كثيرة هي المشاعر الإنسانية المشتركة بين بني البشر القادرة على كشف الذهنية الثقافية الاجتماعية والسياسية والدينية لأي إنسان ، وفضح سلوكياته الاجتماعية والإنسانية مدى تفاعله سلوكياته مع المحفزات الداخلية والخارجية التي يحاول إخفاءها عن الناس، وذلك من خلال استجاباته لثنائيات ما يفرحه ويرضيه ، وانفعالاته مع ما يحزنه ويغضبه ، وغيرها من المشاعر التي تتمايز بها الأخلاق ، في جميع الثقافات الإنسانية ، تماما كما هو الحال بالنسبة للتصرف المفاجئ وغير المقبول المتمثل في نزع لاعبي فريق الأهلي المصري للميداليات الفضية أمام أنظار رئيسي الفيفا والكاف، وملايين المشاهدين المتابعين للمباراة عبر العالم ، تعبيرا منهم عن رفض خسارة لقب دوري أبطال إفريقيا أمام الوداد بملعب محمد الخامس بالدار البيضاء، والذي زاد من استفزازية الموقف، رمي لاعب ” عمرو السولية ” ميداليته على الأرض أثناء مغادرته الملعب نحو غرفة الملابس ، التصرف اللامسؤول الذي يفضح تجرد لاعبي فريق الأهلي المصري من الروح الرياضية التي من المفروض أن يتسم بها كل ممارس للرياضات وعلى رأسها كرة القدم ، التي يعتبرها علماء الاجتماع والأنثربولوجيين من المناسبات الحاشدة التي تظهر فيها و بكل وضوح القيم الثقافية والضوابط التي تحكم بشكل غير معلن العديد من المجتمعات ، وتكشف بوضوح مدهش المفاهيم الشائعة للشعب الذي يمارسها لاعبوه بإيقاع يلائم المفاهيم التي استقرت في بلدانهم منذ عقود طويلة وصارت جزءاً من سلوكهم اليومي المعتاد ، السلوك الذي يسهل معه التعرف على بلد وجنسية أي فريق من فرق العالم ، فإذا تميزت المياراة بالفرح والطرب والإيقاع وتنقل اللعبين من موقع في الملعب إلى آخر بروح وثابة، ويمررون الكرة بأقدام راقصة، وكأنهم يعزفون الموسيقى، فإننا ، سنعرف على الفور أن الفريق آت من بلد يعشق ويتعامل مع الكرة وكأنها معشوقته الفاتنة وسندرك وبسهولة أن المباراة لفريق من أمريكا اللاتينية، وبالضبط من ” البرازيلي “، أما إذا ساد على مباراة تطبيق قوانين وومبادئ كرة القدم وغلب على لاعبيها احترام الأخلاق الكروية وتقديس التخطيط والتصميم والابتكار ، فنذرك بيسر أن الفريق من الدول المتحضرة التي حققت ثورة العقول الفعالة المؤثرة في صناعة الحياة المبنية على الأخلاق في كل شيئ، قبل المتعة الكروية، وتكتيكاتيها وتقنياتيها، وقبل لمسات اللاعب الفلاني الرائعة، وتمريرات المهاجم العلاني الهادفة ، الأخلاق التي هي منارة كل لاعب نحو الرقي والإتزان، والتي من دونها تكون اللعبة ولاعبيها وجماهيرهما ناقصين، وهنا أسوق كمثال على تشبع بعض الفرق بالأخلاق الاجتماعية السامية ، سلوك لاعبي المنتخب الهولندي الرائع والجميل الذي يجب أن يقف أمامه الجميع بكل احترام وتقدير، والذي اتمنى من كل قلبي أن يكون درساً وعبرة للاعبي المنتخبات المغاربية والعربية قاطبة لعلها تستفيد منه، والمتمثل في الحقيقة التي فرضت نفسها خلال إحدى مباريات كأس العالم التي كان المنتخب الهولندي –وما ادراك ما المنتخب الهولندي -يمني النفس بالظفر بها ، كباقي المشاركين ، غير أن الحظ عاكس مبتغاه ، ليس لتقصير من لاعبيه ، ولا لعيب في مدربه ، لكنه الحظ أعطى الفوز للمنتخب الإسباني المستحق ، والذي قدم له الفريق الهولندي الإنساني الخارق تهنئة الفوز كما تفرضها الأخلاق الإنسانية قبل المبادئ والقيم الرياضية المتعارف عليها كونيا ، والتي لم يسليه عنها ، لا الضغط النفسي الذي عاشه طيلة المباراة، ولا الإنذارات والبطاقات الصفراء والحمراء التي حصل عليها معظم لاعبيهم ،ولاغضبهم الجام على حكم المباراة، ويبقى الموقف الكثر إنسانية عن وقوف لاعبي المنتخب الهولندي جميعهم تحت منصة التتويج في انتظار المنتخب الإسباني ليتبادلوا مع لاعبيه تهنئة التتويج في منظر يسعد العين و ينم عن الثقافة الراقية والأخلاق السامية ، التي نحن بعيدون كل البعد عنها ، في مقابل ثورة كروية مغاربية وعربية عاطفية تعيش هياجات انفعالية متواصلة يسحق لهيبها العقول الفاعلة ويقبر الأفكار المبدعة ، ويسوغ للأعمال المبلدة لها والمانعة للإبداع والابتكار فيها ، ويشرع للدسائس والمؤامرات التي تجعل كرة القدم عندنا ترقد في قيعان مستنقعات عفنة ، وتحول ملاعبها إلى سعير لا تسمع فيها غير السب والشتم والكلام النابي ، وبكاء ونواح المسيرين وحنينهم لمنجزات السالفين الغابرين.. وفي الختام هنيئا لعموم الشعب المغربي و كل مكونات نادي الوداد الرياضي من مكتب مسير و طاقم تقني و لاعبين و جماهير بهذا الفوز المستحق وبلقب عصبة الأبطال الإفريقية، وتحياتي للشعب المصري الشقيق ، وفريق الأهلي الذي لابأس من تذكيره بأن كرة القدم أخلاق وثقافة ومتعة مبنية على مبدأ الفوز و الخسارة يجب تقبلها ..