سعيد الطواف – دكتوراه في القانون
يعد قطاع الشباب من القطاعات الوزارية التي تعرف فراغا قانونيا كبيرا لتسيير دواليب إدارتها وتدبير أنشطتها، إذ لا تتعدى المرجعية القانونية لوزارة الشباب سوى 3 مراسيم و 3 قرارات وزارية تم نشرها بالجريدة الرسمية لحد الآن، فبالنسبة للمراسيم، يتعلق الأول بتنظيم مراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب والصادر يوم 08 شتنبر 2021، وثاني مرسوم يهم تنظيم مؤسسات الشباب التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب والصادر في 3 غشت 2022، وثالثهم المرسوم المتعلق
بتحديد اختصاصات وتنظيم قطاع الشباب والصادر في 12 يناير 2023 (جاء بتعديلات لمرسوم 21 ماي 2013)، بينما القرارات الوزارية الصادرة بالجريدة الرسمية، فيتعلق الأول بتحديد النظام الداخلي لمراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب الذي صدر يوم 5 يوليوز 2022، وآخر يحدد المعايير التقنية وشروط الصحة والسلامة الواجب توفرها في مراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب والذي صدر في نفس اليوم أي 5 يوليوز 2022، وثالث القرارات يهم تحديد وتنظيم واختصاصات الأقسام والمصالح التابعة للإدارة المركزية لقطاع الشباب والصادر في 13 يناير 2023. لكن يبقى مشروع قانون المتعلق بالتخييم الذي وأد في المهد قبل سنتين، أهم تشريع كاد أن يكون باكورة الاحتفال بمئوية المخيمات بالمغرب، إلا أنه لم يكتب له النجاح وتم دفنه بين بيروقراطية الإدارة وتعنت مقبرة القوانين.
80 سنة من المخيمات بدون تشريع
إذا كان المستعمر الفرنسي قد ساهم في مأسسة عملية التخييم بالمغرب من خلال مجموعة من التشريعات مثل الظهير الشريف الخاص بتنظيم إدارة الشبيبة والرياضات المؤرخ في 28 شتنبر 1940، والمنشور بالجريدة الرسمية[1] عدد 1481 بتاريخ 14 مارس 1941، والموقع من طرف محمد المقري وأذن بنشره القوميسير المقيم العام نوكيس، حيث جاء في فصله التاسع : “تشتمل الأقسام الخارجية المكلفة بالشبيبة و الرياضات على مراكز لتهذيب أبدان الشبيبة وعلى محلات مستمرة أو مؤقتة وبوجه عام على جميع المنظمات التي تهم الشبيبة والرياضات، وكذلك الظهير الشريف المتعلق ببعض مؤسسات المخصصة بالشبيبة والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 1492 بتاريخ 30 ماي 1941، والموقع من طرف محمد المقري وأذن بنشره المعتمد بالإقامة العامة ميريي بتاريخ 8 أبريل 1941، ومما جاء في فصله الأول، أن المؤسسات الخاصة بتهذيب الشبيبة مثل ميادين الألعاب في الهواء الطلق أو المراكز التي يأوي إليها الأولاد والفتيان المخصصة باستراحة الصبيان فيتوقف إحداثها أو توسيعها أو تحويلها من مكان إلى آخر على إذن مدير الصحة العمومية والشبيبة بعد استشارة مدير الأمور السياسية ومدير العلوم والمعارف. الظهير الشريف المتعلق بإحداث مؤسسات ما يعرف بـ”منازل الشبيبة”، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 1498 بتاريخ 11 يوليوز 1941، والموقع من طرف محمد المقري وأذن بنشره القوميسير المقيم العام نوكيس بتاريخ 7 يونيو 1941، جاء في فصله الأول، أنه يحدث بالرباط لدى إدارة الصحة العمومية والشبيبة، مؤسسات يطلق عليها اسم ” منازل الشبيبة” ويكون الغرض منها جميع المسائل المتعلقة بتهيئة المنازل بالبادية ومئاوي المراحل وديار الاستقبال والتنزه والملاجئ..إلخ، المعدة للشبيبة أو بتعيين كيفية استعمالها.
فإن خروج هذا الاستعمار الغاشم سنة 1956، لم يشفع لجميع الوزراء المتعاقبين على قطاع الشبيبة، منذ عهد أحمد بنسودة، الذي كان أول مسؤول وزاري للقطاع فجر الاستقلال، عندما عين كاتبا للدولة في الشبيبة والرياضة سنة 1956، وإلى غاية سنة 2021 -لم يشفع- لهم بأن يقوموا بمأسسة قطاع التخييم عبر تشريعات مغربية خالصة، فما بين أولى الظهائر الشريفة في عهد الحماية وما بين أول مرسوم وزاري يخص المخيمات، أهدرت 80 سنة من الزمن التربوي والقانوني كان بالإمكان خلالها إنتاج تشريعات قوية تمؤسس لأهم نشاط ينظمه قطاع الشباب بالمغرب.
