جميع الأطفال مختلفون لكن يتعلمون

الجديد بريس_يونس الحكيم

يحتفل العالم يوم 02 أبريل من كل سنة باليوم العالمي لمرض التوحد، بغية تسليط الضوء عليه وكذلك حياة المصابين به، لازال العديد من الناس يجهلون هذا المرض أو لديهم أفكار خاطئة حول المصابين به، ساهمت بشكل كبير في محدودية التعامل مع هذه الشريحة، وللتعرف أكثر على هذا المرض سأحاول أن أتناوله في هذا المقال من زوايا مختلفة بالاعتماد على مجموعة من المراجع التي لامست جوانب مختلفة منه.

تعرف منظمة الصحة العالمية مرض التوحد على أنه مجموعة من الاضطرابات المعقدة في نمو الدماغ، ويتناول هذا المصطلح الشامل حالات من قبيل مرض التوحد واضطرابات التفكك في مرحلة الطفولة ومتلازمة آسبرجر، تتميز هذه الاضطرابات بمواجهة الفرد لصعوبات في التفاعل مع المجتمع والتواصل معه ومحدودية وتكرار الأنشطة والاهتمامات الفردية لدى المصاب بالتوحد.

بينما تعرف الجمعية الأمريكية للطب النفسي في الدليل الاحصائي الخامس DSM5 التوحد على أنه إعاقة نمائية (تطورية) تظهر دائماً في الثلاث السنوات الأولى من العمر، نتيجة للاضطرابات العصبية Neural Disorder التي تؤثر على وظائف المخ، ويتداخل هذا المرض مع النمو الطبيعي فيؤثر في الأنشطة العقلية في مناطق التفكير، التفاعل الاجتماعي والتواصل.

بينما تعرفه الدكتورة جيهان في كتاب “التوحد” على أنه مرض من الأمراض التي تندرج ضمن الاضطرابات الارتقائية التي تتميز بخلل على مستوى الوظائف العقلية المرتبطة بالمهارات اللغوية والاجتماعية هو ببساطة اضطراب شامل يحدث للطفل في مقدمة عمره، و كلمة أوتيزم Autism (توحد) تنقسم إلى شقين Autos بمعنى النفس و Ism بمعنى الحالة الغير سوية وهذا يعني أن مرضى التوحد لديهم نفس غير سوية، لا يبدو على الطفل التوحدي من خلال مظهره الخارجي أي شيء غير طبيعي/ مسجون في قفص زجاجي يمنعه من التواصل مع العالم الخارجي، وقد أصبحت الفرصة مناسبة لتحطيم هذا القفص وإخراج هذا الطفل ليتواصل مع المجتمع. 

وقد تم اكتشاف هذا المرض سنة 1943 بحيث لاحظ الباحثون اهتمام المصابين بالأشياء الجامدة أكثر من اهتمامهم بالإنسان، التأخر في اكتساب اللغة، صعوبة توظيف الكلام في الحوارات أو الاستخدام العكسي للضمائر، اللعب التكراري/النمطي كما يتميز الطفل التوحدي بذاكرة قوية مع الحفظ الجيد دون الفهم، و من الأعراض التي تمت ملاحظتها عند الطفل التوحدي هي: مقاومة الاحتضان، لا يلعب مع الاطفال بحيث يجلس بمفرده، لا يخاف الخطر، لا يظهر اهتماما للأصوات ثم يتحاشى النظر في أعين محدثيه أو مخاطبيه، ترديد الكلام، نشاط حركي زائد او خمول شديد.

إلا أنه خلال إعداد هذا المقال تطرقت بعض الدلائل وامكانية الإصابة بالتوحد قبل سن 18 شهرا حيث تم تصنيفها إلى مستويين:

_المستوى الأول قبل 8 أشهر التي يتميز فيها الطفل التوحدي برفضه للرضاعة وعدم تكييف الجسم مع اليدين اللتين تحملانه إضافة إلى غياب الابتسامة خلال 3 أشهر الأولى والخوف من الغرباء كما تتميز هذه الفترة باضطراب في النوم وتنتابه نوبات القلق والبكاء الشديد بدون سبب.

_أما المستوى الثاني يبدأ من سن 8 أشهر ومن مؤشرات هذا المستوى عدم قدرة الطفل على أداء 3 وظائف عقلية مثل: عدم القدرة على القيام بالألعاب التخيلية والإشارة بإصبعه لإثارة الانتباه ثم عدم قدرته الى النظر للأشياء التي ينظر إليها الشخص الذي يحمله.

