يقول المثل الفرنسي: “L’habit ne fait pas le moine” أي أن اللباس لا يصنع القديس ، ما يعني أنه ليست أشكال الناس ولا ألوانهم أو ألبستهم أو ما يمتلكونه من أموال وعقارات –رغم أهميتها في الترتيبات والتصنيفات المجتمعية – هي التي تثير وتلفت النظر إليهم ، لكن الجاذب في الناس عامتهم وخاصتهم ، هي الابتسامة النقية ، والكلمة اللطيفة ، والعيون الضاحكة ، والروح الخفيفة الصافية ، وغيرها كثير من الإلتفاتات العفوية النابعة من العواطف الإنسانية الرقيقة التي تخلقها الوشوشات الهامسة ، واللمسات الحانية ، والكلمات الدانية ، والنظرات الخاشعة ، التي تحتضنك بها قلوب محبيك الطاهرة في وقتها ، وتغمرك عيونهم الناضحة بالمحبة في إبانها، فتزرع في القلب والنفس الفرحة والسعادة التي لا تقدر بثمن التي تظل أثرها في الذاكرة ، وتدوم بما هو أكبر بكثير من كل الهدايا المادية ، التي تنكمش بالصرف وتذوب بالبعثرة ، فكل ما يأتي في وقته وبحلول زمانه وحصول إبانه ، لهو أفضل ألف مرة عن المتأخر منه ، الذي يؤدي الواجب ولا تصفو به الخواطر، كحال الوردة التي تقدم في غير وقتها ، والكلمة التي لا تأتي في إبانها ، ولذلك خدها نصحة من مجرب عانى من ويلات فوات الآوان ، وتحسر على إنقضاء الأحيان ، وبكى على تهاونه في إعطاء اللحظة حقها ولم يجعلها خالدة في حياته غير عابرة ، ولا تأجل مشاغل اليوم إلى الغد ، كما تعلمت ذلك في المدرسة ، فربما لن يأتي ذلك الغد ، وحتى وإن أتى ، فلن يأتي بنفس الفرصة السانحة ، ولا تكن مُستسلماً، ولا تقف مكتوف الأيدي وكأنك مربوط بحبال من مسدٍ تُراقب فوات الأوان ، فكم هو قاس ادراك أن الوقت قد فات وليس له من عودة ، وقد قالوا أن خير البر عاجله ، فعجل باللاستمتاع بحياتك ، دون أن تجعل كل همك الجري الآهث خلف كل ما تقع عليه عينك في الطريق ، فتشتت نفسك بين اللحظات في عصر لم يعد يسمح فيه بتأجيل ما يجب القيام به على الفور ، كقبلة الاعتذار التي تُرسم على جباه الموتى ، والدموع التي لا تدرف في الجنائز ، والندم الذي لا يُحس به في المقابر ، ونظرات الحب والشوق التي لا يُشعر بها في لحظات الوداع ، والابتهالات والدعوات التي تتلى في المستشفيات بعد فوات الآوان ، وذلك – للأسف- لأننا لا نعرف قيمة بعضنا إلا في المحن وعند النهايات كما في قصة الألم، التي كتبها تشيخوف ، ولا تدع أمواج الحيرة تتقاذفكَ بين مد يدعوكَ للمُضِي قدماً في إنجاز أمورك في وقتها ، وجزر يجرك نحو التراجع عن إتيانها ، ولا تسأم من المحاولة وتكرارها، وتشبث بالحياة وقدر كل دقيقة من عمرك قبل نفادها. أرجو لا تنجعز أيها القارئ الفاضل من حديثي ، فالكلام الصادق ليس جميلا دائما ، والكلمات الجميلة ليست صادقة على الدوام ، تحياتي وتقديري.