقافية مبادرة وفاعلة وسباقة إلى مناقشة أبرز التوجهات والتطورات والقضايا في مختلف مناحي المعرفة على الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية”.
وأضاف الكواري أن الذكاء الاصطناعي صار الشغل الشاغل والحديث الدائم لمختلف وسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا ومحركات البحث، ومناقشته جاءت إدراكا من المكتبة “لأهمية هذه التقنية واستشرافا لآفاقها الرحبة والواسعة وانطلاقا من دور المكتبة في تثقيف المجتمع وتوعيته بأهم التطورات التي تؤثر على مختلف أفراده، سواء في العمل أو الدراسة أو الأنشطة الحياتية اليومية”.
تأثير الآلة
وأدار جلسة “الصالون الثقافي” مدير معهد قطر لبحوث الحوسبة في جامعة حمد بن خليفة الدكتور أحمد المقرمد، وتحدث خلالها كل من الدكتور غانم السليطي خبير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بمعهد قطر لبحوث الحوسبة في جامعة حمد بن خليفة والدكتور محمد غالي أستاذ الدراسات الإسلامية وأخلاقيات الطب الحيوي بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة.
وافتتح الجلسة الدكتور المقرمد بتقديم نبذة وخلفية عامة عن تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتعقيداته وأهميته وتأثيراته المحتملة، وقال “يهدف الذكاء الاصطناعي إلى تصميم وبناء أنظمة قادرة على تنفيذ مهام مختلفة بالاعتماد على قدرة الآلة على التعلم الذاتي واتخاذ القرارات بشكل مستقل، نستخدم الذكاء الاصطناعي اليوم في العديد من أنشطتنا الحياتية اليومية، فقد أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في الكثير من المجالات، ومنها السيارات ذاتية القيادة التي كانت ضربا من الخيال قبل عدة سنوات”.
وأضاف المقرمد أن “الذكاء الاصطناعي أسهم في تسريع وتيرة إنجاز كثير من الأعمال الروتينية، وتمكين الإنسان من نقل تركيزه إلى مراقبة الجودة وتحسين تخصيص الموارد والإنتاجية، وتحليل الأخطاء والتحسين المستمر للعمليات وإتاحة مجال أكبر للإبداع بدلا من تكرار العمليات الروتينية”.
أما الدكتور غانم السليطي فقد ركز على تأثير الذكاء الاصطناعي على المهن المختلفة، ومنها الطب والقانون والتعليم والهندسة والتصميم والمحاسبة، قائلا إن “الذكاء الاصطناعي أداة لتطوير وتعزيز القدرات والوظائف البشرية وليس لإحلالها، فعلى سبيل المثال، قد يستخدم الطبيب برنامجا للذكاء الاصطناعي للمساعدة في اكتشاف المشكلات الصحية لدى المرضى، وقد يستخدم المعلم الذكاء الاصطناعي لمساعدة كل طالب على التعلم بطريقته الخاصة، وفي هذه الحالات لا يحل الذكاء الاصطناعي محل الموظفين، بل يصبح أداة مفيدة تساعدهم على أداء وظائفهم بشكل أفضل”.
وأضاف السليطي “تشير الدراسات والتقارير الحديثة إلى أن الوظائف المكتبية للمهنيين المتخصصين سوف تتأثر بالذكاء الاصطناعي أكثر من وظائف العمال، ومع تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ستظهر وظائف لم تكن موجودة من قبل، مثل الحاجة إلى خبراء في صيانة أنظمة الذكاء الاصطناعي وتدريبها وأخلاقيات استخدامها، الأمر الذي سيؤدي إلى نشأة صناعات ومهن جديدة”.
أخلاقيات الذكاء الاصطناعي
أما الدكتور محمد غالي فألقى كلمة عن الجوانب الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، قائلا “لا تزال النقاشات الشرعية والأخلاقية حول موضوع الذكاء الاصطناعي في بداياتها، ومعظم ما صدر إلى الآن مجرد فتاوى موجزة ردا على أسئلة واستفسارات حول قضايا جزئية، في رأيي الشخصي المبادئ الحاكمة المتداولة حاليا (مثل العدالة والشفافية واحترام الخصوصية.. إلخ) قد تمت صياغتها بشكل عام وفضفاض للغاية حتى لا يكاد يختلف معها أحد تقريبا، بما في ذلك شركات التكنولوجيا العملاقة”.
وأضاف غالي “بالنظر إلى الوضع الحالي وتوقع التطورات القادمة يبدو أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستضفي المزيد من التعقيد على المسائل الأخلاقية، السيناريو الأسوأ هو أن يتحول “إنتاج المعرفة” إلى سوق تجاري تتحكم فيه الشركات الضخمة للتكنولوجيا، لأنها ستتمكن من الحصول على أكبر قدر ممكن من الملكيات الفكرية”.
وأشار إلى أن “هذا التطور سيشكل تحديات جسيمة، ليس فقط على مستوى المبادئ الأخلاقية الكبرى، بل أيضا أمام تطبيقها على أرض الواقع بما يتفق مع ثقافات الشعوب ومعتقداتها الدينية، ونأمل أن يكتسب عموم الناس الوعي بمثل هذه المخاطر، وأن ينتج عن ذلك ضغط على هذه الشركات لتغيير سلوكها إزاء هذه الجوانب الأخلاقية”.
و”الصالون الثقافي” مبادرة من مكتبة قطر لتحقيق رسالتها الساعية إلى تمكين المواطنين والمقيمين في قطر من التأثير الإيجابي في مجتمعهم عبر توفير بيئة استثنائية للتعلم والاستكشاف.
ويهدف الصالون إلى إتاحة منبر فكري وحوار مفتوح بين نخبة المتخصصين والجمهور العام، مما يثري المشهد الثقافي ويعزز الوعي المجتمعي بأهم القضايا والتوجهات المعاصرة.