ولفهم هذه الدلائل ابتكر عالم النفس كوهين بارون عام 1992 مقياسا يمكن من خلاله معرفة إذا كان الطفل مصابا بالتوحد ام لا لعرضه على طبيب مختص حتى يتمكن من تشخيص المرض مبكرا وعلاجه، عوض البقاء حبيسي التصورات النظرية السابقة التي تقول بان التوحد هو مرض ناتج عن نقص في العاطفة لدى الأبويين إلا أن هذا التصور كان خاطئ خصوصا وأن أسباب مرض التوحد لازالت لحد الان غير معروفة بل هناك من يرجح مسألة المرض إلى أسباب بيولوجية بالأساس ناجمة عن اضطرابات في وظائف المخ، ومن بين الآليات التي تم اعتمادها لتشخيص مرض التوحد، الدليل المرجعي للجمعية الأمريكية للطب النفسي الذي تبنته منظمة الصحة العالمية وقد اعتمدت الجمعية الأمريكية في التشخيص على 12 بندا بناء على الحالات التي تمت معاينتها، رغم كل المجهودات المبذولة يصعب الجزم في إمكانية العلاج خصوصا في ظل غياب علاج دوائي أو غير دوائي يقضي على المرض بشكل نهائي لكن هناك بعض الطرق التي يمكن اعتمادها للحد من تطور المرض تماما او الحد من شدة الأعراض من خلال اعتماد آلية الدمج الاجتماعي و اكساب الطفل مجموعة من المهارات الحياتية التي تجعله أكثر تواصلا مع محيطه بصورة أفضل حتى يستطيع الحياة بشكل مستقل ما أمكن دون الاعتماد على الآخرين، التركيز على الجانب النفسي والسلوكي والمعرفي مرفوقا ببعض العلاجات الدوائية يمكن أن تقلل من شدة بعض الأعراض الجانبية المصاحبة لمرض التوحد كاضطراب النوم والصرع إضافة للإرشاد النفسي للأسرة بغية تقديم دعامات للطفل التوحدي ونجاح العلاج المعتمد خصوصا وأن مشاعر الوالدين عندما يعلمان بإصابة طفلهما بمرض التوحد خلال مرحلة الاخبار من طرف الطبيب المختص التي غالبا ما تكون متباينة بين الشعور بالغضب والذنب والشعور بالاكتئاب والانكار والاسقاط إلا أنه يجب تهيئتهم لتقبل الأمر الواقع للمساعدة في علاج الطفل المريض، في ظل ظهور علاجات جديدة كالعلاج الدوائي الذي لازال قيد التجربة ونتائجه متضاربة، بالمقابل هناك بعض هذه العلاجات التي حققت تقدما في العديد من الحالات المدروسة العلاجات الغذائية التي  تركز بشكل كبير على تناول الأغدية المتنوعة والتي تحتوي على المغنيزيوم والكالسيوم خصوصا الخضر والفواكه وتجنب المواد الغذائية التي تحتوي على الجلوتين و الكازلين مع التقليل من السكريات وتجنب الأغدية التي تحتوي على مواد حافظة، نجد كذلك التدريب التوافق السمعي علما ان اطفال التوحد يتسمون بالحساسية المفرطة اتجاه الأصوات والترددات التي لا يتأثر بها الاطفال العاديون وبناء على هذا المعطى نشأت فكرة التدريب التوافقي السمعي كآلية للعلاج من خلال الاستماع للموسيقى على فترات متقطعة بترددات مختلفة، وفي الأخير نجد التوافق الحسي عن طريق استثارة جلد الطفل  بالضغط أو الأرجحة، إذا كان التشخيص صحيحا و مبكرا مرفوقا بتقبل الأبويين للأمر الواقع و عدم إضاعة الوقت في الطواف على الاطباء للتأكد من الوضع فإن التعديلات السلوكية و النطق قائم إذا كان التدخل مبكرا، وبالتالي وضعية الطفل التوحدي في المستقبل خصوصا في غياب مجموعة من المعطيات والمعلومات في دول العالم الثالث لا توجد أي حالة تفيد أن هناك حالة مرضية قد تمكنت من الاستغناء عن الأبويين أو تمكنت من تتبع دراستها الى أبعد حد ممكن باستثناء حالة واحدة بالمغرب عكس الدول المتقدمة خصوصا المصابين بتوحد طفيف باستطاعتهم إكمال دراستهم والحصول على شواهد دراسية إلا أنهم لا يستطيعون الاستغناء عن آبائهم والمراكز الخاصة، لكن هناك صور مضيئة في التوحد مأخوذة من تجارب واقعية وملموسة لأم عظيمة كانت مكافحة من أجل طفلتها استطاعت أن تحول المرض من لونه القاتم على قلوب بعض الأسر الى نقطة ضوء تنير قلوبهم وقد ساهمت في تأطير أمهات و مؤطرات أخريات في هذا المجال بعدما خضعت لعدة دورات تدريبية عدة.

للختام لابد القيام بالمزيد من الأبحاث في هذا المجال، إقامة دورات تدريبية، إنشاء مراكز خاصة للعلاج والارشاد الاسري، تسليط الضوء على مرض التوحد من طرف وسائل الإعلام وتدريس هذا المرض للتعرف عليه بشكل اكبر.

المراجع:
منظمة الصحة العالمية
الجمعية الأمريكية للطب النفسي في الدليل الاحصائي الخامسDSM5
كتاب التوحد للدكتورة جيهان (كتاب اليوم السلسلة الطبية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *