بقلم الاستاذ: حميد طولست
ككل سنة حملت قلمي لأكتب كما تعودت ، ما تيسر عن قيم هذه المناسبة العظيمة التي عمت مجتمعاتنا العربية والمغاربية والإسلامية ، والتي اتمنى ان يتقبلها الله من الذين يؤدونها بنية خالصة ، ويحتفلون بها كسنة مؤكدة بكل ما تحمله من معاني التضحية والإذعان والانقياد لأوامر الله وأحكامه الداعية للبدل والعطاء ، بل امتثالا لمغازى قصة الخليل عليه الصلاة والسلام وإذعانا لتنفيذ رؤيا ذبح ابنه اسماعيل، الذي استسلم لطلب والده دون مناقشة حيث قال:” يا ابتي افعل ما تؤمر”، وليس رياء ومباهاة .
لكني لم أجد هذه السنة في جعبتي ما أكتبه عن هذا العيد، ليس لأنه عيد مختلف عن الأعياد المَاضّية ولا لأمْر فيه جديدُ. ولكن لأني ، مع الأسف ، استهلكت كل معلوماتي ، الدينية منها والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من المعلومات المتعلقة بالأعياد ، ولأني لا أرضى لنفسي تكرار ما كتبه غيري كببغاء غبيي ، فخطر لي أن أكتب بالمناسبة عن النكتة، نعم نكتة ! المروجة فيه وعنه ، إذ ليس هناك ما هو أروع من أن تضحك من قلبك على نكتة عفوية يطلقها مقهور في يوم العيد، حتى تدمع عيناك، بهجة أو حزنا، لا يهم، لأن نكات المغلوبين في حقيقتها هي ابتسامات تقطر مرارة تدمي القلوب، وترمومتر شعبي صادق ، يقيس بأمانة درجة حرارة الشارع، ويسجل ما يستوحش ويطفح بالعباد من كيل شظف العيش وضيقه في ظل الظروف الاجتماعية القاسية والتحديات الاقتصادية التي يشهدها المجتمع مع غلاء المعيشة المتزامنة مع هذه المناسبة العيدية ، التي عبرت عنها إحدى المقهورات بنكتة هي أنجع وأكبر متنفس طبيعي يجعلها تنعم بلحظات الهدوء والطمأنينة، ولو لمدة مؤقتة وزائلة ، والتي صاحت برفيقاتها في العذاب قائلة : “زغرتي يا رحمة ،هذا العيد اللي جا أقبح من اللي مشا”
ولولا نعمة النكتة -التي تتوالد من خلال سهرات ليالي الحشيش، حيث تمج السجائر، و”فتتخ” “الجوانات”، وتتجرع “الماحيا” ،ويشرب “الروج”، ويُلتهم “القرقوبي”، ويُشم “الهيروين” ،الذي اخترق هو الآخر مجالنا الشعبي وكأننا ناقصين -التي يعلم الله أنه لا بديل للمحرومين عنها، كحماية من السكتة القلبية، لعم اليأس والإحباط واشتعلت نيران”السيبة” رغم كونها ليست بديلا حقيقيا لما تعيشه الكثير من الفئات المعوزة من معاناة..
والكل يعلم أن الله سبحانه وتعالى كره العبوس وتكدر النفوس وتقَطيب الوجوهِ واربِدادُها بدليل قوله تعالى (عبس وتولى..)-إلا لدى “المكلخين” فينا الذين يتصورون عن فهم خاطئ للدين، وجهل فاضح لجوهره وحقيقته، أنهم كلما قطبوا جباههم عبوسا صاروا أكثر التزاما وتمسكا بالدين، الذين يعتبرون النكتة شيئا مستهجنا ، والضحك بشكل عام، من قلة الأدب، ومضيعة للهيبة، الى درجة انه عندما يضطر أحد المتشددين منهم مثلا الانتقال من “برستيج” التجهم إلى بساطة التبسم رغما عنه- التي أمر بها الرسول الكريم – فإنه يداري ابتسامته ويخاتلها قائلا: “استغفر الله” ويردف :”الله يخرج هاذ الضحك بخير” وكأنه ارتكب جرما، ناسيا، او متناسيا، أن الإسلام دين سعادة وفرح وليس دين كآبة وعبوس، بدليل قوله تعالى في سورة يونس(58):”قل بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون” ومصداقا لسيرة نبي الرحمة والسعادة، سيدنا محمدا، صلى الله عليه وسلم، الذي كان باسم الثغر ، يمازح العجوز والطفل ليجعل من الحياة مجالا للفرح والابتسامة التي تنسي المتاعب والأعباء.. وهو من جعل من الابتسامة في وجوه الناس صدقة يؤجر صاحبها.
ومن المعروف عن الشعب المغربي، أنه يحب الدعابة والنكتة، وله منها أرشيفا شفهيا ضخما، يحفظ منه الآلاف التي تريح مقهوريه من حالة الضجر ، وتهون على مغلوبيه الظلم ، وتنعش أرواح وقلوب التعساء ، وتساعد المكلومين على الاستمرار في مواجهة أقدارهم البائسة، بفضل غمزات النكات التي لا ترحم لا مسؤولا ولا حاكما، ولمزاتها التي لا توقر لا وزيرا ولا مديرا، ولا حتى رؤساء الحكومات الذين لا يسلمون – رغم جلال قدرهم وسامي مقامهم – من سهامها الحارقة ، وينالون الحظ الوافي من “تقشابها” الساخر على تصريحاتهما العجيبة ،الذي يحصدون منه النصيب الكافي من التندر على خطاباتهم الشعبوية.