من مقترح قانون إلى مجرد مرسوم
خلال عرض تقدم به أمام مجلس الحكومة حول البرنامج الوطني للتخييم برسم سنة 2018، كان وزير الشباب والرياضة آنذاك، رشيد الطالبي العلمي، قد أكد أن وزارة الشباب والرياضة أطلقت المشاركة في العرض الوطني للتخييم ومجالاته في 30 يناير 2018، وأن الوزارة بصدد إعداد مشروع قانون يتعلق بتنظيم المخيمات في إطار مقاربة تشاركية. بعد سنتين ونصف من هذا التصريح المهم الذي يؤرخ لأول مبادرة وزارية تهم أول تشريع مغربي يخص نشاط التخييم بعد استقلال المملكة، طرح البرلماني جمال بنشقرون كريمي عن المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية، سؤالا كتابيا بمجلس النواب، بتاريخ الاثنين 15 يونيو 2020، موجه إلى السيد الوزير، حول “مآل مشروع قانون يتعلق بتنظيم المخيمات” جاء فيه: “السيد الوزير؛ تحية تقدير واحترام وبعد، في معرض تدخلكم يوم الأربعاء 06 يونيو 2018 أمام لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، تحدثتم السيد وزير الشباب والرياضة عن إعداد وزارتكم لمسودة مشروع قانون متعلق بتنظيم المخيمات، وأكدتم وقتها وجود هذا المشروع في طور الدراسة بمصالح الأمانة العامة للحكومة. ومنذئذ، لم نسمع أي شيء عن هذه المسودة، مما جعلنا نتوجه إليكم بهذا السؤال الكتابي حول مآلها؟ وفي انتظار تفضلكم بالجواب، تقبلوا أسمى عبارات الاحترام”.
جواب الوزارة لن يتأخر، حيث تمت الإجابة كتابيا[2] عن السؤال البرلماني من طرف الوزير الذي خلف رشيد الطالبي العلمي على رأس الوزارة، وهو عثمان الفردوس، في 6 يوليوز 2020، ومما جاء في الجواب الوزاري: “وللإشارة فإن مشروع القانون – موضع سؤالكم – قد تم إرجاعه للوزارة من قبل مصالح الأمانة العامة للحكومة التي أثارت بصدده مجموعة من الملاحظات القانونية الشكلية والموضوعية، حيث أشارت خلال اجتماع ممثلي الوزارة بممثليها إلى أن مرسوم اختصاصات الوزارة يمنحها الحق فقط في تدبير المخيمات التابعة لها، فكانت تلك أسباب صياغة مشروع مرسوم في هذا الصدد (وهو المرسوم المتعلق بتنظيم مراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب، الذي سيصدر بعد جواب الوزير بشهرين حيث صدر بتاريخ 8 شتنبر 2021) .
الأمانة العامة للحكومة تجانب الصواب والوزارة لم تدافع
وفقا لجواب الوزير عثمان الفردوس، يتبين أن مصالح الأمانة العامة للحكومة أثارت مجموعة من الملاحظات القانونية الشكلية والموضوعية حول مشروع القانون، وأهم هذه الملاحظات أن مرسوم اختصاصات الوزارة (تعني به مرسوم رقم 254-13-2 صادر في 10 رجب 1434 الصادر بتاريخ 21 ماي 2013 يخص تحديد اختصاصات وتنظيم وزارة الشباب والرياضة) يمنحها الحق فقط في تدبير المخيمات التابعة لها، فكانت تلك أسباب وأد مشروع القانون والتوجه نحو صياغة مشروع مرسوم وزاري.
بالرجوع إلى المرسوم الوزاري[3] لسنة 2013 والذي يهم تحديد اختصاصات وتنظيم وزارة الشباب والرياضة، نجد مادته الأولى تقول : “تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالشباب والرياضة ، في إطار النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ، مهمة إعداد وتنفيذ السياسة الحكومية في مجالات الشباب والرياضة والطفولة والإنعاش النسوي ، ولهذه الغاية تناط بها المهام التالية :
– إعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بمجالات الشباب والرياضة ؛
– السهر على وضع الآليات الكفيلة بإدارة وصيانة ومراقبة الممتلكات والمؤسسات التابعة لوزارة الشباب والرياضة أو الموضوعة رهن إشارتها”. كما أن مادته 6 تؤكد على أن مديرية الشباب والطفولة والشؤون النسوية التابعة للوزارة تضطلع بالعديد من المهام من بينها: تتبع ومراقبة مؤسسات الطفولة والشباب والشؤون النسوية التابعة لوزارة الشباب والرياضة، والقيام، في إطار النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، بمراقبة مؤسسات الطفولة والشباب التابعة للقطاعين العام والخاص.
وبالتالي فإن التفسير الذي اهتدت إليه مصالح الأمانة العامة للحكومة من خلال هذه المقتطفات من المرسوم، هو أن هذا الأخير يمنح الوزارة فقط الحق في تدبير المخيمات التابعة لها!! فهل أخطأت الأمانة العامة للحكومة التقدير؟ نعم وبكل تأكيد، لأن المرسوم ينص صراحة في مادته السادسة أن مديرية الشباب والطفولة والشؤون النسوية التابعة لوزارة الشباب والرياضة لها صلاحية مراقبة مؤسسات الطفولة والشباب التابعة للقطاعين العام والخاص، ومن بين هذه المؤسسات “المخيم”، وهو ما يحيلنا إلى أن المراقبة الإدارية للوزارة هي مراقبة قبلية وبعدية، تمارسها الوزارة على كل هيئة (وزارة – جماعة – شركة …إلخ) تريد تنظيم مخيم لأبناء موظفيها أو منخرطيها، وذلك من خلال مراقبة احترام التشريعات والقرارات الصادرة عن الوزارة والتي تهم العملية التخييمية برمتها، أي قبل التنظيم وأثناءه وبعده، وهكذا تكون القطاعات الأخرى، مجبرة على احترام مبدأ المشروعية التي خصها المرسوم في علاقة الوزارة الوصية على التخييم بالهيئات الأخرى .
في الجانب الآخر، يبدو أن وزارة الثقافة والشباب والرياضة في عهد الوزير السابق عثمان الفردوس، قد اختارت الهروب من ملاحظات الأمانة العامة للحكومة، بأن أعرضت عن المضي قدما في إخراج هذا القانون الشامل لمنظومة التخييم، واقتصرت فقط على إنجاز مرسوم وزاري تقني يقتصر فقط على المسائل التنظيمية الصرفة لتدبير المخيمات التابعة للوزارة.
بل إن وزارة الشباب والثقافة والتواصل، قامت بتعديل مرسوم 2013 وانساقت مع ملاحظات الأمانة العامة للحكومة، من خلال إخراج مرسوم رقم 874-22-2 صادر في 19 من جمادى الآخرة (12 يناير 2023) بتحديد اختصاصات وتنظيم قطاع الشباب[4]، والذي نص في مادته السادسة على أن مديرية الشباب تضطلع فقط بتتبع ومراقبة مؤسسات الشباب التابعة للقطاع ووضع وتنمية برامج تأطيرية وتربوية داخل المخيمات، أي أن مهمة مراقبة مؤسسات الطفولة والشباب التابعة للقطاع الخاص التي كان يخولها مرسوم 2013 لم تعد لها أي وجود في 2023. وهنا يطرح التساؤل، هل سيقوم قطاع الشباب بعملية تتبع مخيمات القطاع الخاص كما كان سابقا وخاصة بمخيمات الأطلس؟.
الحدود الفاصلة بين القانون والمرسوم
يصعب في عدد من الحالات، وضع حدود واضحة بين المجال التشريعي (مشروع قانون – مقترح قانون …) والمجال التنظيمي (مرسوم-قرار …)، فإذا كانت أهم مراحل سن القاعدة القانونية هي إنجاز تشخيص قانوني وواقعي لمدى ضرورة هذا القانون[5]، فإنه من الضروري كذلك التأكد من أن هذه القاعدة، هي جزئيا أو كليا ذات طابع تشريعي أو تنظيمي، أي هل يجب أن تصاغ على شكل قانون أو مرسوم. وقد حسم دستور المملكة المغربية لعام 2011 في هذه المسألة عندما حدد مجالات القوانين (أي جميع القوانين التي يجب أن تناقش داخل مجلسي البرلمان) طبقا للفصل 71 من دستور 2011، فمجال القانون يشمل الحقوق الفردية والجماعية، وتحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها، والمسطرة المدنية والمسطرة الجنائية وإحداث المحاكم، والنظام الأساسي للقضاة، والنظام الأساسي للوظيفة العمومية، والضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين، والنظام الانتخابي لمجالس الجماعات المحلية، ونظام الالتزامات المدنية والتجارية، وإحداث المؤسسات العمومية، وتأميم المنشآت ونقلها من القطاع العام إلى القطاع الخاص، والتصويت على قوانين الإطار.
وتنضاف إلى المجال التشريعي المذكور، بمقتضى الفصل 71 من دستور 2011، اختصاصات أخرى موزعة على أبواب الدستور تتمثل في: حدود ممارسة الحريات العامة بالفصل 9، والإجراءات الجنائية بالفصل 10، وضمان حق الملكية والمبادرة الخاصة بالفصل 15، وإحداث التكاليف وتوزيعها بالفصل 17، والمعاهدات التي تلزم مالية الدولة بالفصل 31، وقانون الإذن بالفصل 49، وإصدار قانون المالية ومخططات التنمية بالفصل 50، واختصاص المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات وقواعد تنظيمها وطريقة سيرها بالفصل 99.
يستخلص إذن، بأن مجال البرلمان في سن القوانين محدد بمقتضى الدستور على سبيل الحصر، مع إسناد ما دون ذلك للسلطة التنظيمية (عبر المراسيم – القرارات …)، كما هو ظاهر من الفصل 71 من دستور 2011.
وبالتالي يطرح التساؤل في موضوعنا المتعلق بمجال التخييم: هل يجب أن يؤطر عبر قانون أم مرسوم؟
فالمجالات الـ 30 التي حددها الفصل 71 من الدستور[6] لا تتضمن “نشاط التخييم” أو الترفيه بصفة عامة، كمجال يمكن للمشرع أن ينجز على إثره مشروع أو مقترح قانون، لكن عند التدقيق في الفصل الدستوري السالف الذكر، يلاحظ أنه أكد على أن البرلمان يختص بالتشريع في “الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في التصدير، وفي فصول أخرى من هذا الدستور”. فأين تتجلى هذه الحقوق المرتبطة بمجال التخييم، والتي يمكن أن نستشف منها أن مجال التخييم يستحق قانونا وليس مجرد مرسوم فقط.
لقد نص الدستور المغربي، على مجمل حقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تكريس سمو الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب والتنصيص على ملاءمة هذه التشريعات مع مقتضياتها.
وهنا سنركز على 3 فصول، هي الفصل 6 والفصل 31 والفصل 33 من دستور المملكة، حيث يكفل الدستور في الفصل 6 : “الحق في المشاركة في الحياة الثقافية: ” تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية”.
والفصل 31 يتضمن:”الحق في الشغل والصحة والتعليم: ” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة والحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة والتنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة والتكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية و السكن اللائق والشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي وولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق والحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة والتنمية المستدامة”.
وينص الفصل 33 أنه “على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق ما يلي: توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد؛ ومساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني؛ وتيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا، والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات”.
وبالتالي، نستخلص أن الدستور أعطى الحق للمغاربة بأن يشاركوا في الحياة الثقافية والاجتماعية، من خلال الفصل 6 من الدستور، وكذلك منح لهم الحق في الاستفادة من التربية البدنية والفنية، من خلال الفصل 31 من دستور 2011، كما أن على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد؛ ومساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وتيسير ولوج الشباب للثقافة والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات.
وهي كلها أنشطة تمارس داخل فضاء المخيم. وبذلك يكون مجال القانون قد أدرج بين طياته كل الأنشطة الثقافية والفنية والاجتماعية والبدنية التي تمارس داخل المخيمات، مما يعني أن هذا النشاط يجب أن يؤطر بقانون يناقش داخل قبة البرلمان من طرف ممثلي الأمة.
المرسوم الوزاري .. الأمر الواقع
إن نطاق السلطة التنفيذية في التشريع يتحدد طبقا لتفسير نص الفصل 71 من الدستور، والتي
عملت على تحديد النطاق المحجوز للقانون، فيدخل في نطاق الحكومة والوزارات التابعة لها كافة الموضوعات التي لم يرد ذكرها في التعداد الذي تضمنه هذا الفصل، ومن ثم تستطيع السلطة التنفيذية أن تُشرِّع –وبحرية- في أي موضوع يخرج عن نطاق القانون[7]، وأن القيد الوحيد الذي يرد على
السلطة التنفيذية في مجال التشريع وجوب احترام النطاق المحجوز للقانون المعين في الفصل 71 من الدستور، لكونه يمثل منطقة حكرا للسلطة التشريعية لا يجوز لغيرها أن يطرقها بالتشريع، ويبدو أن هروب وزارة الشباب من ملاحظات الأمانة العامة للحكومة انبثق عنه تفسير ضيق للفصل 71 من الدستور وارتأت بأن هذا الفصل لم يرد من ضمن نطاقاته ما يدعو إلى المضي قدما في تقنين مجال التخييم بمشروع قانون، لتتجه نحو ما يخوله الدستور للسلطة التنفيذية في إخراج مرسوم دون أدنى نقاش مجتمعي، وفي غياب أي إمكانية للتصدي له.
وبذلك أضحى المرسوم رقم 2.21.186 المتعلق بتنظيم مراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب والصادر يوم 08 شتنبر 2021، أول منتوج تشريعي يهم مخيمات قطاع الشباب، وأضحى أمرا واقعا يجب على موظفي القطاع والجمعيات المستفيدة من نشاط التخييم الانضباط لمضامينه .
ملاحظات حول منهجية إعداد المرسوم
لاحظ العديد من المتتبعين أن إعداد مشروع مرسوم مراكز التخييم، تمّ من دون إشراك الأطر الوزارية المتمرسة في هذا المجال، وكذا الجمعيات والمنظمات الوطنية المتخصصة في أنشطة التخييم وعلى رأسها الجامعة الوطنية للتخييم و الرابطة المغربية للمكونين التربويين، في تراجع عن منهجية بعض الوزارات في إعداد مشاريع القوانين والمراسيم، حيث دأبت وزارة العدل مثلا على إرسال مسودة التشريعات التي تود طرحها إلى الجمعيات المهنية، وتطلب ملاحظاتها داخل أجل محدد، كما أنها تنشر المسودة في الموقع الرسمي للوزارة وللعموم في إطار النشر الاستباقي للمعلومات.
فالجامعة الوطنية للتخييم، وفقا لقانونها الأساسي[8]، تستمد مشروعيتها من رصيد وتراكم اللجنة الوطنية للمخيمات المحدثة سنة 1983 والهيئة الوطنية للتخييم المؤسسة سنة 2005، كأجهزة ومنابر استشارية إلى جانب وزارة الشباب. وبذلك كان على الوزارة الوصية صاحبة المرسوم إشراك أطر الجامعة التي تمرست داخل فضاءات المخيمات لعشرات السنين، ونفس الملاحظة تنطبق على الرابطة المغربية للمكونين التربويين التي تضم خيرة الأطر التربوية المتمرسة في مجال التخييم بالمغرب.
وباعتبار أن الصياغة التشريعية هي اللسان الناطق بجوهر النص القانوني، وبقدر نجاح هذه الصياغة أو فشلها يكون حظ هذا النص من النجاح أو الفشل متغيرا، لذا تحرص الدول في العصر الحديث على توفير مقومات الصياغة الجيدة لتشريعاتها المختلفة إدراكا منها بقيمة هذه الصياغة ودورها المتعاظم في الارتقاء بمستوى تشريعاتها[9]، فإن هناك العديد من الأصوات عبرت عن عدم رضاها عن هذا التشريع الذي اعتبرته إحدى المنظمات الوطنية ” مرسوما مبتورا من أصله ينظم فقط فضاءات التخييم التابعة للوزارة الوصية، متناسيا كل الفضاءات الأخرى..”.
حركة الطفولة الشعبية تنتفض
إذا كانت الجامعة الوطنية للتخييم وهيئات أخرى، قد استعاضت عن الخروج ببلاغ واضح يعبر عن وجهة نظرها في أول مرسوم ينظم المخيمات، فإن إحدى المنظمات الوطنية الشهيرة وأحد الأعضاء المؤسسين للجامعة، وهي حركة الطفولة الشعبية التي رأت النور قبل 67 سنة، أصدرت خلال السنة الماضية بلاغا شديد اللهجة يهم بشكل أساسي جوهر النص القانوني المنظم لمجال التخييم.
ومما جاء في البلاغ[10]، أن المرسوم الخاص بتنظيم مراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب، الذي تكلم عن المخيمات، هو مرسوم مبتور من أصله ينظم فقط فضاءات التخييم التابعة للوزارة الوصية، متناسيا كل الفضاءات الأخرى الخاصة والتجارية والتابعة للقطاعات الأخرى، وتلك المسؤولة عن المصالح الاجتماعية للعديد من الوزارات والمؤسسات العمومية؛ في كل الجوانب المتعلقة بها، ولاسيما إنشائها والترخيص لها، وكأنه يقوم مقام دورية أو مذكرة.
مضيفا أن الجامعة الوطنية للتخييم في غياب مرجع قانوني يسند لها أدوارا حقيقية في تنسيق وتدبير ملف التخييم بالمغرب يوازن بين مهام القطاع الحكومي والعمل الجمعوي؛ فإنها اليوم أولا غائبة في المرسوم المنظم للمخيمات، وثانيا تقوم بما لم تعد تقوم به المصالح التقنية للوزارة، ويمرر من خلالها العديد من القرارات التي لا تعتبر من مهامها ووظائفها.
كما أشارت حركة الطفولة الشعبية أنها كانت قد طالبت بعقد مناظرة في الموضوع وانخرطت جمعيات اتحاد المنظمات التربوية المغربية والجامعة الوطنية للتخييم بهدف تنظيم حوار شامل ومسؤول، ليتضح اليوم وأكثر من أي وقت مضى أن الحاجة أصبحت ضرورية لتجاوز الأزمة وكل تمظهراتها.
كما طالبت المنظمة أنه أصبح ضروريا ومستعجلا اليوم العمل على تنظيم القطاع وتأطيره بقوانين ولوائح ضد التوالد الفطري لمخيمات ومصطافات بدون قيد ولا شرط تفتح المجال لمضاربات مشينة في ظروف أزمة الإمكانات المتوفرة للأسر لقضاء عطل أطفالهم.
إشكالات في تطبيق المرسوم
لا تتعدى مواد أول مرسوم ينظم مراكز التخييم التابعة لقطاع الشباب 24 مادة، وهي بحسب تاريخ المخيمات بالمغرب الذي يفوق المائة سنة، يعتبر عددها قليل لضبط إيقاع العملية التخييمية ذات المشارب المتعددة أهمها التكوين والتأطير والتسيير الإداري والتدبير المالي والتنشيط التربوي وتطوير الشراكات …إلخ . ورغم محدودية هذه المواد يمكن رصد 11 مادة يمكنها أن تطرح بعض الإشكالات في تطبيقها وتثير بعض الملاحظات أهمها:
- المادة 1: كرست هذه المادة ملاحظة الأمانة العامة للحكومة والتي كانت سببا في وأد مشروع القانون الذي كان سيؤطر نشاط التخييم بالمغرب، حيث حددت المادة الأولى من المرسوم بأن مراكز التخييم (بالنسبة للمخيمات القارة حددت في الملحق المرفق بالمرسوم في 53 مخيما موزعا على 12 جهة بالمملكة، بينما مخيمات القرب لم يرد في شأنها ملحقا بالمرسوم لأنها تبقى متغيرة سنويا وفقا لمقرر للوزير) التي يتحدث عنها المرسوم هي التابعة فقط للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب، بينما المخيمات التي تنظمها الجمعيات أو المؤسسات الأخرى في مرافق أخرى فإن هذا المرسوم لا يأطرها وليس معنيا بها، وبالتالي تكون وزارة الشباب المدبر والمراقب لمراكز التخييم التابعة للقطاع فقط، بينما لا علاقة له بالمخيمات الأخرى التي تأثث فضاءات التخييم كل سنة.
- المادة 2: التي قسمت مراكز التخييم إلى مراكز تخييم قارة ومراكز تخييم للقرب، لينهي المرسوم تسمية “المخيم الحضري” التي رافقت أجيالا كاملة من الأطفال والشباب، وأضحت التسمية الجديدة هي “مخيم القرب”. لكن المادة لم تحدد مدة المرحلة التخييمية، وأحالت الأمر على مقرر لوزير الشباب بالنسبة لمخيم القرب، بينما لم تتم الإحالة على أي قرار أو مقرر بالنسبة للمخيم القار. وهناك إشكالية أخرى تطرح بالنسبة لمدة المرحلة، سواء بالنسبة للمخيم القار أو القرب، حيث انتقلت عبر التاريخ من شهرين خلال فترة الحماية إلى 21 يوما بعد الإستقلال وإلى غاية بداية الألفية الثالثة، بينما تقلصت حاليا إلى أسبوع فقط، وهو أمر يقلق أبناء الميدان التربوي الذين يرون أن هذه العملية أصبحت حسابية فقط للنفخ في جداول الإحصائيات العامة لعدد المستفيدين من التخييم، بينما بيداغوجيا لا يمكن للطفل أن يستفيد من كل المزايا التربوية والثقافية والفنية والإجتماعية للمخيم في 7 أيام في السنة.
- المادة 4: حددت المادة الفئات العمرية في 3 فئات هي 7-14 سنة و 15-17 سنة ثم 18-24 سنة، وهي بذلك تقصي فئات عمرية كان يمكنها الاستفادة من المخيمات باعتبار أن المغرب لم ينفتح بعد على تجارب أخرى تهم مخيمات الأطفال أقل من 7 سنوات (في فرنسا مثلا هناك مخيمات للأطفال ابتداء من سنة 4 سنوات) بالإضافة إلى إقصاء فئة الشباب أكثر من 24 سنة والتي يمكنها الاستفادة من مخيمات موضوعاتية تهم ميادين علمية وترفيهية ورياضية متنوعة. ومن ناحية الصياغة، نجد أن المرسوم أطلق تسمية الفئة ما بين 15-17 سنة بالأطفال، بينما الصحيح هو الشباب اليافعين، لأن شاب لديه 16 أو 17 سنة لا يمكن تسميته بالطفل.
