يجد المتتبع للتطورات الهائلة التي طرأت على المجتمع المغربي ، أن انعكاساتها عليه جعلت منه مجتمعا غريبا عما عرفناه عنه وعليه بالأمس القريب ، و حولت الناس فيه -وعلى حين غرة وفي غفلة من الجميع- من استهجان لمظاهر القبح ، ومقت للأخلاق الرديئة ، ورفض للسلوكيات السيِّئة والعادات المشينة ، إلى عشاق لكل ما يسيء للذوق والأخلاق وما يناقض الأعراف والقوانين والشرائع الوضعية والسماوية ، ولا يتورعون عن التباري بل ويتفننون في إنتاج كل ما يتسبب في تعاسة مجتمعاتهم ويسيء لأوطانهم ، والأمثلة الدالة على ذلك كثيرة أكتفي منها هنا على سبيل المثال، واحدة من أهجن وأقبح الظواهر المستفزة ، التي تقض مضاجع ساكنة المدن والقرى على حد سواء ، وتبوؤ البلاد الدرجات المتقدمة في التسيب والفوضى التي ميزت بها الساحة المجتمعية العامة في العقدين الأخيرين ، وأثارت العديد من ردود الفعل اللاذعة لدى الرأي العام والصحافة ووسائل الإعلام ،والمتمثلة فيما تعرفه طرقات مدننا وشوارعها من فوضوية انتشار الاعداد الخيالية لعربات بيع الفواكه والخضار ، وبشاعة تزاحم جحافلها أمام المحال التجارية وبوابات المؤسسات الرسمية والمساجد -خاصة في هذا الشهر المبارك – واعتراضها مسارات السيارات بإحتلالها قارعة الشوارع العامة ، ما يجعل الزائر يخالنا شعا يعيش ليأكل وينام ولا شيء غير ذلك ، حيث أنه لا يخلو أي شارع رئيسي أو جانبي ، في أيٍّ من الأحياء السكنية ، الراقية منها والشعبية والعشوائية ، من عشرات العربات ال منهامجرورة يدويا أو بالحيوانات ، أو المقطورة “بالموتورات” التركية ، يمارس أصحابها تجارة غير مرخصة ، متصايحين في تنافسية مقيتة ومستفزة ، لتصريف سلعهم من الفواكه والخضراوات التي تلقى الاقبال الكبير على إقتنائها بشكل مريب من جميع طبقات المجتمع الفقيرة والغنية رغم تعرضها للشمس والغبار وأدخنة عوادم السيارات ، الأمر الذي يشكل الركن العشوائي لسياراتهم ودراجاتهن ارباكا مروريا ومضايقة مباشرة لمستعملي الطريق ، ويخلق للساكنة متاعب واوضاع اجتماعية متأزمة ومزمنة . ربما يقول قائل بأن ذلك راجع لطغيان الفوارق الطبقية والتوزيع غير العادل للثروة ، وقلة فرص الشغل وربما انعدامها و نسب الفقر والهشاشة والعطالة المرتفعة في أوساط الشباب وحاملي الشواهد، وغير ذلك من العوامل المعيقة للتنمية المستدامة التي تدفع الشباب للبحث عن التشغيل الذاتي، عن طريق ممارسة هذا النوع من التجارة غير النظامية والمجزية ، لكن ذلك لا يشفع لتلك الفوضى العارمة تزداد حدتها مع حلول رمضان من كل عام ، خاصة إذا علمنا مقدار المجهودات المبدولة في بناء الأسواق النمودجية والتي تبقى فارغة يسكنها الزرزور.