وحتى نبتعد عن سخافة النكات السياسية البايخة، أسرد مجموعة من النكات “اللي كتخري” بالضحك -كما نقول في دارجتنا المغربية- وتقتل بالغم والهم ، لما تحمله من مغازي مؤلم ومعاني مضحك في نفس الوقت، التي يحكيها رجل الشارع بلغته البسيطة وأسلوبه المعبر.
ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1: ـ”قيل أن : واحد سميتو مبارك شرا حولي داخل بيه للدرب شافتو جارتو من الشرجم قالت ليه مبارك الحولي.. قال ليها: خدوج النعجه”.
2: ـ”بعد العيد سأل احد المعلمين واحد التلميذ: أش بغيتي تكون فاش تكبر؟ قال ليه التلميد: بغيت نكون ولد الحرام.
قال لو المعلم: علاش أولدي؟ قال ليه التلميد: حيت بابا فاش كيشوف شي حد شاري شي حولي واعرة كيقول لي: شتي ولاد الحراااااام على زهر عندهم جاينهم الحوالى بلا فلوس.
3: ـ”هدا واحد السيد مشا للرحبة باغي يشري حولي واحد الشناق قال ليه اجي راه عندي الحوالا اللي بغيتي و هو يقول ليه داك الراجل انا بغيت شي حولي يكون غير بعشرة الاف ريال و هو يقول ليه الشناق موجود و لكن واش بغيتي تاكلو هنا و لا تديه معاك للدار . هدا واحد السيد شار الحولي عام قبل من العيد و دازت الايام و هو يولفو ملي وصل العيد الحولي مشا عند الراجل و هو يقول ليه بابا بابا امتا غادي تشري لينا الحولي دالعيد ؟؟
4: ـ “هادو جوج حوالا جالسين كيرعاو في واحد الجردة، دازت حداهم واحد الطونوبيلة ديال نقل اللحوم واحد من دوك الحوالا قال لصاحبو هرب هرب السطافيط دايزة.
5: ـ”هادي واحد المرا شرات حولي و مع عندها الضيق في الدار و هي تحطو في الطواليط الحولي مسكين فعوض ما يقول ببببببااااااع و لا يقول يييييياااااااااع.
6: ـ “هذا واحد شرا حولي بالكريدي، وعطاوه معاه كراطة ، علاااااش ؟؟ باش الا تخشى ليه تحت الفراش يقدر يجبدو.
7: ـ “واحد دبح الحولي داه عند الجزار وقاليه سمع: نص عملو كوطليط، ونص تاني عملو تاع طياب، والراس قادو باش انبخروه، والرجلين نقيهم نعملوهم كرعين، والجلد ماتاخدو باغي نعملو بيه هضورة، والكرش والمصارن نعملوهم تقلية، والكبدة والشحمة بولفاف، والروث سماد للشجر، والعظام للكلب جاوبو الحولي وقال: صافي بركة بقا ليك غاصوتو تعملو صونيت لتيليفونك.
8: ـ “هدا حولي مسكين سمع بلي عيد الأضحى قريب وبغى شي طريقة باش مايتدبحش.
عرفتو اشنو دار؟ شرى كتاب بعنوان “كيف تتحول الى حمار في اسبوع “.
9: ـ “واحد مشي يجيب كبش العيد ومالقا الكباش القا غير المعزات سول واحد قاليه بشحال هد المعزة جاوبو بثمن غالي بزااااف وهو يرد عليه واه سكوليطة وتتطلب فيها هد الثمن وهي تجاوبو المعزة شوف العقلية ماتشوفش غير لطاي.
10: ـ “قامت عائلة بشراء خروف صغير قبل العيد بعدة شهور بغرض تربيته وعلفه للعيد، ومع مرور الايام اصبح الخروف يتجول في كل انحاء البيت ويفعل كل ما يحلو له ويلعب مع ابناء صاحب البيت ويتبعهم الى خارج البيت وحتى الى مقاعد الدراسة واصبح يشاركهم حتى الاكل والنوم …ومع اقتراب العيد وفي يوم عرفة حدث ما لم يكن في الحسبان اختفى الخروف … وبعد بحث طويل وجد الخروف في سطح البيت يبكي قيل له ما يبكيك يا خروف فرد عليهم كل الناس اشترت خرفانا إلا نحن..
وفي الختام أسأل الله لكل القلوب مستقراً كريماً، ودقة فرح فى طاعة الله سبحانه وتعالى الذي جعل دعوة المظلوم مستجابة، ولو عبر عنها بالنكتة، لأنه سبحانه وتعالى عالم الغيب ويعرف ان اشد انواع الالم على عبده هو الظلم ، وان الظالم هو المذنب الوحيد الذي لا يؤجل حسابه الى الآخرة ، حتى يرى المظلومين عقابه في الدنيا قبل الآخرة، ولا يكفرون..