- المادة 5: أكدت المادة في فقرتها الأولى على ضرورة توفر مراكز التخييم (بصنفيها القار والقرب) على مرافق مجهزة لتقديم الخدمات التنشيطية، لكن في الفقرة الثالثة أصبحت المادة تتحدث عن المخيم القار فقط بدون الإشارة إلى مخيم القرب، حيث أكدت على أن المخيم القار يجب أن تتوفر فيه وجوبا إدارة وفضاء للورشات ومرافق النظافة والمطبخ وقاعة الأكل وفضاءات التنشيط، وكأن مخيم القرب غير معني بهذه المرافق (إدارة/مطبخ …إلخ)، وهو الأمر الذي سيتم استدراكه في ملحق بقرار وزير الشباب الخاص بتحديد المعايير التقنية الواجب توفرها في مراكز التخييم. لكن كان على واضعي المرسوم أن يتركوا الصيغة التي ابتدأت بها الفقرة الأولى من المادة 5: مراكز التخييم بنوعيها القار والقرب، وخلال الملحق يمكن الاستفاضة في شرح المعايير التقنية وشروط الصحة والسلامة الواجب توفرها في المراكز.
كما أن الفقرة الثالثة من المادة 5 وفي تحديدها للمرافق الواجب توفرها في المخيم القار نجد المسبح ومسرح الهواء الطلق والملاعب الرياضية، وهو أمر غير قابل للتطبيق على أرض الواقع، لأن هناك مخيمات قارة لا يتوفر فيها مسبح مثلا (وقس على ذلك المخيمات التي لا تتوفر على ملاعب أو مسرح)، وبذلك يكون هذا المركز منافيا للمادة 5 وبالتالي لا يجب فتحه أمام الأطفال.
- المادة 6: طرحت هذه المادة إشكالية التأمين داخل المخيم، حيث تم فرض اكتتاب وثيقة تأمين قصد تغطية الأضرار التي قد تلحق بالمستفيدين أو العاملين بمراكز التخييم خلال إقامتهم بها أو بمناسبة تأدية مهامهم، حسب الحالة، وكذا من مخاطر الأضرار التي قد تلحق بالغير. وإذا كان الملحق بقرار وزير الشباب الخاص بتحديد النظام الداخلي لمراكز التخييم في مادته 7 قد فرض على الجمعيات المستفيدة من المرحلة التخييمية الإدلاء بوثيقة التأمين الخاصة بالمستفيدين (الأطفال والشباب) والأطر التربوية، فإن الإشكالية تطرح بالنسبة لتأمين العاملين والمستخدمين (الطباخين والحراس …إلخ) داخل فضاء المخيم والذين لم تحدد المادة 6 من سيتكفل بتغطية تأمينهم، هل الوزارة أم الجمعية؟
- المادة 7 : تاريخيا كان التنظيم الإداري للمخيم يترأسه رئيس المخيم الذي يكون الآمر الناهي داخل رقعة المركز أو المراكز التابعة له بقرار وزاري، لكن المرسوم وفي مادته 7 شطب هذا التاريخ الخاص برئيس المخيم، ليستبدل المصطلح بـ “مدير المركز”. فسابقا كانت هيكلة المخيم يرأسها رئيس المخيم ونوابه ثم المقتصد والمكلف بالتجهيزات …إلخ، بينها تسمية مدير فتطلق على مدير الجماعة التخييمية أو المدير الفرعي الذي يكون المشرف الإداري والتربوي لمخيم الجمعية. حاليا ومن خلال المرسوم، أصبح مدير المركز هو “رئيس المخيم” سابقا، ونائبه أضحى “مديرا مساعدا”.
- المادة 9: أضافت المادة مهمة جديدة للمقتصد، وهي الحفاظ على ممتلكات وتجهيزات مركز التخييم، وهي المهمة التي كان يدبرها سابقا إطار مكلف بالتجهيزات وفقا لقرار وزاري.
- المادة 10: كما تمت الإشارة إليه سابقا، أصبح مصطلح “رئيس المخيم” يطلق على المدير الفرعي لجمعية ما، وبالتالي سيتطلب الأمر سنين عديدة حتى يتم الاستئناس على هذا التحول في المصطلحات والصفات داخل المخيم. كما أضيفت صفة أخرى لأول مرة يسمعها أبناء الميدان، وهي “وسيط تربوي” حددت مهمته في مساعدة رئيس المخيم، لكن بدون أن يشرح لا المرسوم ولا القانون الداخلي ولا الملحقات صفات ومعايير اختيار هذا الوسيط التربوي!
- المادة 12: فرضت المادة على الأطر التربوية وعلى رئيس المخيم التوفر على وثيقة تثبت تمتعهم بحقوقهم المدنية والسياسية، وألا يكون قد صدر في حقهم مقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به من أجل ارتكاب جناية أيا كانت طبيعتها أو جنحة تتعلق بالأموال أو الأخلاق العامة أو ضد الأحداث. وهذا الأمر صعب التطبيق، لأنه بذلك ستفرض على كل الأطر التربوية الإدلاء بوثيقة جديدة تحت اسم “السجل العدلي” لا تتعدى أقدميتها 3 أشهر قبل دخولهم لفضاء التخييم. وهنا يمكن أن يثار نقاش عمومي آخر حول: هل يستحق السجين الذي قضى مرحلة من عمره داخل السجن، الولوج إلى المخيم؟ وهل ذلك لا يعتبر إقصاء لشريحة ربما ندمت عما فعلته سابقا وتريد الولوج للميدان التربوي من أجل الاندماج في مجتمع ربما لفظه سابقا؟.
- المادة 13: هي المادة الوحيدة التي تطرقت لمنظومة التكوين، والتي يعتبرها أهل الاختصاص بقطب الرحى في عملية التخييم، والتي تعتريها العديد من الإكراهات والمشاكل، حيث أحالت المادة على قرار وزاري، لم يخرج لحيز الوجود بعد، سيحدد البرامج البيداغوجية للدورات التكوينية وشروط الحصول على شهادة الأهلية البيداغوجية. وهنا سيكون من الأجدر الانفتاح على الشركاء الجمعويين وأهل الميدان التربوي، بهدف تجويد منظومة التكوين الخاصة بالعملية التخييمية، ومن بينهم الرابطة المغربية للمكونين التربويين، التي أنتجت سلسلة من المؤلفات الخاصة بمجالات التنشيط السوسيو-تربوي، بالإضافة إلى الجامعة الوطنية للتخييم التي راكمت سنوات من النضال التربوي ليستمر هذا النشاط والزخم التنشيطي داخل مخيماتنا.
- المادة 21: تحدث المرسوم عن “لجنة المراقبة” التي سيتم تعيينها بمقرر للوزير قبل افتتاح أي مخيم، والتي أعطيت لها صلاحيات متعددة، والتي لا يمكن للجنة واحدة القيام بها، فمثلا حدد المرسوم مهام قبلية (قبل افتتاح المخيم) تتمثل في “سلامة التدبير الإداري والمالي” لكن بدون تحديد من المقصود بذلك، هل مدير المركز وطاقمه باعتبارهم موظفين تابعين للقطاع، أم رئيس المخيم والجمعية المستفيدة من المرحلة التخييمية؟، إلى جانب مراقبة “احترام الجمعية أو المؤسسة لبنود اتفاقية الشراكة” المبرمة ما بين الجمعية والوزارة، بالإضافة إلى مراقبة “استيفاء الأطر التربوية للشروط المنصوص عليها في المرسوم” ومن ضمنها توفرهم على السجل العدلي كما ذكر سابقا، “احترام المعايير التقنية وشروط الصحة والسلامة” داخل مركز التخييم، ومراقبة “مطابقة برنامج الأنشطة التربوية والثقافية والترفيهية والبدنية”، دون الحديث عن مراقبة “مدى احترام الجمعية المخيمة للنظام الداخلي داخل مركز التخييم”. وهي مهام تتقاطع مع المهمات الإدارية لمدير المركز، الذي يكون في عين المكان، ولا يمكن للجنة “مؤقتة” تزور المخيم لبضعة ساعات أن تراقب كل هاته الشروط وفي ظرف وجيز.
إلى جانب المواد السالفة الذكر، والتي قد تطرح بعض الإشكالات في التطبيق، يمكن الإشارة إلى أن المرسوم تحاشى الخوض في عدة مجالات تهم التخييم، كان يمكن لمشروع القانون أن يفرض وجودها داخل طياته، ولعل أبرزها: تعريف المخيم، منظومة التكوين، مراقبة مخيمات القطاع الخاص، تصنيف المخيمات بناء على المشاريع البيداغوجية..إلخ.
على سبيل الختم
إن المدخل الرئيسي لتطوير مجالات التخييم يمر بإعادة فتح ورش التشريع، وتحديث الترسانة القانونية والإدارية والتنظيمية للقطاع، فإذا كان المرسوم المتعلق بتنظيم مراكز التخييم التابعة لوزارة الشباب خطوة أولى في خلخلة ملف هذا الورش التشريعي، فإن الرجوع إلى إحياء مشروع القانون الذي تم الاستغناء عنه قبل سنتين، سيكون فرصة لجميع المتدخلين بأن يدلوا بدلوهم للدفاع عن تقنين أهم نشاط تنظمه وزارة الشباب بشراكة مع الجمعيات، عبر الاهتمام بأدق التفاصيل التي تهم العملية التخييمية وتكوين الأطر وتطوير المناهج وتجويد المراقبة على مخيمات القطاع الخاص، لتكون وزارة الشباب القطاع الوصي على مجال التخييم في شموليته .